متعة سينمائية تلك التي نثرها فيلم كوري جنوبي يوم الخميس بقاعة الوزراء بالدورة 14 من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، اجتمع فيها الحب مع البحر مع الموت مع الرغبة في ممارسة الجنس مع تهريب المهاجرين، والتقى فيها إبداع الإخراج مع تماسك السيناريو وقوة الأداء، في فيلم المسابقة الرسمية "ضباب البحر" لشيم سونك-بو. نكتشف في الفيلم قصة قبطان مهووس بمركبه وبحياة البحر، يقرّر نقل مهاجرين غير نظاميين من الأراضي الصينية نحو كوريا الجنوبية من أجل تجاوز ضائقة مالية يعيشها، غير أنه خطأ بسيطاً كلّفه غاليا، فقد توفي كل المهاجرين بعدما تم إدخالهم في غرفة أرضية حصل فيها تسرّب للغاز، ممّا جعله يأمر رجاله بتقطيع الجثت ورميها إلى البحر كي تلتهمها الأسماك، وبالتالي يتم طمس القضية. غير أن بحاراً شاباً في طاقمه، وبعد أن أقنع مهاجرة بالبقاء معه في غرفة الميكانيك بدل أن تنزل مع أصحابها إلى الغرفة الأرضية، أراد أن ينقذ هذه الشاهدة من مقصلة القتل، فالقبطان لم يقبل أن يبقى أي فرد من المهاجرين الهالكين، لتبدأ فصول نزاع بين البحار الشاب وقبطانه، ستتطوّر إلى أحداث أخرى، يكون المركب مسرحاً لها. قصة الحب بين البحار الشاب والمهاجرة أتت كنقطة ضوء في فضاء يبتغي الجنس الفارغ من العواطف، فالبحارة الآخرين يرغبون في أجساد النساء بأي ثمن، حتى ولو كلفهم ذلك حمل السلاح وقتال بعضهم. وباسثتناء مشهد حميمي بين الحبيبين، ظهرت المشاهد الجنسية الأخرى جوفاء لا تُظهر سوى غريزة اللحظة. كما أتت هذه القصة لتقلّل من مساحات الكراهية والمصالح الشخصية في الفيلم، فالبحار الشاب يصرّ على إنقاذ المهاجرة كي يتزوج بها، في وقت تجري فيه بقية الشخصيات نحو أغراضها الشخصية، بدءاً بالقبطان الذي يبتغي إنقاذ مركبه بأي ثمن، والمهاجرون الذين يدوسون على كرامتهم لأجل الوصول إلى الضفة الأخرى، وبقية البحارة المشاركين في جريمة تقطيع الجثت، لا يستثنى منهم سوى بحار عجوز وجد نفسه متأثراً لرحيل مهاجرين بهذه الطريقة. في الفيلم نكتشف قبطانا قاسياً لم تتسلل الابتسامة أبداً إلى شفتيه حتى في مواقف تثير الضحك، هو مثال لبحارة حوّلتهم قساوة حياة البحر إلى رجال بمشاعر جامدة. نكتشف بحاراً شاباً يغلّب القلب على العقل حتى ولو هدّده ذلك بالموت. بين هاذين المثالين المتناقضين، نكتشف حياة البحر الصعبة في كوريا الجنوبية، في ركن من العالم لا ينظر إليه عادة، إلا كمعقل التكنولوجيا الحديثة. رغم أنه أول أفلامه، إلا أن المخرج شيم سونك-بو قدّم عملاً متميزاً يستحق الإشادة، فقد تعامل بكثير من الواقعية وحاول الخروج من بوثقة النظرة التقليدية لبعض السينمائيين الكوريين الذين ينظرون إلى الصين وكوريا الشمالية، كمرتعٍ للجريمة والفساد. ففي هذا الفيلم، نتعرف على طاقم سفينة قد يفعل أي شيء لربح المال، لدرجة أن مهاجراً ينفجر في وجوههم قائلا لهم إنهم يذلونهم أكثر ممّا يفعل الصينيون. اقتُبس الفيلم من مسرحية تعود إلى أحداث حقيقية عرفتها كوريا الجنوبية سنة قبل حوالي 16 سنة، عندما عانت دول شرق آسيا من أزمة اقتصادية خانقة أثرت سلباً على حياة مواطني هذه البلدان لدرجة انتعاش التجارة غير الشرعية في أكثرها تقدماً. حصل الفيلم على تقييم 7,3 على عشرة من موقع IMDB المعروف بتقييم الزوار للأعمال السينمائية، وقد بدأ المشاركة في المهرجانات منذ ثلاثة أشهر فقط، حيث عُرض في أماكن قليلة من العالم ولم يخرج بعد للقاعات السينمائية، كما تم ترشيحه رسمياً ليمثل كوريا الجنوبية في مسابقة الدورة 87 لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، التي سيعلن عن نتيجتها النهائية يوم 22 فبراير 2015.