قام الشاب المغربي، والأستاذ بجامعة تشونغشان في مدينة كوانزو، ناصر بوشيبة، بإيقاد شعلة الدورة السادسة والعشرين من الملتقى الرياضي العالمي للطلاب أثناء حفل الإفتتاح، ممثلا القارة الإفريقية، إلى جانب مع العداء الصيني المشهور والبطل الأولمبي، ليو شيانغ، ورياضيين آخرين. . وهذا الحضور لم يأت من فراغ، بل استحقه ناصر عن جدارة واستحقاق. البداية والوصول فيما كان العديد من أصدقائه يحاولون مواصلة دراساتهم العليا في أوروبا وأمريكا، والبقية كانوا يحاولون الانخراط في الحياة المهنية، قرر ناصر الخروج عن هذه القاعدة للذهاب إلى بلد بعيد كما في مخيلتنا، ألا وهي "بلاد التنين" لإتمام الدراسة. التحق ناصر بالدراسة في جامعة الرياضة ببكين عام 1995، وكان من المقرر أن يرجع الى المغرب بعد إنهاء دراسته، لم يكن حينها قد تجاوزال18 سنة قادما إلى الصين، البلد الذي طالما حلم بزيارته، ومنذ أن قدم إليها استمرت إقامته فيها 20 سنة. كان ناصر مبهورا بالصين وبالتقاليد الصينية، ولكن وفي نفس الوقت كان في داخله خوف وقلق، يقول ناصر "كنت أظن أنني سأجد الصين دولة قديمة، وبها الكثير من مظاهر الثقافة التقليدية، مثل ما كنت أشاهد في الأفلام، ولكن بعد أن وصلت الى بكين، تفاجأت بأنها مدينة حديثة بالكامل". أتت الفرصة لناصر من أجل زيارة واحدة من أجمل مدن الصين، والتي لازالت إلى الآن تبقي على تاريخها الجميل، وهي مدينة "ووهان" في وسط الصين، وكانت المناسبة هي المشاركة في منافسات فنون الحرب. هذه الزيارة جعلت بوشيبة يجد ضالته، "حينما رأيت الكثير من الجبال تحيط بالمدينة، والعديد من المعالم التاريخية، قلت هذا بالضبط ما أريد رؤيته" يقول ناصر. من بروسلي إلى أوبرا بكين، و من الكونغ فو إلى المغني تهان يونغ لين، ثم إلى لهجة غواندونغ، والجنوبالصيني وكوانزو، لم تبقى خاصية من خصائص الصين إلا وتركت فيه إنطباعا عميقا. وبعد عشرين سنة، أصبح ناصر أستاذ تدريب محترف، حيث يقدم تدريبا مهنيا للخريجين الجامعيين الصينيين الجدد في مجال الأعمال والمقاولة. بطل في التايكواندو وعاشق لبروسلي خلال طفولته، كان ناصر يحب شيئين فقط، التايكواندو والكونفو الصيني. كان يشعر بأن رياضة التايكواندو مليئة بالجمال، لكن لم يكن يعرف مصدر هذا الجمال. "لاحقا اكتشفت أنني أحب كثيرا هذه الرياضة، لأنها تحتوي على العديد من القواعد والاستراتيجيات، تجعل المنافسين يحترمون ويحمون بعضهم بعضا، وهذا أهم سبب جعلني أحب رياضة التايكواندو". هذا شبيه بفكر نبذ الشجار في "الوشو" الصيني. وكما يحب التايكواندو، يحب ناصر "الوشو" أيضا. وهنا يقول إن أخاه نجيب كان من الأوائل الذين نشروا الوشو الصيني والعلاج بالإبر في المغرب وفرنسا، وهذا كان سببا في ربط ناصر أكثر بالثقافة الصينية. وبعد تألقه في العديد من المنافسات الرياضية وإنهاء دراسته الجامعية، قرر ناصر أن يتجه إلى جنوبالصين ليبدأ حياته العملية. رحلَة العمل وجد ناصر لرحلته إلى الجنوبالصيني عذرا كافيا، "أُحِب لهجة غواندونغ، وأُحِب مشاهدة أفلام جاكي شان، لذا علي أن أذهب إلى المناطق التي تتحدث لهجة غواندونغ". أما السبب الأعمق لرحلته إلى الجنوب، فيعود إلى حس المغامرة الذي يجري في دمه، فهو كان يريد أن يرى المدينة الأكثر حيوية ونشاطا في الصين. بدأ ناصر ريادة الأعمال في سنة 2004، حيث افتتح مع أصدقائه مصنعا لإنتاج علب السلع الأجنبية في شنزن. حقق المصنع أداء جيدا وأرباحا كبيرة، لكنه بدأ التفكير في أشياء آخرى. وعند قبوله للعديد من الخريجين الجامعيين الجدد في العمل، لاحظ ظاهرة حيرته: "لماذا أولئك الطلبة المتخرجين من جامعات مرموقة يمتلكون أسسا علمية قوية، لكن قدراتهم التطبيقية تقارب الصفر". لذا، شرع يتنقل بين مدينة كوانزو و شنزن، وصرف الكثير من الوقت في تقديم عديد من الدورات التدريبية للشباب الصيني، والتحدث مع الخريجين الجامعيين، لمساعدتهم على التأقلم بسرعة مع أدوارهم الإجتماعية. يرى ناصر أن الطلبة الصينيين قد تعودوا على الرعاية الزائدة من العائلة والأساتذة، لذا ينقصهم الإدراك الكافي بالمجتمع، ماخلف هوة بين معارف الجامعة والعمل في الشركات، إضافة أنه آنذاك لم تكن هناك برامج لتعليمهم طريقة الاندماج في العمل. وفي عام 2009 وبعد نجاح الدورات التدريبية، إتخد ناصر قرارا فاجأ شركاءه وأصدقاءه، وهو العودة إلى مقاعد الدراسة في الجامعة. الرجوع إلى الدراسة والإرشاد المهني التحق ناصر بجامعة "تشونغ شان" في مدينة "كوانزو"، حيث ساعدته لغته الصينية المتميزة في التفوق في ماجستير إدارة الأعمال والدكتوراه في السياسة الدولية، وباجتهاده وتفوقه استطاع أن يدرس ويعمل مدرسا في نفس الجامعة. في نفس الوقت، حقق مشروع ناصر تطورا كبيرا، اهو وفريقه في تقديم الدورات التدريبية في مختلف جامعات إقليم غواندونغ، وتحظى دوراته التدريبية بترحيب كبير. واستقبل المهاجر المغربي دعوات من العديد من الجامعات الدولية، لكن ناصر اكتشف أن تأثير المحاضرات يبقى محدود، لذا فكر في نقل تجربة التدريب إلى شبكة الأنترنيت. "جيل التسعينات والألفية الجديدة ولد في عصر الأنترنت، ولايحبون الإستماع إلى الخطب الطويلة، وشعارنا هو تعليم الدروس بأسلوب ترفيهي، باستعمال الأفلام والرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية، والهدف تفسير التوظيف وريادة الأعمال بشكل ممتع وبسيط" يقول ناصر. يشرح ناصر العامل الذي دفعه إلى دخول مجال التعليم "الشعور بالسعادة في ريادة الأعمال، لايكمن في تحقيق ربح كبير، بل في تقبل الطلبة للمعارف التي أنشرها، وفي رؤية الخريجين الجامعيين يندمجون في المجتمع". ناصر وتحقيق الحلم يحمل ناصر في داخله رسالة، وربما هذا له علاقة باسمه، فقد ولد ناصر سنة 1976 في المغرب داخل عائلة عسكرية، وكان أبوه معجبا بالزعيم جمال عبد الناصر، لذلك، اختار لابنه اسم "ناصر". وهذا الاسم يحمل في داخله تطلعا وأملا من الأب. يسعى ناصر إلى أن يصبح جسرا للتعاون بين المغرب والصين، فهو يرى أن "الصين هي أكبر دولة ناشئة، ويمكنها أن تدفع التنمية في العديد من الدول النامية." بعد وقت قصير، ستدخل دروس التعليم التي طورها ناصر وفريقه الى مناهج التعليم ليقرأها ملايين الطلبة الصينيين وأيضا عبر الأنترنت، فلنتمنى له مزيدا من التوفيق والنجاح. * [email protected]