وتشاء الأقدار أن تسلم شحرورة العرب، السيدة صباح، الروح إلى بارئها، في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء، عن عمر 87 عاما، بعد وعكة صحية مفاجئة، ليسدل الستار على مسيرة فنية لإحدى أيقونات الغناء والتمثيل في العالم العربي، وأكثرهن حضورا على مدى أكثر من ستة عقود. وبرحيل هذه الفنانة الكبيرة تكون شجرة الغناء العربي، التي ذوت منها، في الأعوام القليلة الماضية، أسماء بارزة، من قبيل الفنان وديع الصافي ووردة الجزائرية، قد فقدت واحدة من أبرز المطربات والفنانات، أثرت سجل الأغنية العربية بما يزيد عن 3500 أغنية، من بينها أغاني المهرجانات والأفلام والمسرحيات، وغنت لعمالقة وأساطين التلحين بالعالم العربي ، إضافة إلى مشاركتها في العديد من المهرجانات الدولية حيث وقفت على أشهر المسارح العالمية كدار الأوبرا في سيدني، وقصر الفنون في بلجيكا، وقاعة ألبرت هول بلندن، ومسارح لاس فيغاس. وإذا كان العالم العربي قد فجع قبل سنتين برحيل الأيقونة وردة الجزائرية، فإنه اليوم يودع بتغييب الموت لهذه النجمة اللامعة الشحرورة صباح عملاقة من عمالقة الفن ليس في لبنان فقط، بلدها الأصلي، بل في مجموع الوطن العربي، تاركة تاريخا وإرثا فنيا كبيرا يعج بالأعمال الغنائية والمسرحية والسينمائية، ستظل أعمالها حاضرة يخلدها الزمن موسومة في الذاكرة الفنية العربية والعالمية. عشقت الفنانة العربية الراحلة صباح الغناء منذ نعومة أظفارها، ويمكن القول إنها لم تخلق إلا لتطرب وتلهب بصوتها القوي الدافئ الرنان، ذي النبرة الجبلية الأصيلة، عرفت بإجادتها غناء التراث اللبناني والمواويل، صوت فخم يمتح من معين الأصالة العربية بكل تجلياتها، فنانة ذات شخصية قوية حملت مشعل الغناء العربي لعقود، وشكلت مصدر إلهام للأجيال على مر السنين، بفضل اجتهادها وإبداعاتها وطموحها الذي قادها لأن تصبح أسطورة في عالم الغناء والتمثيل. لقد نحتت الفنانة الراحلة صباح (واسمها الحقيقي جانيت جرجس الفغالي)، من خلال مثابرتها وإصرارها اسمها وهاجا في رقيم الأغنية العربية، وسيحفر التاريخ اسمها على جداره، لتنضاف رمزا متميزا من رموز الفن العربي، بما يزخر به سجلها من العديد من الإنجازات والإبداعات التي جاءت تتويجا لعملها الدؤوب والجاد لتسطر، خلال مشوارها، صفحات لامعة من النجاحات المشرفة في عالم الفن الذي يزخر بالتحديات. ومن أبرز وأشهر أغاني المطربة العربية الراحلة صباح، التي أصدرت ما يربو عن 50 ألبوما غنائيا، أغنيات "عالضيعة" و"يانا يانا" و"يا دلع دلع"، كما شاركت في نشيد "الوطن الأكبر" الذي وضعه موسيقار الأجيال الراحل محمد عبد الوهاب، إلى جانب مجموعة من عمالقة الطرب العربي. وكان للفنانة العربية الكبيرة صباح حضور كبير على مستوى الفن السابع، فقد شاركت في بطولة أكثر من 98 فيلما ، بما في ذلك مجموعة من الأفلام الكوميدية والموسيقية الرائعة والتي لا تمحى من ذاكرة الشاشة العربية، من بينها فيلم "القلب له واحد" أمام الفنان "أنور وجدي" عام 1943، وهو الفيلم الذي منحها اسم صباح ليتوارى اسمها الحقيقي، ثم توالت بطولاتها السينمائية مع نخبة من عمالقة الشاشة العربية وكبار الممثلين (رشدي أباظة وعماد حمدي وحسين رياض وأحمد مظهر ومحمد فوزي وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وغيرهم كثير ... ومن بين الأفلام التي شاركت فيها : "بنت الشرق" (1946)، و"ازاي أنساك ¿" (1956)، و"شارع الحب" (1959)، و"الليالي الدافئة" (1962)، و"ليلة بكى فيها القمر" (1980). وكثيرة هي المحطات التي عرفها المشوار الفني للراحلة صباح، وعديدة هي النشاطات التي شاركت وتألøقت فيها وزادت من نجاحاتها الفنية، لتغذو بذلك الشحرورة "أسطورة" من أساطير الغناء والتمثيل يفتخر بها في لبنان كما في سائر العالم العربي. رحمها الله . *و.م.ع