تفيد إحدى المقولات التي تستند إليها نظرية التطور، أن الأحياء الأكثر قدرة على المنافسة في ما يسمى "صراع البقاء"، هي تلك التي تبدي قدرة أكبر على التكيف مع محيطها. وهكذا مثلا، نجت سلاحف جزيرة غالاباكوس من الفناء لأنها استطاعت تطويل أعناقها، أكثر قليلا من بني جنسها في بقية العالم ، حتى تتمكن من الوصول إلى النباتات العالية في الجزيرة. يزعم التطوريون أيضا، أن الأعضاء المستعملة تتطور وتتقوى، بينما تضمر الأعضاء المعطلة وغير المستعملة بمرور الوقت، وتنتقل ضامرة إلى بقية أجيال النوع. وبهذه الطريقة، اعتبر لامارك أن الثعابين كان لها أطراف فقدتها لأنها أهملت استعمالها ولم تكن بحاجة إليها. بطبيعة الحال، لا يتوقف دارون عند السلاحف أو الثعابين، بل يسقط قوانينه على كل الكائنات الحية، بما فيها الإنسان. لكن ماذا لو تسنى لداروين بعد أن أتم خلاصاته حول أجداده الكرام ووصل إلى آخر جذر في شجرته العائلية، أن يخصص بعضا من الوقت لاستشراف صيرورتنا التطورية، استنادا إلى نظريته المثيرة. "نحن" هنا، تعود عليك، وعلي، و على البقية ممن نتشارك معهم المدينة، البلد، أو كل المجال الذي يحده المحيط غربا والخليج شرقا. و "نحن" لسنا اقل من سلاحف غالاباكوس، وقد نخط طريقنا الخاص في التطور، بعيدا عن بقية البشر، تبعا لحاجات بيئتنا الفريدة، و حسب ضرورات التكييف مع المحيط الإجتماعي. أجزم أن العالم الكبير لو أفرد لنا فصلا صغيرا في كتابه الشهير "أصل الأنواع"، فسيضع اللسان في طليعة الأعضاء التي ستتطور لدينا بشكل مذهل، إذ هو أكثر ما نبرع في استعماله. وسيعلن أن أعقابنا ستحصل على لسان طويل بمميزات حربائية تمكنه من التلون حسب الحاجة، وتمكنه كذلك من التمدد و التقاط الأشياء. سيعلن داروين ايضا أن أمام أعيننا مستقبلا باهرا، إذ قد تكتسب القدرة على الرؤية الليلية وعلى اختراق الحجب والحيطان، وربما تطورت لدينا أعين خلفية حتى لا يفوتنا شيء من شؤون الجيران أو أي تفصيل صغير في من يمر بنا أو نمر به. جباهنا بدورها ستزداد ضخامة بلا شك، ف"الصنطيحة" الكبيرة هي كل ما يحتاجه الفرد في مجتمعاتنا ليشق طريقه في عوالم السياسة والفن وحتى الرياضة، وهي أيضا جواز السفر الوحيد، وكاسحة المبادئ أو المثل. أما الوجوه، فأغلب الظن أنها ستتغلف بطبقة سميكة من الزنك، تجعل الوجه "قزديرة" حقيقية مصفحة ضد الحياء أو الخجل. سيخلص داروين، إلى كوننا مثقلين بأعضاء غير مستعملة وزائدة عن الحاجة. أعضاء محكومة حسب قانون "الإهمال والإستعمال"، بالضمور و التلاشي. أبرزها وأكثرها عطالة، العقل الذي لا نعرف له دورا، فهو عندنا شبيه قطع الغيار التي يردها إليك الميكانيكي قائلا أنها كانت زائدة في محرك سيارتك ، والدليل أن المحرك يعمل دون الحاجة إليها. سيؤكد أيضا أن نسلنا لن يضطر لحمل سواعد عديمة الجدوى، فالسواعد ستختفي أو قد تضعف وتضمر لتصير زعانف تساعدنا على التقلب أثناء النوم، أو على تغيير وضعية الاضطجاع حين تتورم جنوبنا أمام الشاشات. لو عثر علينا داروين قبل أن يسوقه القدر إلى سلاحف مضللة على جزيرة تائهة في المحيط، لأدرك الخطأ الكبير الذي بنا عليه نظريته. ولعرف أنه قلب منحى التطور. كان، بلا شك، سيؤسس نظرية بديلة قد يسميها "نظرية النكوص". وكان سيضع إلحاده جانبا ليعلن بإيمان القديسين أن الله القدير الرحيم خلق الإنسان في أحسن تقويم، لكن الإنسان نفسه يصر على التردي أسفل السافلين. ألم يقل قائلهم: حمير..وبيخير!! http://mouden.blogspot.com