هناك 10 أسباب كانت كافية لاستدعاء حركة 20 فبراير و تجديد الدماء فيها. المناسبات تستنفذ أغراضها ودوافعها ويستحيل تخليدها طقسا روتينيا لا يبرره إلا عد السنين للدلالة على الحضور الاستمرار فيه. لكن حركة 20 فبراير خلقت لكي تدوم وتتأصل تدريجيا في الوجدان و الضمائر الحية في الشعب طالما استمرت دواعي وجودها , من استبداد البعض وهوان البعض الآخر. من تضليل للعقل و المنطق و تسفيه للمطالب المشروعة. يقول أحد المناضلين في شأن فضيلة الصمود والثبات على الموقف : "إنهم يتجاهلونك ثم يسخرون منك. ولما لا يفلحون في تغيير موقفك يحاربونك فتنتصر عليهم ثم يتصالحون معك". هذا بالضبط ما يحدث لحركة 20 فبراير التي نقف حاليا بشأنها في محطة المحاربة بعد التجاهل و السخرية, إليكم فيما يلي الأسباب العشرة لضرورة حركة 20 فبراير: 1) فشل التنظيمات السياسية في استقطاب المواطنين لا الشباب منهم ولا غير الشباب . خطاب السياسيين المغاربة ، دوغمائي في مضمونه خشبي في شكله، ونادرا ما يكون صادقا. المحطات السياسية كلها كرنفالات لإستعراض القوة الناعمة وأحيانا الخشنة . من يقنع إذن هؤلاء المواطنين بالمشاركة في الإستحقاقات السياسية المقبلة؟ فإذا كان المثقفون والمتعلمون عامة محصنون نسبيا من عدوى الإنجرار وراء سراب الدعاية السياسية،فإن العوام من الشعب المغربي هو الآخر فطن لأساليب الإغراء المفضوحة وتأكد من عجز السياسيين عن إحداث تغيير في حياتهم. 2) محاصرة الدولة لأنشطة الحركة ورموزها : لم تشأ السلطات قمع الحركة في بدايتها لأنها أدركت أن السياق غير مناسب وأن رهان كسر العظم مع حركة ناشئة متنامية سينتهي بنتائج غير محسوبة. لهذا فضلت التريث واعتماد تكتيك القسوة واللين حسب مقتضى الحال،إلى أن تخور قوى الحركة من تلقاء نفسها ،وهذا ما تهيأ لها جزئيا لكن لم تفلح في اجتثاثها تماما من المشهد السياسي. 3)تراجع الدعم الشعبي للحكومة المنتخبة: لا يخفى على أحد أن الحكومة الحالية نالت دعما شعبيا منقطع النظير وهو ما تأكد فعليا عبر المشاركة في استحقاقات ما بعد ربيع عربي علقت عليه آمال لا زال جلها مؤجلا. حزب العدالة والتنمية وهو الحزب الأغلبي في الحكومة استثمر حسن تدبيره للحملة الإنتخابية التي أفضت به إلى سدة الحكم. لكن سرعان ما خبا حماس الجماهير المؤيدة، نظرا لعجز هذه الحكومة عن إنجاز نقلة نوعية تنعكس على حياة المواطنين، والإستعاضة عن ذلك بخطاب الطمأنة والتفاؤل. ونظرا لتنازل رئيسها عن صلاحيات أقرها الدستور الممنوح، على حد تعبير الحركة. 4) استمرار تفشي البطالة بل وتفاقمها مع انسداد أفق التشغيل، خاصة في القطاع العمومي. الحكومة تقول أنا تحاول التحكم في كتلة الأجور التي تشكل عبئا على الموازنات المكرواقتصادية، وتقترح مقاربات يكون الموظف فيها هو من يدفع الحساب، ما يضع الحكومة أمام مواجهة جبهتين في آن واحد. جبهة المأجورين الذين يحسون بالضيم جراء التضييق على شروط عيشهم و ارتقائهم الإجتماعي ، وجبهة الساعين إلى كسب أجر ممن طالتهم العطالة. هذه حالات لا نستطيع فيها أن أنفسنا أن الأحزاب ستكون صادقة في وضعها ضمن أولوياتها. وحدها حركة 20 فبراير هي القادرة على دمج هذه المطالب الملحة ومطالب أخرى تتعلق بالكرامة والحرية والديمقراطة،في بوتقة واحدة من أجل الأفضل. 5) فشل الحكومة في إنجاز الإصلاحات الموعودة : ذلك أن الذي يمارس الحكم الآن، قد مارس المعارضة في وقت سابق، فكانت له مناسبة للإفصاح عن مشاريع الإصلاح والتنمية ومحاربة الفساد والإستبداد . للأسف بعد تنصيب الحكومة الجديدة، أي بعد الإنتقال من اللفظي إلى العملي، تراجعت بشكل واضح ومعبر عنه أمام مظاهر الفساد الذي واصل استئساده على المغلوبين على أمرهم، وأدركت صعوبة المهمة لأنها حكومة منقوصة الصلاحيات. 6) استمرار تدهور أهم الخدمات وغياب أفق منظور لتدارك سوء تدبيرها . فتدهور الخدمات الطبية في المستشفيات العمومية وما يتصل بذلك من سيادة الرشوة والزبونية أمر لا يحتاج إلى دليل، ولا نحتاج إلى ما تفيدنا به وسائل الإعلام باستمرار من تجاوزات واختلالات مسكوت عنها ومتواطأ بشأنها. يكفي أن تتوجه إلى أقرب مرفق صحي لعرض نفسك على طبيب حتى تتأكد من المساومات والتأجيلات تجعلك تتعايش مكرها مع مرضك.أما التعليم فقد تعددت أدواؤه وتوازت معها مقاربات الإصلاح الفاشلة والمستنزفة لجزء كبير من ميزانيته التي يستكثرها المسؤولون عن القطاع ويهولون من عبئها. ميدانيا لا يظهر أن شيئا ما سيتغير في الأفق المنظور،اللهم إلا إذا حصل حل جذري أو حل سحري. 7) سيادة نظام الإمتيازات: إن من شيم المغاربة حبهم للعيش في وئام ، وهم ميالون بالفطرة لحب الخير للجميع . ولا يمكن أن ينغص عليهم حياتهم إلا ما يحدث أمام أعينهم من استغلال للنفوذ أو الوظيفة بالشكل الذي يؤمن نسج علاقات أخطبوطية من الإمتيازات التي لا يجيزها المنطق . لماذا يراكم المسؤولون الكبار والمتنفذون امتيازات فوق امتياز وظيفتهم، علما أن هذا الصنيع يساهم في تسميم الحياة المجتمعية وينشر داء الكراهية؟ 8) الإيحاء بنمو اقتصادي لم تكتمل معالمه: كثيرا ما ترد علينا عبر مختلف المنابر الصحفية بيانات تؤكد على بداية انتعاش اقتصادي، وتروج أرقاما تفيد بأن معدل النمو في ارتفاع. هذه انطباعات وتوقعات مبنية على دراسة نشاط اقتصادي بعينه ولا تفيد بأي حال إقرارا بنمو مستدام. 9) التوزيع غير العادل للثروات: يظهر هذا التوزيع جليا حين المقارنة بين فئة نخبوية وهي أقلية، في بحبوحة عيش . وفئة أغلبية من العوام تصارع شظف العيش. لكن من يسأل عن الطبقة الوسطى وظروفها؟.. إنها طبقة تتآكل تدريجيا وتذوب في تلافيف الفقر. 10) اليأس من إنجاز إصلاح جذري بالإعتماد على آليات التدبير السياسي الراهنة: ذلك أن التداول على السلطة بالشكل الإنتهازي الذي نشهده عند معظم التنظيمات السياسية، أفرز نخبا احترافية تترصد للمواطنين بشتى الوسائل لإستمالتهم. وقد نجحت،مع دوام استئثارها بالسلطة،في نسج شبكة من الإمتيازات والمصالح تسند بها وجودها، ويستحيل اختراقها من طرف الكفاءات الخارجية الغير مستوعبة لقوانين اللعبة. حركة 20 فبراير جاءت إذن لتخلخل المشهد وتنبه لنقائص هذا التدبير، الذي أضحى واقعا يعيد نفسه بشكل مستفز. صحيح أن الحركة لم تعد بكامل زخمها وعنفوانها، وواضح أن صوتها بدأ يخفت ويعرف ما يشبه الإنكسار، لكنها لم تمت، لأن مبررات حياتها لا زالت حاضرة . ولا يمكن أن تستعيد عافيتها إلا إذا تخلصت ممن حرف أهدافها لتعطيل مفعولها،سواء من الداخل أو الخارج.