كاميليا بوطمو: توثيق الخِطبة يضمن حقوق المتضررين ويتيح اللجوء إلى القضاء    قناة ريال مدريد تنتقد التحكيم بعد ديربي العاصمة أمام أتلتيكو    قانون المسطرة المدنية ورهانات تحقيق النجاعة القضائية محور ندوة وطنية بكلية الناظور    الإعلان عن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة نواف سلام    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة 20).. المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه اتحاد تواركة (1-1)    البطولة الوطنية.. أولمبيك آسفي يتعادل مع ضيفه الدفاع الحسني الجديدي (0-0)    إطلاق نار في مواجهة الأمن.. تفكيك شبكة إجرامية وحجز أسلحة ومخدرات    نفاق دبلوماسية النظام الجزائري في تحركاته تجاه دمشق.. للتاريخ ذاكرة لا تنسى أبدا !    مؤسسة مغربية تفوز بجائزة حمدان – الإيسيسكو للتطوع في تطوير المنشآت التربوية في العالم الإسلامي    المغرب يقرر الاستعانة بممرضات مصريات للعمل في مستشفيات المملكة    نقابة تستنكر "تزييف أرقام الإضراب"    موظفو وزارة العدل يتهمون مسؤولين إداريين بممارسة التهديد والتخويف ضد المضربين    عبد الكريم.. قصة شاب توفي بالسرطان بسبب الإهمال في مستشفى مليلية تشعل غضب مسلمي الثغر المحتل    رجاء بني ملال يستعيد صدارة القسم الثاني بانتصار ثمين على أولمبيك الدشيرة    مجموعة أكديطال توضح: لا اتفاقيات لاستقدام ممرضين أجانب وأولوية التوظيف للكفاءات المغربية    الوكالة الوطنية للمياه والغابات توضح: حجز ببغاوات بشفشاون تم وفق القانون وبإشراف النيابة العامة    طنجة تستعد لمونديال 2030: تنظيم جديد لمواقف السيارات مع إلغاء "الصابو" واعتماد تعريفة رمزية    انعقادالجلسة الأولى من دورة فبراير لمجلس جماعة العرائش    طنجة..كتاب جديد يعيد ملف الاختفاء القسري إلى الواجهة بالمغرب بعد عقدين من تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة    مولاي رشيد يترأس حفل تسليم جوائز الحسن الثاني وكأس للا مريم للغولف    أطباق شهية في السينما والمسرح والأدب والموسيقى والإقامة الفنية ومحترفات الرقص والسيرك    الزمالك يتعاقد رسميا مع المغربي صلاح الدين مصدق    العثور على جثة شابة مقيدة في مجرى مائي في ليلستاد الهولندية    أكادير: تدشين وحدات الدراجات الهوائية لتعزيز الأمن السياحي وتأمين الشريط الساحلي    أفراح ترافق تحرر معتقلين فلسطينيين    مظاهرات بألمانيا ضد أحزاب اليمين    المغرب والعراق يؤكدان رفض مخطط تهجير الفلسطينيين وتجديد دعم وحدة المملكة    قناة "إم بي سي 5" تميط اللثام عن خريطة برامج متنوعة خلال رمضان    مزاد علني ينجح في بيع كمان نادر ب11,3 ملايين دولار    العشابي يستبدل "فاصل ونواصل"    السفير الصيني في زيارة إلى تارودانت وأكادير.. لتعزيز التعاون الثقافي والاقتصادي بين الصين والمغرب    أسبوع إيجابي في بورصة البيضاء    "فحوص بوحمرون" تسجل إصابات مؤكدة في 11 مؤسسة تعليمية بطنجة    القوات المسلحة الملكية تشارك في معرض أليوتيس 2025 تعزيزًا للابتكار والاستدامة في قطاع الصيد    مدينة طنجة تسجل أعلى مقاييس التساقطات المطرية    العراق تشيد بجهود الملك محمد السادس في دعم القضية الفلسطينية    فرنسا ترحل المهاجرين المغاربة غير الشرعيين    دي بروين ينقذ مانشستر سيتي من "مفاجأة كبيرة"    هيئة النزاهة تدعو إلى ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع المتطلبات الإجرائية لمكافحة جرائم الفساد    مبادرة تشريعية تروم اعتماد أسماء الأدوية العلمية بدل التجارية لإنهاء أزمة انقطاعها    خبراء يحذرون من مخاطر سوء استخدام الأدوية والمكملات الغذائية    باريس سان جيرمان يمدد عقده مدربه إنريكي إلى غاية 2027    الإنفلونزا الشتوية تودي بحياة 13 ألف شخص وتغلق المدارس بأمريكا    أزيد من 55 ألف منصب شغل مرتقب في جهة سوس باستثمار يبلغ 44 مليار درهم    فاس: لحسن السعدي يزور عددا من المشاريع المنجزة في مجال الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني    انتشال ثاني جثة بسبتة خلال فبراير الجاري والسابعة منذ مطلع سنة 2025    الصين: انطلاق دورة الألعاب الآسيوية الشتوية بهاربين    أحلام ترامب بنقل سكان غزة إلى المغرب    لقاء بالبيضاء يتناول كفاح آيت إيدر    موريتانيا تمنح للسائقين المغاربة تأشيرة دخول متعددة صالحة لثلاثة أشهر    قمة عربية أو عربية إسلامية عاجلة!    انتفاضة الثقافة    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    وزارة الصحة تؤكد تعليق العمل بإلزامية لقاح الحمى الشوكية بالنسبة للمعتمرين    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يبدو مِن حَدَث إيبدو؟
نشر في هسبريس يوم 15 - 01 - 2015

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه
يبدو لي أنّ هذا النظام العالميّ الجديد القديم أحمق أخرق، لا دين له ولا مَبدأ، ولا هوية ولا مَلجأ. لم يستفِد ممّا سبق، وهو ماضٍ من سيّء إلى أسوأ، وإلاّ كيف تترك منظّماته الرّاعية لحقوق أبنائه، والهيئات المسؤولة عن أمْن أعضائه الحَبْل على الغارِب لعاضّين جبّارين، وجبّارين عاضّين في كلّ الأقطار العربية بلا استثناء ليَعيثوا استبداداً وفساداً في البلاد والعِباد بلا رقيب ولا حسيب، ولا مُنادٍ مُندّدٍ، ولا سامعٍ أو مُجيب. استبدادٌ إرادِيٌّ رهيبٌ، وفسادٌ إداريٌّ مُريب، ولا مُبرّر من بعيد أو قريب إلاّ عدم انضمام هذه إلى تلك المنظّمات، أو عدم التزام تلك بالقوانين والقرارات، وللأنظمة الجاثمة على صدر الأُمّة بلا عدل ولا شورى، ولا حُكم ديمقراطيّ؛ مَحلّيّا كان أو مُصَدَّرا، أن تُندِّد بما تقرّر ضدّها، وتُهدّد بفطم رُضّاعها عن لبان ثديِها، وتُرسِل مبعوثيها إلى القِباب العالية، والكراسي المُتحرِّكة،
الميكروفونات المُنتَصِبة ليقولوا كلمتها باللغة المُشترَكة، ويسمَع العالم أعذارَها ومُبرِّراتها. هذا إن وُجِّهَت لها تُهَمٌ أصلا، أو أُحيل أمرُها على مُنظَّمة أو هيئة أو محكمة، ثم تُرفَع الأيدي انتصاراً لها، أو استِصداراً لقرار لا يلزَمُها، أو تُحَطَّ بموجِب شيطنة خرساء مُتآمِرة بأغبى ذكاء مع جرائِمِها الخرقاء، وجرائِرِها الحمقاء، أو يُرفَع بعضُها على قِلّته التي لا تتجاوز أصابع اليد «الشّمال» بالفيتو المُلقِّح ضدّ السّعال الديكي البلدي المبحوح، والمانع دون تجريمِها أو كفِّها عن عُدوانها، ويكتفي العالم بزَفرَة الأَسى المذبوح، والأسف المسفوح على ما تمّ وما لم يَتِم، ويُندِّد الجميع في خُشوع بلهجة أشدّ هذه المرّة على ما وقع، وهو مُتوقَّع بالطّبع والقَطع، وتبقى الأنظمة الساحِقة لشعوبها بالكيماوي الحارِق أو الخانق، أو بالاعتقال التعسفيّ المارِق، والتعذيب المُستنطِق والمستغرِق شهورا لا ليُحقّق فيما حدَث، بل ليُحقّق بالمعصور لا بالمحلوب ما به يُغرِق الأضنّاء بالأحكام القاضية بالأعوام، أو بالمُؤبّد أو بالإعدام، وما شِئْت مِن طوامّ لا يُفصِحُ عنها النِّظام، إلاّ في كواليس الإسهام في الحدّ مِن ظاهرة الإرهاب بما يُرضي سادة العالَم، على أنّ المُسهِم جنديّ مُجنّد مجتهد في جيش الحرب على الإسلام.
ألم يبدُ لك بعدُ ما بدا لي أخ العروبة والإسلام؟
طيِّب فلأُواصِل وأنت من جهتك حاوِل.
يبدو لي أنّ الميزان الذي تُقاس به الأمور في هذا العالم القميء الوبيء المسيء لنفسه قبل أن يُسيء لأحد مِن بني جِنسه مُهترئٌ أو خاطئ أو مُنعدم المَثيل في التغرير والتضليل على أصحّ ما قيل، وإلاّ فكيف تُبادُ العِراق مُدُنا وقُرى بسبب مِن وِشاية كاذبة، وظنٍّ زاعِم واهِم، وكيف تسقط غزّة على رؤوس سكّانها المؤمنين الآمنين بدعوى الردّ على سقوط صاروخ طائش أصاب ناحية من ضاحية في حاشية مِن هوامش قرية مُحتلَّة أو مُحتَلّة مُستَوطَنَة نائية، وكيف قبل ذاك وأثناءه وبعده تتِمّ إبادة جماعية للأقليّات المسلمة في البوسنة والهرسك والشيشان وبورما وفي الهند، وفي العديد مِن بلدان إفريقيا، ولا يتمّ التدخّل أصلاً بدعوى دعوة الأمين العام للأُمَم المتحدة الأطراف المُتصارعة إلى ضبط النّفس، مُساوياً بين النّعجة والجزّار في مُطالبتهما على حدّ سواءٍ بنَبذ العُنف وتحكيم العقل، وتجنّب ما يُفضي إلى الجُرح والذّبح.
إذا كان الخطأ في الموزون يمكن بالميزان تصحيح الوضع، أمّا إذا كان الخلل في الميزان فتكرار الخطإ دائما مُتَوقّع.
يبدو لي أنّ هذا النّظام العالميّ القديم الجديد شعارُه المُؤطِّر لما يُريد: «مصلحة الكِبار فوق كلّ اعتبار».
انتَفَضَت شعوبُنا الإسلامية مُبكِّرا قبل هذا الربيع العربي أواخر السبعينيات من القرن الماضي، وكان التعامل معها بنفس المنطق الأعوج الأعرج المؤدلج والمُمنهج، ورغم ما لا يمكن إنكارُه من الأخطاء التي وقَعَت فيها هاته الانتفاضات مما وقع فيها – وفي أكثر منها – غيرُها دون أن يستوجب ذلك تدخُّلا سافِراً أو مُضمَرا، عنيفاً أو سخيفاً من العالم المُتفرِّج المُتفرنِج.. كان التعامل معها – أقول – بمنطق الوءد لوجودها المستقِلّ المُبتَذَل في أفغانستان، والحصر والحظْر لشهودِها المستَهِلّ وخطرها المُحتَمَل في إيران، ثم كان النّقض لما تمّ إبرامُه في جزائر جبهة الإنقاذ المُنتصِرة بالنّزيه الكاسِح، بدعوى عدم أهلية شعْبِها ليختار مَن يحكمه، فتمّ الحَجْر على ما اكتَسَبَته، والالتفاف على ما حقَّقته، وفي فلسطين تمّ الإجهاز على حماسِ القطاع بعبّاس الضفّة، لتُحاصَر الأولى وتُدَمَّر بِنْية قطاعها مرّات، وليُواصِل الثاني مشوار المُفاوضات الضعيفة، بل الموضوعة لخدمة تهويد القدس، وتخريب الأقصى، وتقسيم فلسطين إلى دولة قائمة حاكمة، ودُوَيلة موعودة خادمة.
ومع الوءد والحَصر والنَّقض والالتفاف هناك إسفاف واستخفاف واستِضعاف مُورِس على الأمّة الإسلاميّة في هذا الربيع العرببي الذي وَعَد شتاؤه بخير، فحوَّلوه إلى صيفٍ حارِق بلا حصادٍ.
قُلنا لِم لا نكون مثل غيرِنا نحن العرب والمسلمين، فنتذكّر أنّ لنا أيضا نَفْساً وقلباً وعقلاً، وكبِداً ومصارين وطحالاً، وأحلاماً وآمالا، وصوتاً ينبغي أن يُرفَع ويُسمَع، وبالحقّ يصدَع، ورَهطاً مِن الرّجم يمنَع؟! فقال العالَم المُقنَّع بالنِّظام، والمُخفي لوجهه الذي خدَشَتْه مظالم الأنام؛ نعَم لكم الحقّ في أن تحلموا بالعيش في حريّة وكرامة وأمْن وسلام، لكن ما كلّ ما يحلُم به المرء يُدرِكه، تجري الوقائع والأحكام بما لا تشتهي الأحلام وصِغار الأحلام. انتفَضْنا في اليمن فأحرقوها، وفي البحرَيْن فجفّفوا ينابيعَها، وفي لبيا فجعَلوها سائِبة سائمة، وفي تونس - مهدِ الإباء - فجعلوا ياسمينها خضراء دِمَن، وفي سوريا فحوَّلوا الثورة فيها إلى جيفةٍ يتقاتَل على نهشِ لحمِها المُنتِن وحوش ضارِيَة مِن خلال حروب إيهامية لتجارة بورٍ، بَعثِية كُفرِية أو عَبَثية تكفيرية، ووراء كلّ قبيل فتيلٌ مُشتَعِل بنارٍ صَفَوية أو حِزبية، وحميّة عُمّيّة جاهلية، قومية عربية أو كُردية.وفي مصر أمّ الدّنيا، وهَمّ الدّنيا، لا زال للمسلسل العالمي حلقات من الوءد والنّقض، والحصر والحظر، والالتفاف والاستخفاف والاستضعاف والاستنزاف...مصر فرعون المُتألِّه، وهامان الجَلاّد المُستأسِد، وقارون المُسرِف المُفسِد، والسّامِريّ الإعلامي الكذاب المُبير المُعَربِد، ويتساءل الأمريكيّ بسذاجة بَلهاء، واستغفال مِن نعامة جَعداء: «هل البطّة إذا أحدَثَت صوت البطّ يُقال عنها غير بطّة؟» ويرُدّ الأوروبّي - الوجه الثاني لعملة الترويج والتسويق للانقلاب على كلّ شَرْعٍ وكلّ شرعيّة- وكل مشروع لا ينبطح أمام مصالحه الذاتية الفردية والجماعية فيقول بسذاجة أكثر هُجنة واستجهالا، وبسخريّة رَعناء عارية مِن كلّ طِلاء:«ورغم ذلك يمكن أن تكون وَزّة أو قطّة». نقطة ونرجع إلى السّطر.
إن لم يَبْدُ لك ما بدا لي مِن حدث "إيبدو" فلأُدقِّق أكثر، ولأُوضِّح ما به تزول الغِشاوة عن البصيرة قبل البَصَر.
يبدو لي أنّه حادث ذو حدَّيْن؛ حدٌّ يُجرّم الغرب، ويُغَرِّمُه ضريبة مَن أساء إلى الإسلام، وإلى نبيّ الإسلام المُكرَّم عليه الصلاة والسّلام. وللدّين ربٌّ يحميه، وللنبيّ الكريم مَن يُدافِع عنه (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)1 ويُعلِن الحرب على مَن يُعاديه(من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)2. مؤمن ووليّ، فكيف بأكرم المؤمنين على الله وأكبر الأولياء عند الله، سيّد الأوّلين والآخِرين، مِن لَدُن آدم إلى يوم الدّين، سيّدنا محمّد عليه وعلى آله وصحبه أجمعين صلاةُ الله وسلامه بإذن ربّه كلّ حين.
سبحان الله يُمهِل ولا يُهمِل، وعدُه حقّ لا يُخلِف الله الميعاد، هو وحده العليم الخبير المُدبِّر لكيف ومتى،وبم وبِمن يكون القصاص مِن البَذيء المُسيء لا خَلاص ولا مَناص.
صدَّقْنا ورضينا بالقَدَر الحكيم ونحن رافضون أشدّ رَفْض، وبلهجة أشدّ ممّن رفَضوا أَن يُعدَم مَن قُتِلوا، لا لأنّ إسنائهم بالقتل يُشرف القاتل أو يجدي نفعا أو ينهي ضُرا، ولكن لأنّ بقاءهم وما يسطُرون وما يرسُمون مُسيء لهم، ومُعبِّر عن حِطَّتِهم وضُعفِهم، وقِلّة ذَوْقهم وذكائهم وأدَبهم وما يُمَثِّلون وعنه يصدُرون، كما هو بليدٌ غَبِيّ مُبرِّرُ ما فعَلوا ويفعلون في المسلمين الذين قتلوا منهم ملايين خلال فترة الاستعمار الحقيقي، وما بعد الاستقلال الصوري، وخلال الربيع العربي التونسي والمصري والليبي والسوري، لم ينتَفِض منهم أحد، ولا رسَم ولا ندَّد، ولا اعترَض ولا امتعض، ولا رفض ولا تمرَّد..
لكن مع هذا نقول: متى كان القتل خاصّة، والعنف عامّة حلاًّ لمثل هذه المشاكل؟ وهل يُولِّد العنف إلاّ عُنفاً؟ وإن كُسِّرَ منهم يَراعٌ تحوَّل المكسور أقلاماً مثنى وثلاث ورُباع، وإن كمَّمْتَ للحريّة الرّعناء منهم ثَغْراً أصبح لها في كلّ ثَغْرٍ ثَغْر.
كان الرّاسِم - إلاّ في جُحْرِه - كَلاًّ هَمَلا، فجَعَلْتَ منه بقتلِه فارِساً بطَلا. أستغفِر الله؛ فارسٌ بَطَل في حرب على الوَرَق، برَسْم أخرَق يحاول - وأنّى له - أن يخدِش وجه السّماء المُنعكِس على الماء.
هذا حدٌّ، وحَدٌّ ثانٍ يَشي بأنّ الغرب وإن فعَل ما فعَل، وقُتِل بعد أن قتَل واستغْفل واستجهل، واعتقل ونكّل، تواطُأً مع أبي الهول وهُبَل يبقى دَخَناً وفيه خير، إذ يعتبِرُه أغلبية العرب المسلمين - المُهمَّشين المقهورين المُستضعفين المُستَخَفّ بهم مِن قِبَل شياطين الإنس والجِنّ، والشّرق والغرب يوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول غرورا، وتغريراً وتخديرا – ملاذاً للخائف يجد فيه أمناً، والممنوع المقموع يجِد فيه حرية ووزنا، وللمُعطَّل المُجوّع المُشرَّد يجد فيه عمَلا ورِزقاً وسكَنا، ولطالب العلم يجد فيه طِلبَته، ولدماغ النّابِغ يجِد عنده جمجمته، ولنبوغه قيمته وحُرمته، وللمُعبِّر عن رأيه نثراً أو شِعراً، رَسْماً أو كاريكاتورا، نَقْداً أو مساءلة أو تنويرا، برلماناً جنَّد معارضته وأحكم رقابته، وجمعيات حقوقية توصِل صوته لِمَن يسمَع شكاته، ويُنصِف مظلمَتَه، وللمُستبِدّ والمُفسِد في أعرافِهم وقِيَمِهم التي نتقاطع معها في كثير، ونتماهى معهم فيها ونتباهى كَيٌّ يحسِم داءه، وحدُّ سيفٍ يحُدّ غلواءه، ودستور يحمي الناسَ مِن شرّه، وقانون يتِمّ الاحتكام إليه فيكون للمحكمة معنى، ولِمَن يُدافع عنك فضاءٌ رَحب للدفاع، وحُسن إصغاء واستماع، ومُؤازَرَةٌ مِن القضاء المُستَقِلّ إن امتلَكْتَ ناصية الإقناع، وأحكامٌ لا تُبَيَّتُ في مطبخ التعليمات، لهذا نَحلُم بالوصول إليهم لنَلتَمِس ما في دخَنهم مِن خير فِراراً مِن دخَنٍ بلا خير، ونغرِق قبل أن نصِل إليهم، وإذا وصَلْنا هنَّأَنا المحرومون منا واستقبلنا الراحمون منهم بأوراقٍ وأخلاق، وأذواقٍ وأرزاق، وتذكّرْنا آدميتنا التي نَسيناها أو نُسّيناها في بلداننا العربية الإسلامية؛ الولايات المتفرّقة الأمريكية، والإمارات المتفرّقة العربية، ووجَدْنا أُناساً نختَلِف معهم في كثير، بل يختلِفون معنا في كثير، لكنّهم - وإن كان بعضهم عنصريّا خبيثاً أو يمينيّا مُتعجرِفاً سخيفاً، أو شماليّاً مُتطرِّفاً عنيفاً، أو مُنتهي الصلاحية خارج تغطية كلّ دين وخُلُق– يتضامنون مع مآسينا التي منها هَرَبْنا ضدّ أنظِمَتنا التي فيها غُبِنّا، ويعاملوننا كمواطنين لا كرعايا.
أظنّ أنّه قد بدأ يبدو لك ما بدا لي مِن حدث إيبدو.وتسألني لماذا لم يحضر المغاربة بزي رسمي في المظاهرات التي أقيمت في باريس تنديدا بما فعله الثائرون الثأريون العنيفون الذين لم يجدوا قيادة ربانية، ومنهاجا نبويا ينأى بهم عن العنف المتهور، والهَرْج غير المثمر.أقول لك باختصار شديد هو موقف ذو حدين أيضا:
- حدٌّ نستشف منه بقية باقية من الغيرة على نسب سيد ولد آدم، وحرمةِ إمام الأنبياء والمرسلين المبعوث رحمة للعالمين، وهو حد لا يمكن إلا أن نبارك إرادته وسعيه، ونثمن بادرته ورأيه، في انتظار أن يكون لهذا الموقف مثيلات في عقر الدار حيث تنداس حرم الدين، وحرم المؤمنين بالأقدام والأقلام والرسوم والكلام والمهرجانات والأفلام وفي مقررات التعليم ووسائل الإعلام، ولا ناه ولا منته، ولا منتفض ولا رافض ولا ممتعض ولا معترض ولو بشجب وملام.
- وأما الحد الثاني فنشم رائحته من خلال ما يشن على حرية الرأي في بلادن من حروب، وما يصدر في حق معتقلي الرأي من أحكام تشي بأن لا تصالح ولا تسامح مع من يُشير إلى أزلام النظام بأصبع نقد أو اتهام.
ولا مكان لحرية التعبير في بلد لا حق فيها للمستضعف يراعَى ويُرعى، ولا بقلم ولا لسان إلا أن يَرعى في المرعى الذي حددوا له، وإلا نصبوا لك وشاية كذب، ودعموها بشهادة زور، وبحكم جور وتبور، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ومكر أولئك هو يبور، والله عاقبة الأمور والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير والحمد لله الذي به تستجر والحمد لله حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.
الهوامش:
1- سورة الحج: 38.
2- جزء من حديث الولي رواه البخاري رحمه الله في صحيحه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.