بعد أن أمتعت الشحرورة الكثيرين بالمشرق العربي كما بمغربه لمدة فاقت 40 سنة، فجأة، ينطفئ هذا الصوت الدافئ اليوم، وهو الذي ألفته الآذان غناء وتمثيلا مع عمالقة الفن الذين شاركوها أو شاركتهم الغناء والتمثيل بالعالم العربي. يودع لبنان " الصبوحة" بعد مسيرة حافلة شغلت فيها الأوساط الفنية، غير آبهة وغير مكثرة بمن يتفق معها أو يختلف ، عاشت حياة فيها مد وجزر ، من قمة النجاح الى شبه إفلاس وعزلة، إلا أنها بقيت صامدة كشجرة الأرز، تمنح البهجة والفرح رغم كل الآلام. كانت الراحلة ضحية كثير من الشائعات، كما اختزنت كثيرا من الأسرار عن عوالم الغناء والفنانين ستدفن معها الى الأبد، وكانت " جانيت جرجس فغالي "، أو صباح حسب مشيئة الملحن المصري الراحل رياض السنباطي، صريحة مع ذاتها ومع محيطها، تمتعت بشهرة شعبية قل نظيرها، تمثيلا وغناء، كما في أسلوب حياتها الذي سيبقى لغزا. قتلت الشائعات صباح مرات، إلا أن نعيها جاء في عتمة الفجر، وسماء لبنان تمطر مياها غزيرة، ليستفيق اللبنانيون على خبر موتها… مصدومين… فينضاف الى سلسلة أوجاع السياسة ، وجع فقدان رموز البلد، وهم بالكاد قد ودعوا وديع الصافي. بوفاة صباح تسقط ورقة أخرى من على شجرة الفن بلبنان، فيتساءل اللبنانيون، ومن بعد ؟ في زمن مضطرب، تأتي فيه أخبار الحزن من كل حدب وصب ، سريعة، ليطلعوا على نعي "نقابة الفنانين المحترفين" وعائلة الصبوحة، بغصة الفقدان ويخبرون بعضهم البعض آسفين …"رحلت الصبوحة يا خيي ". وكما غنت صباح، التي لن ينسى طلتها من كان له حظ مشاهدتها على خشبات المسارح أو عبر الشاشة الصغيرة، لبلدها لبنان ، صدحت لكل العرب "مرسول الحب" و ما أنا إلا بشر" لعميد الأغنية المغربية عبد الوهاب الدكالي ، كنموذج من هذه النوافذ التي كانت الراحلة تطل بها على عشاقها بالوطن العربي . قال عنها الشاعر والأديب اللبناني أنسي الحاج، الذي رحل هو أيضا في فبراير الماضي، بأنها "لم تقبل هزيمة ولا طعنت في حلفها مع الزمن… برهنت دوما أنها على ثقة بنجمها، وخلقت للناس أملا بإمكان العوم بسلامة على موج الوقت…وستظل ضحكتها الشقراء تقول للمستحيل بل أنت ممكن" . ولدت صباح سنة 1927 في وادي شحرور بجبل لبنان. ومنذ 1943، لعبت الصبوحة، التي استقرت لسنوات طويلة في القاهرة وحصلت على الجنسية المصرية، أدوار البطولة في أكثر من 83 فيلم مصري ولبناني، كما شاركت في أكثر من 27 مسرحية. وكان الشغف الأول للراحلة هو الغناء فأطربت الوطن العربي بأكثر من ثلاثة آلاف أغنية، ولم تتوقف عن الشدو إلى حين أقعدها المرض قبل سنوات قليلة. وارتبط اسم صباح بغناء "المواويل" و"الميجانا" و"العتابا" والأغنيات الشعبية، وغنت لكبار الملحنين مثل محمد عبد الوهاب وزكي ناصيف والأخوين رحباني وتوفيق الباشا وبليغ حمدي. وسيسجى جثمان الراحلة يوم الأحد المقبل في كاتدرائية مار جرجس المارونية وسط بيروت، ويوارى الثرى في مسقط رأسها في بدادون.