في خطوة "إبرائيّة" تُزيل الغبار عن الجدل القائم قبل سنوات حول "سيادة" اللُّغة العربيّة أمام اللغات الأجنبية الأخرى بالمغرب، قدم الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، وهو المقرب من حزب العدالة والتنمية القائد للحكومة، مذكرته الصادرة عقب "المؤتمر الوطني الثاني للغة العربية" المنظم أخيراً في دجنبر الماضي، والتي رُفعت إلى الديوان الملكي ورئاسة الحكومة والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. مضمون المذكرة، التي تتوفر هسبريس على نسخة منها، شمل توصيات إجرائيّة تطالب ب"نّهضَة اللّغة العربيّة" في مجال السيّاسيّة اللغوية، و"وضع سياسة لغوية ذات بعد استراتيجي تحدد الوضع الاعتباري لها في علاقتها باللغة الأمازيغية واللغات الأجنبية الأخرى". وتشدد المُذكّرة ذاتها على ضرورة التّسريع في إنزال القوانين والمراسيم التي تلزم استعمال اللغة العربية في كافة المؤسسات الدولة وإداراتها، مع استكمال تّعريب التّعلِيم وتَقوِيَته عبر "منح اللغة العربية الوَضع الاعتباري الذي تستحقّه داخل المؤسسات". الدعَوات الصادرة عن مؤتمر الائتلاف الوطني من أجل اللّغة العربيّة، شملت "الإلزام باستخدام اللغة العربية في كافة الإدارات والمرافق العامة والقطاعات الإنتاجية في التصرفات الإدارية وتحرير الوثائق والتواصل مع المواطنين"، فيما اقترحت "جعل الإعلانات والملصقات واللافتات المعروضة في الواجهات والساحات" باللغة العربية. "إجبار تصدّر اللّغة لكل ما يكتب على الواجهات التجارية مع وضع إجراءات زجرية في حق المخالف والمتهاون والمخطئ"، تضيف المذكرة في مطالبها التي وضعت بين يدي ديوان الملك محمد السادس، داعية إلى "تحرير الوثائق والمذكرات والعقود والمراسلات الأختام والمطبوعات الإدارية باللغة العربية". على مستوى التشريعي والقانوني، خلصت المذكرة إلى ضرورة تفعيل دستورية اللغة العربية "بما يكفل وضعها الرسمي ودورها الوظيفي الموحد.. وعدم منازعة اللغات الأخرى لها في وظائفها"، حيث طالبت بإصدار قانون خاص بحماية اللغة العربية وتنمية استعمالها "بما يضمن قيام بيئة لغوية سليمة تتماشى ومقتضيات الدستور اللغوية". توصيات الائتلاف شملت أيضا سنّ قوانين تجعل اللغة العربية "لغة إلزامية في الفضاء العام"، على مستوى "أسماء المحلات التجارية والمعروضات والأسواق والمطاعم.."، وكذا وضع آليات مؤسسية وقانونية لمراقبة التزامات الدولة لحماية اللغة العربيّة. وفيما شدد الائتلاف الوطني على ضرورة اعتماد لغة الضاد وسيلةً للتواصل في وسائل الإعلام السمعيّة والبصرية، مع "الاعتناء بالمستوى اللغوي للمادة الإعلامية في المؤسسات الإعلامية"، عرجت المذكرة على المدرسة المغربية، مشيرة إلى أن المغرب عرف محاولات إصلاح متعددة منذ الاستقلال "لم تتجاوب بشكل كبير ومتساوٍ مع المبادئ الأربعة المتفق عليها: التعريب والمغربة والتوحيد والتعميم". وسجلت الهيئة ذاتها غياب لغة موحدة على مستوى البرامج والمناهج التعليمية، ما أثّر، وفقها، على تشكيلة شخصية المتخرج من المدرسة المغربية "حيث البون شاسع بين الانتماءين اللغوي والثقافي"، مشيرة إلى غياب مشروع مجتمعي "متكامل ومتفق عليه يضمن الهوية الموحدة للمنظومة التربوية". ووقفت المذكرة على ما أسمته استمرار إشكالية "التعدد اللغوي" بالمدرسة، موضحة أن الأمر يتعلق ب"لغة التدريس وتدريس اللغات وإعطاء الأولية للغات أجنبية على حساب اللغتين العربية والأمازيغية"، فيما قالت إن مدخل الإصلاح داخل المدرسة المغربية يكمن في "التشبث بالهوية الوطنية مع الانفتاح على مكتسبات الحضارة الإنسانية". ويقترح الائتلاف، في هذا الصدد بهدف النهوض بالعربية في المنظومة التربوية، "إصلاح الكتاب المدرسي بما يتلاءم وتدبير زمن التعلم بمراعاة التطور العمري وإمكانيات المتعلم"، و"بناء المناهج والمقررات الدراسية على أساس دراسات ميدانية دقيقة تستقصي أذواق التلاميذ وميولهم واتجاهاتهم ومستوياتهم العقلية والثقافية". ودعا المصدر ذاته أيضا إلى "إصلاح وتغيير مناهج تدريس اللغة العربية بدءا من مراحل التعليم الأولي والابتدائي إلى التعليم العالي"، إلى جانب إشراك فاعلين تربويين في تأليف الكتب المدرسية، مع "إعادة النظر في برمجة حصص اللغة العربية ومراعاة الإيقاعات الزمنية لدى المتعلمين".