لو أن هؤلاء المجانين المُنْفجِرين والمُفجِّرين في الأردن والجزائر وباكستان تساءلوا ابتداء سؤالا بسيطا واضحا: ما الذي يعصم شرعا دم المسلم؟ ولو أنهم أنصتوا لنصوص الشرع لتبين لهم أن مجرد النطق بالشهادتين كاف لعصمة الدم. هذا فضلا عن أن إيقاع الحدود هو من اختصاص الإمام والقاضي ولا يجوز تعدية ذلك والخلط بين المسؤوليات والوظائف وإلا لأصبح المجتمع فوضى. ولو استبعدوا التفكير بمنطق الانفعال السياسي الهائج وأنصتوا إلى نصوص الشرع لتبين لهم أن قوله عز وجل: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا متَعَمدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَد لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)، لا يترك لمتأول مسوغاً للجرأة على دماء المسلمين مهما كانت المعطيات والأهداف السياسية. ولو أمعنوا النظر في السيرة النبوية لتبين لهم، أن ما قلناه آنفا، أي أن مجرد النطق بالشهادتين كاف لعصمة الدم، أمر قرره رسول الله وأمضاه على صحابته، فقد روى مسلم في صحيحه أن أسامة بن زيد قال: +بعثنا رسول الله في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فوقع ذلك في نفسي، فذكرته للنبي فقال: أقال لا إله إلا الله وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح. قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ؛. وفي رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام لأسامة: +فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟؛. وشبيه بهذه الحادثة ما جاء في صحيح مسلم أيضا جوابا عن سؤال من المقداد بن الأسود لرسول الله حين قال: +يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله: لا تقتله. قال فقلت: يا رسول الله إنه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ قال رسول الله: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال؛. إن حرمة دم المسلم أمر أكده الإسلام بنصوص لا تترك لمنتهك هذه الحرمة أي مهرب لتفلت أو إعذار. فحادثة أسامة جاءت في سياق الحرب، الأمر الذي يدفع نحو الاعتقاد بأن نطق الرجل بالشهادة مجرد تقية وتهرب، ومع ذلك فإن النبي لم يقبل بقتله وشدد في استنكار الفعل، وذلك ليعلمنا أن حرمة الدم أمر خطير ينبغي الاحتراس من المساس بها، لأن قتل مسلم واحد، كما جاء في الحديث أمر أكبر من زوال الدنيا كلها، حيث يقول عليه الصلاة والسلام، فيما رواه الترمذي والنسائي: +لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم؛. وفي الحديث أيضا +لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار؛. ولا يدخل في الإثم فاعل القتل فحسب، بل حتى هؤلاء المُنَظِّرِين لأفعال العنف بكتاباتهم وخطبهم، فقد جاء في الحديث: +من أعان على قتل المسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه +آيس من رحمة الله؛. لهذا بلغ الأمر في التشديد على حرمة دم المسلم أن ابن عباس كان يرى أن لا توبة لقاتل المؤمن عمدا! بل لعظم شأن حرمة الدم فإنها أول ما يقضى فيه يوم القيامة، فقد أخرج النسائي عن ابن مسعود مرفوعا +أول ما يحاسب العبد عليه صلاته، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء؛. ثم إذا انتقلنا من نقد هذه الأعمال التفجيرية من منظور الشرع إلى وزنها بميزان العقل سنلاحظ أن هذه السلوكات هي من الناحية السياسية سلوكات عدمية لا منطق يحكمها ولا منهج يضبطها، بل إنها أقرب إلى العبث إن لم نقل الجنون.