بعد أن قتلتها الإشاعات لأكثر من مرة، استسلم أخيراً جسد الشحرورة للموت وهي في ربيعها ال 87 من عمرها الذي يختزل مسار فنانة تألقت لعقود طويلة في الغناء والتمثيل، ممّا جعلها إحدى أشهر الممثلات والمطربات العربيات في النصف الثاني من القرن الماضي. رحلت الفنانة صباح في صباح اليوم، إثر وعكة صحية مفاجئة حسب ما أكدته وسائل إعلام لبنانية. جانيت فغالي، ابنة بلدة بدادون اللبنانية، احتلت عناوين الصحف العربية أكثر من مرة، ليس فقط لأنها شاركت في 85 فيلما مصرياً ولبنانيا مع كبار الممثلين، وليس لأنها سجلت 3 آلاف أغنية، وليس حتى لأنها تزوجت رجالاً أصغر منها، بل كذلك لأنها من الفنانات القلائل اللائي كنّ يحملن أربع جنسيات مختلفة، فهي لبنانية ومصرية وأردنية وأمريكية ! صوتها الذي أمتع عشاق الأغنية العربية لا يزال حاضراً في مقاطعها المتداولة بكثرة منذ زمن الفونوغراف ثم الكاسيت إلى الأقراص المدمجة فالتحميل من الانترنت: "زنوبة حلوة" "عاشقة وغلبانة" "ساعات ساعات"، "زي العسل"، "عدى عليا وسلم"، "يا واد يا سكان حينا"، والعشرات من الأغاني الأخرى التي يشدو بها صوت الشحرورة حتى الآن رغم وفاتها. وثق بصوت الراحلة مجموعة من عباقرة الزمن الجميل، منهم عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش اللذان أديا بعض الأغاني معها، والملحنين بليغ حمدي، جمال سلامة، رياض السنباطي. كما أن مغنية من الجيل الجديد، هي رولا، استنجدت بها وبأغنيتها "يانا يانا"، لتحقق نجاحاً باهراً جعل النسخة الحديثة من الأغنية تتداول لأشهر. وقد دفع هذا التألق بكتاب كروبير أبو ديب، إلى أن يخصّص لها كتاباً كاملاً عنونه ب"صباح.. امبراطورية الأغنية العربية"، نشره بداية هذه الألفية. وإن كانت مجموعة من نجوم الغناء في ذلك الزمن انتقلت إلى الفن السابع وشاركت في أفلام ناجحة، فإن مسار صباح في هذا الميدان كان أكثر تميزاً وتألقاً، ليس فقط لعدد الأفلام التي شاركت فيها، ولكن لأنها برهنت عن كفاءة عالية في التمثيل فوق خشبة المسرح، فمسرحياتها التي تتجاوز 27 مسرحية غنائية، قدمت دليلاً على موهبتي صباح في التمثيل والغناء، ومنها "موسم العز"، "دواليب الهوى" الجنون فنون"، "مسرح المارتينيز"، "حلوة كثير" وغيرها. لذلك كان توهّجها في فضاء الفن السابع أمراً منتظراً، فأفلامها في السينما المصرية واللبنانية شاهدة على ذلك منذ منتصف سنوات الأربعينيات، وبالضبط منذ فيلمها "هذا جناه أبي" للمخرج هنري بركات، ثم أفلام "الآنسة ماما"، "شارع الحب"، "القاهرة في الليل"، "الأيدي الناعمة"، "ليلة بكى فيها القمر"، قبل أن يكون فيلمها "أيام اللولو" لوئام الصعيدي، الذي تم إنتاجه منتصف الثمانينيات، واحداً من آخر أعمالها السينمائية. بيدَ أن أزواج صباح التسعة، أو حتى الثلاثة عشر في رواية أخرى، كانوا كذلك من أهم معالم شهرتها، فقد تزوجت في البداية من نجيب شماس، أب ابنها البكر، ثم طلقته لتتزوج رجلاً خليجيا لمدة لم تتجاوز بضعة أشهر، وبعدها تزوجت الموسيقار المصري أنور منسي لأربعة أعوام، كان لها معه ابنتها هويدا، وطلقته لتتزوج الصحفي المصري أحمد فراج الذي قضت معه فترة قصيرة، لتقترن بعده بالممثل المصري رشدي أباظة، وهو الآخر لم تستمر معه سوى لخمسة أشهر. المرأة المِزواجة عادت لتقترن بالفنان يوسف شعبان، رغم أن هذا الأخير نفى الأخبار بعد ذلك بقوله:" أنا الوحيد لي متزوجتهاش"، ثم انتقلت إلى رجل من عالم السياسة، هو النائب البرلماني يوسف حمود، ليكون زواجها بالفنان اللبناني فادي لبنان هو الأطول تقريباً بعدما قضت معه 17 سنة، وهو كذلك طلقته سنة 2002، ومنذ ذلك الحين وإشاعات زواج جديد لها تروج حتى وفاتها صباح اليوم. الأكيد أن رحيل صباح التي تعد ثاني مطربة عربية تغني في مسرح الأولمبيا في باريس، سينهي مسلسل الإشاعات حول زواجها الجديد، لكن في الوقت نفسه، سيفتح جرحاً في أعماق عشاق الأغنية العربية الأصيلة، الذين ودعوا خلال السنوات الأخيرة مجموعة من روادها، كوديع الصافي ووردة الجزائرية، في وقت استعمرت فيه الرداءة الغناء العربي من كل الجوانب، إلا من بعض الأصوات القليلة، التي تحاول جاهدة إنقاذ شرف أغنية من الضياع في شباك إنتاجات سريعة شبيهة ب"الساندويتش".