التأكد من هوية الشاب المغربي الذي عُثر عليه في البحر قبالة سبتة المحتلة    المغرب والسعودية يعززان التعاون الثنائي في اجتماع اللجنة المشتركة الرابعة عشر    المملكة العربية السعودية تشيد بجهود جلالة الملك رئيس لجنة القدس من أجل دعم القضية الفلسطينية    المملكة العربية السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    دي ميستورا يبحث تطورات قضية الصحراء المغربية مع خارجية سلوفينيا    الوقاية المدنية تتدخل لإنقاذ أشخاص علقوا داخل مصعد بمصحة خاصة بطنجة    إجهاض محاولة تهريب دولي للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 107 كيلوغرامات من الشيرا    أوزين: عدم التصويت على قانون الإضراب مزايدة سياسية والقانون تضمن ملاحظات الأغلبية والمعارضة    تعرف على برنامج معسكر المنتخب المغربي قبل مواجهتي النيجر وتنزانيا في تصفيات كأس العالم 2026    لهذه الاسباب سيميوني مدرب الأتليتيكو غاضب من المغربي إبراهيم دياز … !    صرخة خيانة تهز أركان البوليساريو: شهادة صادمة تكشف المستور    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزيرة التنمية الاجتماعية الفلسطينية تُشيد بمبادرات جلالة الملك محمد السادس لدعم صمود الفلسطينيين    الاستثمار السياحي يقوي جاذبية أكادير    الكاف يشيد بتألق إبراهيم دياز ويصفه بالسلاح الفتاك    فيفا يكشف جوائز مونديال الأندية    المغرب يستقبل أولى دفعات مروحيات أباتشي الأميركية    "حماس" تؤكد مباحثات مع أمريكا    سلا: حفل استلام ست مروحيات قتالية من طراز 'أباتشي AH-64E'    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وزخات مطرية رعدية قوية الأربعاء والخميس    فاس تُضيء مستقبل التعليم بانضمامها لشبكة مدن التعلم العالمية    3 قمم متتالية تكرس عزلة النظام الجزائري وسط المجموعة العربية وتفقده صوابه ومن عناوين تخبطه الدعوة إلى قمة عربية يوم انتهاء قمة القاهرة!    المغرب..البنك الأوروبي للاستثمار يسرّع دعمه بتمويلات بقيمة 500 مليون أورو في 2024    دنيا بطمة تعود لنشاطها الفني بعد عيد الفطر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    تداولات بورصة البيضاء بأداء سلبي    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    "أونسا" يطمئن بشأن صحة القطيع    وكيل أعمال لامين يامال يحسم الجدل: اللاعب سيمدّد عقده مع برشلونة    مونديال الأندية.. "فيفا" يخصص جوائز مالية بقيمة مليار دولار    قصص رمضانية.. قصة بائعة اللبن مع عمر بن الخطاب (فيديو)    مطار محمد الخامس يلغي التفتيش عند المداخل لتسريع وصول المسافرين    هذه مقاييس التساقطات المطرية المسلجة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الخميس    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    دراسة: النساء أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر من الرجال    العثور على أربعيني ميتًا نواحي اقليم الحسيمة يستنفر الدرك الملكي    حدود القمة العربية وحظوظها…زاوية مغربية للنظر    «دلالات السينما المغربية»:إصدار جديد للدكتور حميد اتباتويرسم ملامح الهوية السينمائية وعلاقتهابالثقافة والخصائص الجمالية    «محنة التاريخ» في الإعلام العمومي    القناة الثانية تتصدر المشهد الرمضاني بحصّة مشاهدة 36%    تحذير من حساب مزيف باسم رئيس الحكومة على منصة "إكس"    طنجة تتصدر مدن الجهة في إحداث المقاولات خلال 2024    النيابة العامة تتابع حسناوي بانتحال صفة والتشهير ونشر ادعاءات كاذبة    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    كسر الصيام" بالتمر والحليب… هل هي عادة صحية؟    اليماني: شركات المحروقات تواصل جمع الأرباح الفاحشة والأسعار لم تتأثر بالانخفاض في السوق الدولية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    هذه أبرز تصريحات ترامب في خطابه أمام الكونغرس    أبطال أوروبا.. قمة ألمانيا بين البايرن و ليفركوزن واختبار ل"PSG" أمام ليفربول    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    الصين تعلن عن زيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 7,2 بالمائة للعام الثالث على التوالي    المنتخب المغربي يدخل معسكرا إعداديا بدءا من 17 مارس تحضيرا لمواجهة النيجر وتنزانيا    اجتماع بالحسيمة لمراقبة الأسعار ومعالجة شكايات المستهلكين    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    وزارة الثقافة تطلق برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية لسنة 2025    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    بريسول ينبه لشروط الصيام الصحيح ويستعرض أنشطة المجلس في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التصوف الإسلامي في أمريكا (1-2)
نشر في هسبريس يوم 16 - 01 - 2015

في مؤتمر الطريقة المريدية بالسنغال اجتمعتُ ببعض الأساتذة الذي يشكّل التصوف رافدًا قويًّا من روافدهم المعرفية، وهم ممن يقيمون في أوروبا، ويخالطون أهلها ومسلميها بشكل خاص، بحكم اختصاصهم الفكري، واهتمامهم الديني، دار الحديث بيني وبين كل من الدكتور جلول صدّيقي المعرّف بالطريقة الشيخية، والدكتور زكريّا صديقي، والدكتور يعقوب ماحي، وللصدفة ثلاثتهم مغاربة ممن تلقوّا تعليميًا دينيًا جامعًا بين العقيدة والروحانيات، وجرى ذكر إيريك جوفروا الذي كتب عن التصوف ولا يزال وانتقل إلى الإسلام عبر أبواب التصوف، غير متماهيًا معه وإن كان مُحبًّا وسالكًا.
تذكّرت جملاً من كتابه المترجم إلى العربية بعنوان: (التصوف طريق الإسلام الجوّانية) التي علقت في ذهني بعد قراءته، فنصحني الأستاذ زكريا صديقي بمطالعة كتاب جوفروا عن الطريقة الشاذلية فهو كتاب من أهم ما كتب ويظهر فيه اقتداره البحثي، وستفاد منه كثيرًا.
ورغم أن جوفروا وجّه كتابه سالف الذكر إلى الجمهور غير العربي، إلاّ أنه خصص كلمة فيه عن التصوف في الغرب، ختمه بقوله: طبقًا للعقيدة الصوفية الأولياء يرتدون ثياب عصرهم، ويختفون إذا ما استدعى السياق ذلك. كل الأوقات مرآة الله. ستكمل البشرية طريقها عندما تصل دورة الولاية بدورها إلى أجلها.
وفيه تحدث عن صوفية بارزين في الغرب بشكل موجز على رأسهم رونيه غينون بالطبع الصوفي الفرنسي الذي انتقل إلى مصر أم الدنيا، الذي لا يملّ جوفروا من ذكره في كتاباته ولقاءاته ومحاضراته لأنه بالطبع يستحق الذكر والإشادة، وبشكل موجز أشار إلى صوفي سويسري الأصل فريتجوف شيّون وغيره، كما أشار إلى جماعات صوفية لها حضور في الغرب وسبب من أسباب انتشار التصوف والإسلام هناك.
كذلك فإن دراسة إدريس شاه والتي جاءت تحت عنوان: دراسة التصوف في الغرب وكانت في أصلها حلقة بحث عُقدت في جامعة ساسكس sussex (كلية التاريخ) في 27 كانون الثاني 1966 ونشرت كقسم أول في كتابه (طريقة الصوفي) تحفّز الباحث على متابعة هذه المسألة بشيء من التفصيل. وهو ما حفزني على قراءة أطروحة الباحث المغربي الكبيطي حول التصوف في امريكا، وجهده مشكور إذ فكّر في درس هذه الظاهرة المتنامية في بلاد الغرب، وقد تلقّى الباحث مساعدات كما ينص على ذلك وفّرت له مناخًا جيّدًا للدرس ووفرة في المعلومات تؤهله لدرس الفكرة وتحليلها بشكل يبصّر القارئ له.
أحسن الباحث في استثمار وجوده في البلاد الغربية بأن عقد حوارات حيّة مع بعض الشخصيات الصوفية نساءً ورجالاً وفنانين وكُتّاب وأحسن بأن استرشد ببعض الباحثين الغربيين، وعلى رأسهم مشرفته مارسيا هيرمانسن وكذلك من قدّم له كتابه السابق عن التصوف في الغرب - مارك سيدويك وغيرهم.
تحتاج الدراسة مع سابقتها (التصوف الإسلامي في الغرب) إلى قراءة متأنية حتى يمكن تقديم جهود الباحث وتقويمها فالموضوع مهم، ولم يكتب فيه في اللغة العربية على استقلال الا بعض بحوث وفصليات في كتب أو مجلات .
يبدأ الكبيطي كتابه بمقدمتين كلاهما لباحثين غربيين، الأولى لمشرفة الباحث التي أشادت ببحثه ولم تقدّم أية ملاحظات على العمل سوى طوله وأهميته.. وإن كان الباحث سيوفّر لنا طرفًا من آرائها عبر الترجمة سيساعدنا كثيرًا في التعرّف على جهودها فيما بعد. ثم تلتها مقدمة ايريك جوفروا التي وجّهت في آخرها ملاحظة نقدية حول ميول الباحث الشخصية واهتمامه بما يقترب منه وعدم اهتمامه بما هو بعيد عنه، ويقدّم جوفروا ملاحظة جيدة في آخر بحثه عن درس التصوف (اللاطُرقي) يمكن متابعتها بشيء من التفصيل في كتابه الذي تحدثنا عنه في البدء. يمكن تلخيص ملاحظة جوفروا على النحو التالي: إننا اليوم منخرطون في مرحلة جديدة للتصوف يمكن تسميتها (ما بعد الطُرقية) أو أرحب من الطُرقية، ينبغي على الدارسين اليوم تحليلها، كما ينبغي على أهل الطُّرق اليوم أن يتفهموا هذا اللون من التصوف.
تتكون الأطروحة من أربعة أبواب تقف بنا على عدة عوالم ثرية نحن بحاجة إلى التعرّف عليها اليوم، وتذكّرنا بمشروع (علم الاستغراب) الذي فصّل الحديث عنه حسن حنفي بعد جهود متفرّقة كانت أعلام النهضة في مصر في العصر الحديث قد بدأتها، إلاّ أن أطروحة الكبيطي تتخصص أكثر وتحاول مقاربة الحياة الروحية وظاهرة التصوف التي أضحت منتشرة في الغرب بشكل عام. وهو عبر المنهج الوصفي والتاريخي حاول بقدر الإمكان أن يكون محايدًا وموضوعيًا إلى حدٍّ كبير رغم انتمائه الصوفي، ورفم كونه مغربيًا ينشغل بقضايا وطن يحبّه.
يعالج البابُ الأول من دراسته: تاريخ الوجود الإسلامي في أمريكا ومكوناته ويركّز بشكل خاص على مدى تأثير الهوية الإسلامية المغربية في ذلك الحضور، ويبدأه بالحديث عن الدور الحيوي الذي اضطلع به المغرب في العلاقات الدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى الاتفاقات التي عُقدت بين البلدين في السلم والحرب، وبخاصة ما كان في إطار الحرب الباردة الأمريكية ضد المد الشيوعي، ويحاول أن يناقش وجود الإسلام في أمريكا قبل زمن كولومبس، ويخص الوجود المغربي، إلاّ أنه يحبّذ بعض التريث والأناة قبل إصدار رأي قاطع خاصة في الفترة التي تسبق القرن الثامن عشر الميلادي.
ومن النقاط التي يناقشها في هذا الباب ويركّز عليها: (مرحلة تهجير العبيد من أفريقيا السوداء إلى أمريكا) لأنه سيترتب على هذا التهجير والوجود الإسلامي ما يتعلق بصميم البحث في مسألة التصوف في الولايات المتحدة، فإذا كان بعض المهجّرين قد تحوّل إلى المسيحية بشكل بدا واضحًا وملموسًا إلاّ أن البعض الآخر وإن كان عددًا قليلاً ظلّ محافظًا على معتقداته الإسلامية وممارسًا للشعائر والطقوس، ناقلاً إيّاها إلى آخرين.
يتابع الكبيطي في هذا الباب راصدًا تحوّل الوجود الإسلامي في بداياته من ضعف وعمل فردي إلى قوة وتكتّل صاحبَه عملٌ جماعيُّ بمساعدة عدد من الزعماء السود، من أمثال مالكوم إكس، و وليس فرد محمد، و دور علي، عبر تنظيم أو جماعة أمّة الإسلام ومنظمة الاتحاد الأفريقي الأمريكي، التي بدأت أعمالها من خلال مالكوم إكس واستمرت بجهود ابنه وارث دين محمد.
ثم ينتقل للحديث عن كون المغرب أحد المكونات الأساسية لهوية المسلمين في أمريكا، والتي تجسدت بشكل واضح من خلال عمل الشيخ داود أحمد فيصل الأب الروحي لأغلب الجماعات الإسلامية في أمريكا، والذي كان يفخر بأصله الذي يعود إلى المغرب، ويرى الباحث أنه ليس من قبيل المصادفة أن أوّل مخطوطة فقهية تكتشف في أمريكا تعود إلى هذه الفترة تتسم بسمات المغرب إن في روح التّدين والمذهب المالكي أو في الخط المكتوبة به، وإن عادت المخطوطة إلى مؤلف مسلم أفريقي من غينيا!
وإذ يخصص الباحث فصله الأول للحديث عن هجرة العبيد، فإنه في الفصل الثاني يتحدث عن فئة المسلمين المهاجرين إلى أمريكا من إيران والهند وباكستان وشرق أوروبا وسوريا ولبنان وفلسطين، باعتبارهم مكوّنًا هامًّا من المكونات الأخرى للوجود الإسلامي في أمريكا، إذ يشكّلون ثلث جميع مسلمي الولايات المتحدة، يضاف إلى المتحولين الجدد إلى الإسلام.
ويناقش الكبيطي ظاهرة التحوّل إلى الإسلام معتمدًا على الدراسات التي أنجزت باللغة الإنجليزية، مقدّمًا مادة جيّدة تساعد في فهم هذه الظاهرة التي لم تلق اهتمامًا عربيًا بها، على الرغم من اهتمام المخيال الشعبي للمسلمين وعدد غفير من الكتبة والمثقفين بإسلام الغربيين ورواية قصصهم، من باب (وشهد شاهد من أهلها). موضوع التحول من الموضوعات الجديرة بالعناية، وإذ يرجع بعض الباحثين تحوّل كثيرٍ من الغربيين إلى المراهقة والتشتت الفكري، فإن غيرهم يرى خطأ هذا الحكم، لأن العديدين من هؤلاء المتحولين راشدون قضوا وقتًا ليس بالقليل في البحث والتفكير حتى وصلوا إلى هذا القرار.
وفي الفصل الثالث من هذا الباب يقوم الباحث بمقاربة إحصائية هامة تتضمن تأريخًا لأبرز الأحداث التي طبعت التاريخ الأمريكي إلى بداية القرن الواحد والعشرين بالإضافة إلى مجموعة من الأحصاءات التي تبيّن تطوّر الساكنة الإسلامية في أمريكا ومدى مساهمتها في تنشيط الحياة العامة، ويقع هذا الفصل في الصفحات (59-76).
ويأتي الباب الثاني بعنوان: التصوف الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، ويتحدث فيه عن أهمية التصوف في نشر الإسلام في أمريكا، وأسباب اعتناق الأمريكيين للتصوف الإسلامي، والتصوف في السياسة الأمريكية، وهنا يناقش ما يثار من غبار الكلام حول علاقة الصوفية بالسياسية الأمريكية وتوظيف الصوفية لقضاء مصالح الأمريكان، وترتكن أغلب الآراء التي ترى في التصوف وطرقه وصوفية اليوم فئة مستلبة وموظّفة من قِبل الحكومات الغربية إلى مقولات واحدة، خاصم فيها الكُتّابُ التصوّف وحمّلوا الصوفية ما حدث للمسلمين على طول العالم الإسلامي من الظهور بصورة الانحطاط أوالتخلف، وهي آراء لا تختلف عن الآراء المؤدلجة الواقعة في صراع مع الصوفية، فإذا كانت الخصومة هناك عقدية، فهي هنا خصومة فكرية. وقد أجاد الباحث في عرض الآراء ومناقشتها في هذا الفصل.
وفي المدخل الخاص بدراسة التصوف في أمريكا، قدّم لنا الكبيطي نبذة تاريخية عن حضور التصوف الإسلامي هناك وألوانه، وذكر أنه يؤرخ لحضور الصوفية في أمريكا بوصول عنايت خان الصوفي والموسيقار الهندي عام 1910 إلاّ أن الباحث يؤكد بناء على درسه لتهجير العبيد وما عُثر عليه من إنتاج كتابي أن تاريخ حضور التصوف أبعد من هذه الفترة. ولا ينسى الباحث أن يؤكد على الارتباط الوثيق بين أوروبا وأمريكا في مسألة الحضور الصوفي للصلات الواقعة بين المنطقتين ولهجرة بعض الصوفية من أوروبا إلى أمريكا والاستقرار فيها. وقد خصص الباحث كتابًا سابقًا للحديث عن هذه الفكرة يحسن للقارئ المتابع أن يعود إليه.
تتناثر المعلومات في هذا الفصل من حدائق التصوف المثمرة، وتتردد أسماء شخصيات كبار حضرت نصًّا وقولاً في أوروبا كرابعة العدوية وحافظ الشيرازي وسعدي والرومي والمحاسبي وابن عربي وغيرهم ويمكن رصد هذا الحضور الصوفي الثري في احتكاك الغرب بالمسلمين من خلال الجوار في أسبانيا، وتشهد على ذلك أعمال رامون لول، ويمكن أن نضيف هنا رسائل ابن سبعين المتصوف الأندلسي وخصوصًا رسالته الصقلية، كذلك كتّاب الرحلات والأسفار كانوا سببًا لانتقال المعارف الصوفية إلى الغرب وهنا لا ننسى ما تقوله شيمل حول الدراويش المولوية في الشمس المنتصرة وغيرها من بحوثها الغنية، وما يذكره لويس فرانكلين في رحلة الرومي شرقًا وغربًا، ويتابع الباحث هذه المراجع وغيرها الكثير، ويضيف لنا أن الثورة المعرفية بفضل الطباعة توفّرت لدى الغرب نصوصٌ مكتملة عن التصوف الإسلامي ومصادره كانت سببًا في احتفاء الغرب بالتصوف والصوفية والتعرف عليه من خلال مصادره لا من خلال ما يُقال عنه، كما أن درس التصوف المزدهر في الغرب كان سببًا من أسباب هذا الحضور.
ويترك الباحث المتميز فرصة للباحثين من بعده لتعقب مراحل هذا الحضور، وهي مسألة جديرة بالعناية والدرس إذ تدرس بشكل منفصل مظاهر الحضور والتأثر قارن على سبيل المثال ما يذكره الباحث من تأثير الصوفية المغاربة على روحانيين أسبان بما قدّمه الأستاذ جاد حاتم من دراسة عن التصوف المقارن واتخذ من تريزا الأفيلية أنموذجًا على ذلك، كذلك يمكن المقارنة بما قدّمه الأستاذ الراحل محمد غلاّب في كتابه عن التصوف المقارن وما قدّمه عرفان عبد الحميد لإثراء هذا المبحث.
وينتقل الباحث من هذه النقطة إلى محاولة تصنيف المجموعات الصوفية في أمريكا، مستندًا إلى تصنيف مارسيا هيرمانسن وآخرين، ويحسن هنا أن أذكر تصنيفها:
1-ورودٌ مهجّنةٌ: يُرمز بها إلى المجموعات الصوفية ذات الهوية الإسلامية في الغرب، والتي تشترط التحوّل إلى الإسلام والمواظبة على ممارسة الشعائر الإسلامية والتطبيق الكلّي ما أمكن للشريعة الإسلامية.
2-ورودٌ دائمة: إشارة إلى تلك المجموعات التي تقلّص أو ترفض نسبتها إلى التصوف باعتباره هوية إسلامية خاصة، وأغلب هذه الجماعات هي تلك التي تؤمن بالفلسفة الدائمة والتدين البدئي كما قدّمه وفسّره رينيه غينون وفريتجوف شيّون وأناندا كومارا زوامي وبوكهارت وغيرهم.
3-ورودٌ منقولةٌ: منتقلون إلى الغرب وهم مجموعات صوفية تقليدية من العالم الإسلامي، هاجروا إلى هناك وشكّلوا حلقات صغيرة من المريدين أغلبها من الجاليات المهاجرة.
وفي المبحث الثاني يتعقّب الكبيطي مراحل التصوف في أمريكا وطوائف الصوفية هناك ويخصص حديثًا لكل من رينيه غينون وفريتجوف شيّون وإدريس شاه وعنايات خان وباوا محيي الدين، ويفصل الحديث أكثر بالنسبة للأخير، كما يتحدث عن أهم الطرق الصوفية هناك، تركية وفارسية وعربية الأصل، فلكل من الطرق التالية نصيب: الجراحية الهلفيتية، والنقشبندية الحقانية، وطريقة نعمة الله (النعمة اللهية)، والطريقة البكتاشية، والششتية، والصوفية الكونية. كما يخصص جزءًا من درسه للطرق المغربية الأصول، كالطريقة الشاذلية الدرقاوية العلوية، والطريقة الحبيبية الدرقاوية الشاذلية، والطريقة الشاذلية الدرقاوية اليشروطية، والطريقة الشاذلية البطاوية، والطريقة الشاذلية الهاشمية، والطريقة الإدريسية الأحمدية، والطريقة التيجانية الأحمدية، الطريقة القادرية البودشيشية.
ويختم الباحث هذا الباب بجملة من السمات التي يستخلصها لتعبّر عن حضور التصوف الإسلامي في أمريكا، وأولى هذه السمات: اختلاف الدلالة التي تعنيها كلمة تصوف في العالم العربي الإسلامي عنها في أمريكا، إذ يصف الباحث الكلمة هناك ب(الميوعة) فالراقص عندهم صوفيّ والمردد لبيت من الشعر صوفيٌّ.
وثاني هذه السمات: إحساس الأفراد الأمريكان بالتفوق والرغبة في التميّز والتفرّد والوصول إلى الهدف بأقصى سرعة ممكنة، كذلك طبيعة الأمريكان التي تميل إلى عدم الاستقرار في كلّ شيء مما يتناقض مع طبيعة التصوّف التي تحتّم السكون والاستسلام والانقياد للشيخ وتعاليمه، ومن اللافت للنظر في هذه الألوان الصوفية المتعددة في أمريكا: تقلّد المرأة لمناصب الزعامة الروحية.
ولا ينسى الكبيطي في ختام هذا الجزء الثري بالمعلومات من عمله بتخصيص صفحات خاصة بامرأة ذات حضور في أمريكا هي عائشة بيولي، ويشير إلى طرف من سيرتها وإنتاجها الكتابي.
مراجع تمت الإشارة إليها في هذه المراجعة:
1-إيريك جوفروا: التصوف طريق الإسلام الجوانية، ترجمة عبد الحق الزموري، منشورات كلمة 2010م.
2-عزيز الكبيطي إدريسي: التصوف الإسلامي في الغرب: الأثر الصوفي المغربي في بريطانيا الزاوية الحبيبية الدرقاوية نموذجا "، منشورات المغرب 2008م.
3-إدريس شاه: طريقة الصوفي، ترجمة سناء زكي المحاسني، منشورات بيروت 1989م.
4- عزيز الكبيطي إدريسي: التصوف الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، منشورات دار الكتب العلمية بيروت 2013م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.