هل تقدم المغرب على درب حقوق الإنسان أم عاش ردة حقوقية خلال السنة المنقضية؟ كان ذلك هو السؤال الذي ملك الدنيا وشغل الناس، بين مؤكد على أن المملكة قطعت خطوات مهمة في مسار ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، سواء من خلال التوقيع على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أو عبر الإجراءات "الشجاعة" التي اتخذتها الدول على مدار السنة، وبين من يعتبر أن كل كلام عن حقوق الإنسان في المغرب كلمة حق يراد بها باطل وبأن الهم الأساسي للدولة هو إعطاء صورة إيجابية عنها لدى المنتظم الدولي بينما الواقع لم يتغير. ونظرا لأهمية النقاش الحقوقي الدائر في المغرب، اختارت جريدة "هسبريس الإلكترونية" إثنا عشر شخصية حقوقية كانت هي الأكثر حضورا وتأثيرا في المشهد الحقوقي المغربي مهما اختلفت انتماءاتهم والأفكار التي يدافعون عنها. إدريس اليزمي لعل الحدث الأبرز الذي عرفته الساحة الحقوقية خلال هذه السنة هو تنظيم المنتدى الدولي لحقوق الإنسان الذي احتضنته مدينة مراكش وأشرف على تنظيمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي وضع ادريس اليزمي الأمين العام للمجلس في مقدمة الأشخاص الذين واجهوا العديد من الإنتقادات من طرف الهيئات الحقوقية المغربية التي قاطعت المنتدى، وعلى الرغم من ذلك فقد استطاع الأزمي أن ينظم هذا المنتدى العالمي. اليزمي وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع العديد من الجمعيات الحقوقية المغربية التي وصفت المنتدى بأنه محاولة لتلميع صورة المغرب الحقوقية، ومع ذلك فقد ظل الرجل يؤكد على أن باب المنتدى سيبقى مفتوحا أمام هذه الجمعيات، ويحسب لليزمي أيضا أنه كان وراء العديد من التقارير الجريئة أهمها التقرير الشامل عن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب والذي تم تقديمه أمام البرلمان، ثم تقريره حول المؤسسات السجنية في المغرب وتوصياته للحد من ظاهرة الاكتظاظ في المؤسسات السجنية. أحمد الهايج لم يكن يدور أبدا بخلد أحمد الهايج وهو يتسلم منصب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أنه سيواجه كل هذه المضايقات من طرف وزارة لدرجة أن يصل الأمر إلى التهديد برفع صفة النفع العام عن الجمعية، ومع ذلك فمازال الهايج المعروف بهدوئه محافظا محاولا امتصاص الصدمات التي تتلاقاها جمعيته خلال الأشهر الأخيرة وذلك عبر اتخاذه لجميع الإجراءات القانونية للدفاع عن أنشطة جمعيته مبتعدا عن ردود الفعل المتشنجة. كما أنه من بين الأمور التي تحسب للهايج خلال هذه السنة هو نجاحه في استصدار حكم من المحكمة الإدارية بالرباط يقضي بأن تدفع وزارة الداخلية تعويضا قدره 100 ألف درهم لصالح الجمعية المغربية وهو القرار الذي يعتبر سابقة في تاريخ المغرب، ومما زاد من أهمية هذا القرار هو تزامنه مع انعقاد المنتدى العالمي لحقوق الذي قاطعته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. أميناتو حيدر لطالما ادعت أمينة حيدر رئيسة ما يعرف بتجمع الصحراويين المدافعين عن حقوق الإنسان "كوديسا" على أنها تعاني من التضييف في المغرب، غير أن من يتابع تحركات حيدر على مدار السنة يعرف أنها تتنقل من عاصمة أوروبية إلى أخرى من أجل التحريض على المغرب وتعود إلى مدينة العيون دون أن تتعرض لأي تضييف من طرف السلطات المغربية. وأصبح بيت أميناتو حيدر في العيون بمثابة مقر لاستقبال جميع الوفود الحقوقية التي تزور المناطق الجنوبية ذلك أن زعيمة الكوديسا نجحت في أن تفرض على جميع الهيئات الحقوقية التي تزور المنقطة أن تستمع لوجهة نظر التنظيم الذي تمثله بل إن المبعوث الأممي للصحراء كريستوفر روس يحرص أن يلتقيها في كل زيارة له للمناطق الجنوبية المغربية، وبذلك سجلت حيدر اسمها في لائحة الشخصيات الناشطة في مجال حقوق الإنسان والتي تؤثر في المشهد الحقوقي المغربي سواء في الداخل أو الخارج. سيون أسيدون عرفت السنة الحالية واحدا من أبشع الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو الاعتداء الذي خلق موجة من الغضب في صفوف المغاربة ضد الدولة العبرية وجرائم جيشها، وفي غمرة هذا العدوان كان سيون أسيدون اليهودي المغربي من أول المحتجين على الحرب على غزة حيث لم يفوت أي مظاهرة أو مسيرة لمناصرة لقطاع غزة إلا وكان من في صفوفها الأولى على الرغم من أن الرجل قد تقدم به السن. اسم سيون أسيدون كان حاضرا أيضا خلال الجدل الذي أثير حول قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، حيث كان من أشد المدافعين عن ضرورة منع التطبيع مع إسرائيل، بل وكان وراء الكشف عن العديد من الحقائق حول الشركات المغربية التي تطبع مع إسرائيل، وقدم العديد من المعلومات عن الوفود الإسرائيلية التي زارت المغرب تحت غطاء فني أو ثقافي، ولم تمنعه أصوله اليهودية من أن يكون من أشد المعارضين لدولة إسرائيل. عبد العزيز النويضي اسم آخر سجل موقفا شجاعا، وهو الناشط الحقوقي عبد العزيز النويضي الذي رفض أن يتسلم وسام شرفيا فرنسيا يسيل له لعاب الكثيرين، وذلك بسبب الموقف الفرنسي من العدوان على قطاع غزة حيث اعتبرت فرنسا أن لإسرائيل الحق في أن تدافع عن شعبها، وهو الأمر الذي لم يستسغه النويضي الذي طالما ناضل من أجل حرية الشعب الفلسطيني. النويضي اعتبر أنه من العار أن يقبل وسام جوقة الشرف الفرنسي "رافاييل طراب"، في ظل المساندة القوية التي عبرت عنها فرنسا لإسرائيل خلال حربها على غزة، معتبرا أن قبوله هذا الوسام يعتبر تناقضا صارخا مع ما يؤمن به من أفكار ومبادئ ويخالف مرجعيته الحقوقية التي ظل وفيا لها لسنوات طوال. شكيب الخياري ظل نقاش زراعة الكيف في المغرب إلى وقت قريب من الطابوهات التي تتجنب الأحزاب والجمعيات الحديث عنها، إلى أن ظهر نموذج مشروع قانون لتقنين زراعة واستغلال الكيف الطبي والصناعي الذي صاغه شكيب الخياري عضو الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، وقدمه للأحزاب التي قابلته بفتور في البداية. غير أن شكيب الخياري نجح خلال هذه السنة أن يخرج نقاش تقنين الكيف من الظل ويجعل منه نقاشا عموميا، بل إنه نجح في إيصاله إلى البرلمان، من خلال الندوة الدولية التي نظمها حزب الأصالة والمعاصرة حول تقنين زراعة الكيف، قبل أن تقبل أحزاب أخرى على هذا المشروع وتقوم بالتنسيق مع شكيب الخياري من أجل المضي في إيجاد أفضل السبل لتقنين زراعة الكيف. أمينة بوعياش بعد أن كانت واحدة من الذين صاغوا دستور 2011، حيث كانت من أشد المدافعين على ضرورة تأكيد الدستور الجديد على احترام حقوق الإنسان والاعتراف بسمو المواثيق الدولية، نجحت أمينة بوعياش في أن تظفر بمنصب كاتبة عامة للفيدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان وهي الرابطة التي تضم هيئات حقوقية تنتمي لأكثر من 122 دولة في العالم، لتكون بوعياش أول امرأة عربية وإفريقية تصل إلى هذا المنصب الحقوقية الرفيع. ونظرا لكون بوعياش كانت أوائل المدافعات عن حقوق المرأة وتحقيق المساواة بين المرأة والرجل، فقد حصلت على الاعتراف والتقدير من فرنسا التي وشحتها بوسام جوقة الشرف الوطني برتبة فارس، و"ذلك لأن بوعياش من أكبر المدافعات عن حقوق المرأة في المغرب" حسب تعبير السفير الفرنسي في المغرب. محمد الزهاري بعد أن أطلق وزير الداخلية محمد حصاد قنبلة من العيار الثقيل في البرلمان عندما اتهم جمعيات حقوقية بتلقي تمويل من الخارج، كان محمد الزهاري رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان من أشد المنتقدين لمحمد حصاد والمدافعين عن الجمعيات الحقوقية وهو ما دفع الزهاري إلى التصريح بأن "هذا الشخص (وزير الداخلية) الذي يعطي الدروس في الوطنية نقول له إن هذا ليس زمانه بل ينتمي لعهد ما قبل البصري". مواقف الزهاري المنتقدة لوضعية حقوق الإنسان في المغرب جرت عليه الكثير من المتاعب، كان آخرها عندما تم اعتقال ابنه وهو يهم بالدخول إلى مقهى في مدينة تمارة واتهامه بحيازة المخدرات، وهو الأمر الذي اعتبره الزهاري انتقاما منه ومن مواقفه خصوصا وأنه كان يحضر نفسه للسفر إلى مدينة مراكش للاحتجاج ضد المنتدى العالمي لحقوق الإنسان. هشام بركة مع تزايد أعداد المهاجرين الأفارقة الذين وصلوا إلى المغرب، ظهر العديد من الحقوقيين الذين يحاولون قدر المستطاع مساعدة المهاجرين الأفارقة الحالمين بالفردوس الأوروبي، ومن بين هؤلاء الحقوقيين هناك هشام بركة رئيس جمعية "بني يزناسن للثقافة والتنمية والتضامن” إحدى الجمعيات المشتغلة على ملف الهجرة، والذي مازال يناضل من أجل تمتيع أبناء المهاجرين بحقهم في التمدرس. وعلى مدار السنة الماضية ظل هشام بركة يحارب على جبهتين، الأولى هي محاولة إقناع الدولة بضرورة إدماج أبناء المهاجرين في المدراس حتى وإن كان آباؤهم لا يتوفرون على بطائق الإقامة، والثانية هي تحفيز المهاجرين على تسجيل أبنائهم في المدارس وذلك نظرا لكون أغلبهم يرفضون تسجيل أبنائهم في المدرسة لأنهم يعتبرون المغرب بلد عبور، ومع ذلك فمازال هذا الحقوقي مصرا على يرى أبناء المهاجرين وهو يشاركون قاعات الدرس مع أبناء المغاربة. فوزية العسولي المساواة في الإرث، هذا المطلب الذي دائما ما يشكل موضوع جدال قوي بين التيار الإسلامي والحقوقي في المغرب، لدرجة أن البعض ممن طالبوا بالمساواة في الإرث طالتهم فتاوى تكفيرية من بعض المتطرفين، غير أن هذه الفتاوى لم تمنع فوزية العسولي رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة من أن تؤكد في العديد من المناسبات على أنها من أشد المدافعين عن المساواة بين المرأة والرجل في الإرث. العسولي التي لم تنجح فتاوى تكفيرها في أن تثنيها عن موقفها، نظمت على مدار السنة العديد من الوقفات والمسيرات المدافعة عن حقوق المرأة والمطالبة بمراجعة قانون الميراث على أساس الإنصاف وعدم التمييز بسبب الجنس تماشيا مع تطورات بنيات الأسرة وخروج النساء للعمل انسجاما مع مقتضيات الدستور، ووضع حد للتمييز في الأجور، وتحقيق عدالة جنائية للنساء، وحذف تجريم الإجهاض الطبي، وهي المواضيع التي مازالت تزعج العديد من المنتمين للتيار المحافظ في المغرب. محمد الحبيب حاجي هذا المحامي الذي لفت الأنظار بطريقته الخاصة في الاحتجاج، حيث قرر أن يخوض مسيرة فردية من مدينة تطوان وصولا إلى باب سبتة من أجل الإحتجاج على ما أسماه "الأحكام القضائية المعيبة" في حق بعض المواطنين، وهي المسيرة التي استغرقت ثماني ساعات، حمل فيها المحامي على صدره ثلاثة أحكام اعتبارها غير عادلة من بينها الحكم الصادر في حق قاضي طنجة محمد نجيب أسعدون. وقام المحامي الذي يعتبر أيضا رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بقراءة رسالة معبرة جاء فيها " مزيدا من الشجاعة يا فرسان العدالة، قضاة، شرطة، عدول، مفوضون قضائيون، أطباء خبراء، لا تكلوا ولا تملوا، فالأبطال تصنعهم الظروف الصعبة، وتفتخر بهم أوطانهم عاجلا أو آجلا". محمد الصايم عاشت أرامل المغاربة الذين كانوا مقيمين في هولندا حالة من الخوف والترقب على امتداد هذه السنة، بعد أن أقدمت هولندا على الإلغاء الأحادي الجانب لاتفاقية الضمان الاجتماعي، وهو القرار الذي أدى إلى مواجهة قوية بين المغرب وهولندا لعب فيها محمد صيام مدير مؤسسة هولندا لمساعدة العائدين دورا محوريا للدفاع عن أرامل المغاربة ومساعدتهم ماديا. وكان الصايم وراء تكليف المحامية روي فان زاودفاين برفع دعوة قضائية ضد الحكومة الهولندية احتجاجا على قرار تخفيض تعويضات الأطفال وتعويضات الأرامل واليتامى القاطنين بالمغرب بنسبة 40 في المائة.