المغربي سمير خالفي هو واحد ممّن آمنوا بكون طلب العلم ينبغي أن يهمّ تنمية المعرفة ولو بقصد الصين، لكنّه حوّر ذلك بلطف حتّى يكون قصده موجها صوب الديار الإيطاليّة لاعتبارات ذاتيّة وأخرَى موضوعيّة. رحلة سمير صوب إيطاليا مستمرّة منذ 15 سنة بالتمام والكمال.. وهي الفترة التي جمع فيها بين دراسته للهندسَة وكذا اشتغال مهنيّ جعله ملمّا بعوالم التدبير ضمن مجال الطاقة النقيّة التي يراهن عليها دوليا لتخطّي الاستعمالات النمطيّة في هذا المضمار. من خريبكَة ينحدر سمير خالفي من مدينة خريبكَة التي استقبل بها الحياة سنة 1974، وبها تدرج دراسيا حتّى نال شهادة باكلوريا علميّة عام 1992، ليجبر على الرحيل صوب كلية العلوم من جامعة أبي شعيب الدكالي، بمدينة الجديدة، ويتخرج بعد 6 سنوات مجازا في الفيزياء. يفتخر سمير بعيشته وسط خريبكَة وما وسمت به المدينة ذكرياته الطفوليّة حتّى اليوم، وذلك بالرغم من الفترة التي أمضاها للتحصيل العلمي بالجديدَة، وكذا مرحلة الانتقال إلى مدينة مرّاكش، التي دامت لعام واحد، بغرض دراسَة تحضيريّة للرياضيّات العليا.. وعن هذه التجربة الأخيرة يقول سمير لهسبريس: "لم ينجح قصدي لمرّاكش بعدما ساءت الأمور بطريقة صعّبت الأمور على حلمي المقترن بالتخرّج مهندسا". إلى تُورِينُو في أول عام من الألفيّة الجاريّة حزم خالفي حقائبه وقصد مدينة تُورِينُو الإيطاليّة.. وتأتّى له ذلك بعدما قدّم طلب التحاق إلى مدرسَة العلوم التطبيقيّة الشهيرة بالمنطقة، "بُولِيتكنِيك تُورينُو"، مستفيدا من حافز تمثّل في سلاسة تعاطي إدارة المؤسسة مع الملفات الموجهة إليها إثر مقارنة ذلك بما يتم من لدن مثيلاتها بعموم التراب الأوروبي. ووصل سمير إلى شمال إيطاليا متسلحا بتكوينه المغربيّ وعام من دراسة لغة بلد الاستقبال، لكنّ ذلك لم يكن كافيا لتحقيقه سلاسة الاندماج ضمن مستقره العلمي والحياتي الجديد.. حيث يورد خالفي بخصوص ذلك: "اختمرت فكرة الهجرة لديّ بعد نيلي للإجازة من جامعة الجديدَة، لكنّ دراستِي للإيطاليّة خلال عام كامل لم تكن كافيّة". "لقد كان عامي الدراسي الأول صعبا للغاية، وساندتني أسرتي ضمنه بأداء مصاريف الدراسة، بينما وجدت صعوبة تأقلم أمام قلّة المغاربة، البالغ عددهم 3 أفراد، وسط المؤسّسة التي يؤمّها حوالي 40 ألف طالب وطالبة.. كما صادفت مشاكل إدارية ناجمة عن عدم الخبرة في التعاطي مع الاستمارات المرقونة بالإيطالية لأضيع فرصتَين لاستفادتي من سكن جامعي ومنحة دراسيّة.. لكنّ كل هذا تمّ تداركه في العام الموالي عقب مراكمتي للمعرفة اللازمة بمجتمعي الجديد" يضيف سمير خالفي. تخرّج وعمل تخرّج ذات المغربي، سنة 2008، من "بُولِيتِكنِيك تُورِينُو" مهندسا مختصّا في علوم المواد، محققا بذلك حلمه الذي اشتغل عليه بجدّ لثمان سنوات وسط الديار الإيطاليّة.. وهو ما مكّنه من الانخراط في سوق العمل بطريقة تدريجيّة استهلّت من سجن للقاصرين وسط ذات المدينة التي استقرّ بها. وعن تلك التجربة يورد سمير أنّها كانت إيجابيّة للغاية بعل عمله على تغيير سلوكات عدد من المراهقين المحكوم عليهم من لدن القضاء الإيطاليّ بفعل إدانات عن أفعال جرميّة مختلفَة خطورتها.. "عملت على توفير مواكبة دراسيّة لهم مكّنتهم من التعرف على القواعد الأساس بعالم المعلوميات.. وأعدّ هذه المحطّة من مساري المهنيّ متميّزة وواسمة لشخصيتي بشكل كبير". بعد ذلك، التحق خالفي بشركة متخصّصة في إنجاز الأوراش المقترنة باستثمارات الطاقات النقيّة، خاصّة تلك المقترنة بالأشعّة الشمسيّة وقوَى الرياح.. إذ عمل سمير، ما بين عامَي 2009 و2013، ضمن مصلحة المشتريات بذات المؤسسة.. مشرفا على مقتنيات العتاد الذي تستلزمه الاوراش المفتوحة. هذه التجربة العمليّة التي اقترنت بممارسة يوميّة على مدَى 4 سنين مكّنت المغربي نفسه من الإلمام بأسواق التجهيزات الطاقية العالميّة، زيادة على سير العمل الميداني بالأوراش التي تشرف عليها الشركة المشغّلة له.. ويعلق على هذه المرحلة بقوله لهسبريس: "كان ذلك إغناء لمساري المهنيّ، واستمرارا لتكويني بالمجال الطاقي الذي يعرف تطورات مفصليّة مع مرور كلّ يوم.. لكنّ دعم الدولَة الإيطالية لمشاريع الطاقة النقيّة قد تراجع بعد تحقيق النتائج المرغوب فيها قبل المدّة المحدّدة لذلك، ما حذا بعدد من الشركات، من بينها تلك التي عملت بها، تنهي مسارها عقب تراجع التشجيعات التي استفادت منها وتقلص الطلبات على خدماتها". تعاون مغربي إيطالي ينتمِي سمير خالفي إلى مجموعة عمل مهنيّة، أسسها إلى جوار مهندسين من مرافقيه بالاشتغال ضمن ذات التخصص، تروم ربط علاقات تبادل بين المغرب وإيطاليا ضمن المجال الطاقي النقي، وأيضا تشجيع الاستثمارات على مستوى المقاولات والكفاءات بهدف تبادل الخبرات والمؤهلات وتقويتها. ويقر سمير، ضمن حديثه إلى هسبريس، بتوفره على مشروع مهني يحمله بغرض الفعل الاستثماري الطاقي في المغرب، لكنّ أجرأته يقرنها بمضي المزيد من الأشهر حتّى يتأقلم مع وضعه الأسري الجديد الذي عرف ازدياد توأم يتطلبان مزيدا من الرعاية بالديار الإيطاليّة. "مستوى النمو الاقتصادي بالمغرب، زيادة على انتمائي لهذا الوطن الأصل بالنسبة لي، هو محفز لي من اجل مغادرة الأزمة المالية التي تطال إيطاليا على أكثر من صعيد، خاصة مجال الطاقة النقيّة الذي يلقَى الاهتمام والرهان عليه مستقبلا وسط بلدي.. أمّا التجربة التي راكمتها، على المستويين النظري والعملي، تدفعني صوب الانخراط ضمن استثمار مرغوب في أجرأته بالمغرب" يقول سمير خالفي. وضوح الرؤيَة يعبّر سمير عن رضاه تجاه مساره الدراسي والمهني والشخصي ضمن تجربة الهجرة التي قادته صوب إيطاليا قبل 15 عاما من الحين.. معتبرا أن انفتاحه على المجتمعين الإيطالي والأوروبي قد مكّناه من نيل رؤية جديدة لمجريات الأمور تنعكس بإيجابية على أهدافه المستقبلية. "أنصح الحالمين بالهجرة، من أبناء وطني، أن يتوفروا على وضوح في الرؤية لهذه التجربة التي تبتعد عن السهولة، ذلك أن الوصول إلى النجاحات يبقى متوفرا بالخارج ما دامت قد وفرت له الإرادة وبذل المجهودات بعد تحديد الهدف المراد والسبيل المختار للوصول إليه" يقول سمير خالفي.