في الوقت الذي عبر فيه الكثيرون عن إدانتهم للهجوم المسلح الذي تعرض له مقر صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، هناك من تهللت وجوههم وانفرجت أساريرهم استبشارا بهذا الحدث الذي رآه البعض ثأرا وانتقاما من مجلة طالما أساءت للمسلمين واستفزت مشاعرهم وسخرت من مقدساتهم، وأن الهجوم ومن نفذه يستحق الإشادة وليس الإدانة. وقبل الحديث عمن وراء هذا الهجوم والأهداف التي يرمي لتحقيقها، وهل يتعلق الأمر بمسلمين غيورين على دينهم ورسولهم أرادوا ردع هذه الصحيفة، أم أنه عمل مخابراتي لتصريف أجندة معينة. أجدها فرصة للتأمل بعيدا من ذلك في بعض الأحداث أو الفخاخ التي يستدرج إليها بعض المسلمين، ومع ذلك لا يتعلمون، وفي كل مرة تنطلي عليهم الحيلة، ويقدمون على أفعال لا تلبث أن تعود عليهم بالوبال. إذا تأملنا مثلا ما جرى في جمهورية إفريقيا الوسطى، سنجد أن المسلمين جميعا بكوا بحرارة ومرارة ما تعرض له إخوانهم هناك، من تقطيع بالسواطير وحرق للأجساد وهم أحياء في مشاهد بلغت فظاعتها حد الوحشية، فضلا عن هدم البيوت والمساجد ونهب الأموال والتهجير الجماعي، لكن ناذرين جدا أولئك الذين رجعوا لبداية القصة، وانتبهوا للمصيدة التي دخل فيها المسلمون هناك بأرجلهم. الفخ كان هو اغتنام الفرصة التي بدت سانحة جدا لوصول أول رئيس مسلم لحكم جمهورية إفريقيا الوسطى، بتمهيد وإيعاز غير مباشر من فرنسا*، التي شجعت تحالف السيليكا بزعامة ميشال دجوتوديا المسلم، على تنفيذ الانقلاب ضد الرئيس المسيحي (فرانسوا بوزيزي)، وذلك ما تم بالفعل ونجحت الخطة، في 24 مارس 2013، ففرح المسلمون لهذا الحدث التاريخي ولهذا الرئيس المسلم. لكنهم ما لبثوا أن استفاقوا من سكرة ونشوة هذا النصر والفتح المبين، حتى وجدوا فرنسا التي كانت إلى جانبهم بالأمس، أصبحت ضدهم تسلح المسيحيين وتحريضهم على الانتقام ورد الصاع صاعين، لتندلع شرارة حرب أهلية أدى فيها المسلمون الثمن غاليا، ويفتح الباب مشرعا أمام فرنسا لتدخل قواتها مع القوات الإفريقية إلى البلاد لفك الاشتباك حسب ما يزعمون. قد يتساءل المتابع ما الذي يدفع فرنسا لفعل كل ذلك، وما هي المصالح بالضبط التي راحت من أجلها إلى هناك، وكيف انطلت خطتها على هذا الشعب بمسلميه ومسيحييه. الحكاية بدأت مع انخفاض أسعار اليورانيوم في السوق الدولية، وقرار فرنسا التي تعتبر من أكبر الدول المصدر لهذه المادة رغم أنها لا تملك منها شيئا، إلا أنها تستخرجها من مستعمراتها السابقة في القارة الإفريقية، فقررت وقف استخراج اليورانيوم من مناجم جمهورية إفريقيا الوسطى، إلى سنة 2032، للحفاظ على الأسعار، وهو ما لم يعجب الرئيس (فرانسوا بوزيزي)، الذي رأى في ذلك حكما على بلاده بمزيد من الفقر، فراح يبحث عن شركة أخرى تحل محل الشركة الفرنسية (أريفا – Areva)، ما اعتبرته فرنسا تجاسرا وتمردا. فوضعت خطة غاية في الخبث لتحقيق أمرين اثنين، الأول هو تأديب هذا الرئيس الذي تجرأ عليها، والثاني هو إدخال قواتها وتثبيتها على الأرض لتطبيق قرار إغلاق المناجم بقوة السلاح. فكانت الخطة هي إغراء قادة المسلمين بالانقلاب على الرئيس المسيحي، وعوض أن يقف هؤلاء المسلمون معه ضد جشع فرنسا، حتى وإن كان مسيحيا أو حتى مجوسيا، راحوا يهللون لتحقق حلمهم بقدوم الفرصة لوصول أول رئيس مسلم لحكم البلاد، وابتلعوا الطعم، وبقية القصة يعرفها الجميع. لا نريد أن نعدد الأمثلة الكثيرة التي لا تنتهي مثل ما حصل في مالي سنة 2012، حين أغرت فرنسا بشكل غير مباشر مجموعات إسلامية مثل التوحيد والجهاد بفرصة إقامة الدولة الإسلامية شمال مالي، وفرح الكثير من السذج، دون أن يعلموا أن ذلك هو المبرر الذي كانت تهيئه فرنسا لإدخال قواتها. ولا أن ننسى تفجيرات برج التجارة العالمي في نيويورك، وتفجيرات لندن ومدريد وغيرها، التي لم يجني من ورائها المسلمون إلا الويلات، ولم تقدم إلا المبررات والذرائع لقصف مصنع الشفاء في السودان، واحتلال أفغانستان والعراق، وغيرها من الكوارث. إنما أريد ختاما أن أتساءل مع بعض المتحمسين لمثل هذه الأفعال أو المسرورين بها، فيما إذا كان هذا الهجوم على "شارلي إيبدو" سيوقف تلك الإساءات لديننا ومقدساتنا، أم أنه لن يزيد إلا تكريس ما يسوق له اليمين المتطرف والصهاينة حول صورة المسلم الإرهابي الخطير الذي يمكن أن ينفجر في وجهك في أي لحظة، والذي وجب الحذر منه، ولِمَ لا طرده إلى بلده. كما أتساءل، ألا يجدر بنا الأخذ بفقه المآلات، ومراعاة النتائج المتوقعة والمرتقبة، من كل فعل أو رد فعل قبل الإقدام عليه أو الإشادة به. ألا يجدر بنا التفكير بعقولنا بدل الانفعال بعواطفنا. والخلاصة أن مثل هذه الأحداث الإجرامية لا ينبغي، بأي حال من الأحوال، الاستبشار بها أو محاولة التماس الأعذار لمرتكبيها، أو اللمز والتشفي في ضحاياها أيا كانت عقائدهم أو انتماءاتهم، بل الواجب هو إدانتها والتبرؤ منها، وإدانة الجهات التي تقف وراءها، سواء كانوا مسلمين سذج بدعوى الغيرة على للدين، أو كانت مخابرات دولية بغرض تصريف أجنداتها الخفية. *( صرح بمسألة الدعم الفرنسي لانقلاب ميشال دجوتوديا المسلم (الذي كان يحمل اسم "محمد ضحية"، قبل أن يغير اسمه)، على الرئيس المسيحي فرانسوا بوزيزي، في 24 مارس 2013، صرح بذلك محمد سعيد إسماعيل، مستشار رئيس الجمهوية، بشكل عَرَضي في برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة القطرية، في مارس 2014، دون أن ينتبه الكثيرون في خضم التركيز على حجم المأساة وبشاعة الجرائم).