إصلاح صناديق التقاعد موضوع ما يزال يشغل المدبرين والرأي العام دون أن يلامس الأجرأة.. بينما حاولت ملامسته ندوة، اقيمت اليوم، بتنظيم من منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية وحضرها محمد العلوي العبدلاوي، مدير الصندوق المغربي للتقاعد، الذي أكّد على حتمية القيام بالإصلاح خلال هذه السنة دون إقفال تبرئة الCMR من تهمة الفساد. اختلالات لا اختلاسات تحدى العبدلاوي أن يتم تقديم أي تقرير صادر عن المجلس الأعلى للحسابات، أو أي هيئة رقابية، يفيد بوقوع اختلاسات مالية في الصندوق الذي يتولّى إدارته، وزاد: "الأمر يتعلق باختلالات في أنظمة التقاعد التي يجب إصلاحها" وفق تعبير العبدلاوي الذي أكد أن البدء في استغلال الاحتياطات المالية سيشرع فيه من هذه السنة. وبلغة الأرقام، كشف نفس المتحدث أن مشكل صناديق التقاعد لا تهم سوى 6 في المائة من المغاربة، وذلك نظرا لكون ثلثي الساكنة النشيطة غير منخرطين في أنظمة التقاعد بالمغرب، وواصل العلوي العبدلاوي تقديم أرقام بقوله إن معدل أعمار المنخرطين في الصندوق المغربي للتقاعد قد انتقل إلى 44 سنة خلال العام الماضي، كما أن معدل سن التوظيف في القطاع العام انتقل من 24 سنة 1984 إلى 27 سنة 2014، وهو تطور فسره المسؤول ذاته بكون أغلب موظفي الإدارة العمومية "أصبحوا يتوفرون على مستوى تعليمي جيد". وعزى مدير الCMR الأزمة التي يعرفها الصندوق إلى مجموعة من الاختلالات من بينها نسبة المساهمات التي يدفعها المنخرط، ذلك أن النظام المعمول به حاليا يقوم على أن كل درهم يؤديه الموظف للصندوق يسترجعه بدرهمين عند تقاعده، وهو خلل يجب إصلاحه وفق تعبير المتحدّث الذي كشف أن الفائض المالي لدى الصندوق المغربي للتقاعد قد تراجع ليصل إلى أقل من مليار درهم خلال هذه السنة، وخلال 2015 سيصل العجز إلى 3 ملايير درهم، ما يجعل الإصلاح حتميا لا اختيارا. تأجيلات سياسيّة الحديث عن أزمة صناديق التقاعد بدأ سنة 2013، فما الذي أخر مباشرة إصلاح الصناديق لأكثر من عقد من الزمن؟.. الجواب يأتي من كون "القرارات السياسية أجلت إصلاح صناديق التقاعد" حسب عبد الصمد مريمي، العضو السابق في المجلس الأعلى للوظيفة العمومية الذي شدد على أن "ملف التقاعد لم يكن أبدا تقنيا حتى تتم معالجته من خلال قرارات وإجراءات واضحة، وإنما هو من منطلقه ملف سياسي، لأن جميع الحكومات السابقة لم تكن قادرة على تحمل مسؤولية مباشرة لكلفته على المستوى الانتخابي". وحذر عبد الصمد مريمي من أن تؤدي إصلاحات صناديق التقاعد إلى خلق فرق شاسع بين الأجر خلال العمل وبين المعاش المتقاضى، لأن هذا الأمر كفيل بأن يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن المغربي، "لذلك يجب التفكير في نظام عادل لا يجعل الفرق مهولا بين القيمتين" وفق ما أورده عبد الصمد الذي دعا أيضا إلى سن إجراءات جديدة لتوسيع قاعدة المنخرطين في صناديق تقاعد، وذلك عبر معاجلة ملف القطاع غير المهيكل وإدماجه، وكذا تحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة لتمتيع العاملين لديها بتغطية التقاعد. المغادرة الطوعية قدم لحسن أولحاج، رئيس لجنة تحليل الظرفية بالمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، مجموعة من الأسباب التي أوصلت الصندوق المغربي للتقاعد إلى نفق مسدود، ومن بينها أن ستينيات وسبعينيات القرن الماضي قد عرفت انفجارا على مستوى التوظيف، ومع بداية الألفية الجديدة وصل أغلب هؤلاء إلى سن التقاعد، أي أن عدد المحالين على المعاش ارتفع مقارنة مع عدد المنخرطين في الصندوق، وذلك كان كل 9 موظفين سابقا يدفعون معاش متقاعد واحد، ليتقلص الأمر خلال السنوات الأخيرة إلى ثلاثة موظفين مقابل متقاعد واحد، ما قلص حجم الاحتياط. سبب آخر ساقه العميد السابق لكلية العلوم القانونية والاقتصادية بأكدال ويقترن بالتطور الديمغرافي وارتفاع أمد الحياة، قبل أن يعرج على محدد اعتبره رئيسا في تفاقم أزمة صناديق التقاعد وهو ملف "المغادرة الطوعية" الذي كلفت عمليته أكثر من 5 ملايير درهم. وباعتباره واحدا من الذين ساهموا في صياغة رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول إصلاح أنظمة التقاعد، قبل تقديم المستند للحكومة وملاقاته برفض النقابات، تحدث لحسن أولحاج عن الجانب الدستوري من إصلاح التقاعد.. مؤكدا أنه "لا يوجد أي نص في الدستور، أو القانون، يجبر رئيس الحكومة على إعادة طلب رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وإنما يمكنه أن يحيل الملف مباشرة على البرلمان كما ينص على ذلك التشريع".