كل الذين تابعوا ما حدث من فيضانات في المغرب، وتابع المآسي التي أعقبتها، من دمار وتشرد عائلات، وفقدان الناس لذويهم وأموالهم، ومزارعهم، قد وقف مذهولا أمام هول الخسائر! ولا أعتقد أنه من السهولة أن نتخلص من وقع تلك المشاهد التي تناقلتها بعض المواقع، وهي تجسد حجم الدمار الذي خلفته الانجرافات. صحيح أن الدولة تتحمل مسؤلياتها في ذلك. لأن مثل هذه الأحداث تكون مناسبة لتعرية واقعنا المغربي الهش. واقع مليء ب“الحفر“ وثقافة ”الترقيع“. غير أن ما ينتج عن هذا الواقع المؤلم، هو ازدهار سوق تجار الظلام! أقصد سوق المتاجرة في المشردين والمنكوبين والموتى. فبعضهم يستغلها مناسبة لترويج سلعه السياسية (الانتخابات)، والبعض يستثمر الحدث لجلب المزيد من ”الدعم الخارجي“ (المجتمع المدني). لكن أسو ما في كل هذا ”السوق التجاري“ الذي يجعل من ”مآسي الفقراء“ والمنكوبين، رأسمال لجني المزيد من الربح، هو ما يقوم به بعض أفراد جالياتنا المغربية في الغرب، أقصد أمركيا تحديدا! فقبل أسبوعين طلع علينا السيد الصبار يرد على منتقديه، بعد أن راجت أخبار صرف عشرة ملايير سنتم لتنظيم «المنتدى العالمي لحقوق الإنسان“ في مركش، قائلا أن هذا المبلغ لن يحل مشاكل المغرب! أضف إلي ذلك أن هناك تقارير، تحدثت عن «بيع» المساعدات الغذائية التي أرسلت لضحايا المناطق المنكوبة. وقد ذكرني هذا الحادث بما كان حدث قبل سنوات، حين ضرب زلزال قوي مدينة الحسيمة، فضبط أحد المسؤولين، وهو يهرب شاحنة ملأى بالملاءات «البطانيات» لبيعها في فاس، وقد كانت في الأصل عبارة عن مساعدة لضحايا الزلزال! إن المتتبع للشأن المغربي، يلاحظ أن المشكل المغربي، ليس في غياب الإمكانيات، ولا في عدم وجود الأموال، وإنما في ”الثقافة“ التي تهيمن على سلوك بعض المسؤولين. بمعنى، ليست مشكلتنا في قلة أو نذرة الموارد والمساعدات، وإنما في كونها لا تصل لمن يستحقها!!! فمن مظاهر بؤس بعض ”مغاربة العالم“، الذين يقيمون خارج التراب الوطني، أنهم يجعلون من ”جمع التبرعات“ لمساعدة ضحايا بعض الحوادث، في المغرب، عملا يصرفون له كل وقتهم، وهم بذلك يظهرون بمظهر المنتصرين والمتعاطفين مع الضحايا، ولكنهم في واقع الأمر ليسوا كذلك. فإذا كان السيد الصبار، وهو مسؤول علي قطاع حساس، في ظل الواقع المغربي الراهن، يعتبر أن عشرة ملايير لن تحل مشاكل المغرب، فهل بضعة ألاف من الدولارات، ستكفي لتحل مشاكل الضحايا؟ علما أن هؤلاء لم تصلهم حتي المساعدات القادمة من داخل الوطن، فكيف سنضمن وصولها ”بالدولار“، علما أن بعض أولئك الذين يقومون بجمع التبرعات يتقاضون عمولة -بصورة قانونية- تصل إلي حوالي 30٪ من مجموع الأموال المحصل عليها من تبرعات الكادحين في أمريكا!! أليس المغرب، اليوم، في حاجة إلى أن نرسل إليه أفكارا، وتقنيات معرفية وثقافية، ناجعة لفهم هذا الواقع الغرائبي المهيمن على حياته العامة!؟ أوليس المغرب في حاجة إلي تحويلات فكرية، وليس إلي تحويلات مالية، إذ مهما كانت قيمتها، فهي لن تزيد إلا في تعميق البؤس وتكريس ثقافة الاتكال، اتكال الدولة أولا. هذا إذا نحن سلمنا أن تلك ”التبرعات“ تذهب إلي الضحايا في المغرب، وليس إلى صناع آلات الدمار هناك في الشرق! نحن في هذا الغرب، بحاجة إلى أن نعي سياقنا الذي نوجد فيه، وعلينا أن ندرك جيدا، أن انتعاش بعض الجهات، ذات الخلفية الدينية، ما كان ليزدهر لولا وجود دعم غربي يدرك جيدا ماذا يريد! أعني أن هذا النمط من الوعي البائس هو صناعة جهات تشتغل في الخفاء، ولها مآرب، صرنا نرى نتيجتها، ونعاني من ”سطوتها“ كهوية دينية وعرقية علي السواء! فتعاطفنا مع إخواننا المغاربة، داخل الوطن، لا يعني دائما أن نرسل حفنة من الدولارات، وإنما تعني أن نتحلى باليقظة والوعي اللازمين، وأن نحاول فهم واقعنا المغربي، بالمزيد من العقلانية والواقعية، وأن نعي جيدا أن هناك اختلالات ينبغي أن نساهم في تسليط الضوء عليها. علينا أن نعلم الناس كيف يصطادون، أماالسمك فلن يستفيد منه إلا الذين جمعوه في سلتهم، وماتبقى فلن يصل إلا متعفنا وبلا طعم! هامش: الشَّاطِرُ : هو الشخص الذي أعيا أهله خبثاً ، وقد شَطَرَ يَشطُرُ شَطَارَةً وشَطَرَ أيضاً من باب الظُرف ، (1) والعَيَّارُ ، كَشَدَّادٍ ، وهو الرجل الكثير المجيء والذهاب في الأرض ، وقيل : هو الذكي الكثير التطواف والحركة ، وقال ابن الأعرابي : والعرب تمدحُ بالعياروتذم به ، ويقال : غُلامٌ عيَّارٌ ، نشيط في المعاصي ، وغلام عَيَّارٌ : نشيطٌ في طاعة الله عَزَّ وجَلَّ . وربما سمي الأسد بالعَيَّارِ لتردده ومجيئه وذهابه في طلب الصيد ، وقال أوس بن حجر : لَيثٌ عليه من البَرْدِيِّ هِبْرِيَّةٌ *** كَالمَزْبُراني عَيَّارٌ بِأَوْصَالِ . وقال ابن بَرِّي : أي يذهب بأوصال الرجال إلى أَجَمَتِهِ ، وروى باللام عَيَّالٌ وهو المذكور في موضعه ، وأنشد الجواهري : لَمَّا رأيْتُ أبا عمرو رَزَمْتُ لَهُ *** مني كما رَزَمَ العَيَّارُ في الغُرُفِ (2) وقيل هو الماهر المجتهد وهو من يجرح الثياب ويشطُرُها ليأخذ منها المال ، فهو اللص أو قاطع الطريق .