تحتفظ الذاكرة المغربية بكثير من النقاشات و المعارك الديمقراطية التي ارتبطت بظهير 29 يونيو 1935 المعروف في أوساط العموم بظهير "كل ما من شأنه"، و الذي كان يعاقب على الإخلال بالنظام العام و الأمن. مع بدء حديث مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي بإسم الحكومة، عن تعديل مدونة الصحافة و النشر نبه عدد من المهنيين و المنظمات المهتمة بحرية الرأي و التعبير الى أهمية تجاوز التعابير الفضفاضة في تحديد جرائم الصحافة أو منع الصحف حتى لا يعود البلد الى عهد "كل ما من شأنه".. غير أن الوزير يؤكد خضوع مشروع القانون لمسار تشاوري مع كل المعنيين و خلو المدونة الجديدة من الصيغ الهلامية. فهل استطاع مشروع القانون المتعلق بالصحافة و النشر، رقم 13.88، تجاوز هذه التعابير و صياغة بنوده بلغة القاعدة القانونية العامة و المجردة؟ أم أن "قانون الخلفي" مازال يحتفظ بهوامش التأويل.. قدسية الملك في الباب الأول من مشروع القانون، والمرتبط بالحماية الخاصة لبعض الحقوق تقضي المادة 76 بحجز المطبوعات أو المطبوعات الدورية، وفق احكام المادة 31، إذا تضمنت "إساءة للدين الإسلامي أو الإساءة للاحترام و التوقير الواجبين لشخص الملك و أصحاب السمو الملكي و الأمراء و الأميرات أو التحريض على الوحدة الترابية وفق أحكام الدستور". محمد الساسي، أستاذ القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط، يرى في إطار دراسة أنجزها لفائدة جمعية "عدالة"، أن الحديث عن "الاحترام و التوقير الواجبين للملك.." بهذه الصيغة العامة يعتبر إمتدادا لأثار قدسية الملك التي كان منصوصا عليها في الدساتير السابقة. الساسي اعتبر، قبل خروج المسودة، أنه من المهم حذف آثار تلك القدسية خاصة بعد أن تم إلغاؤها من دستور فاتح يوليوز 2011. محمد الساسي يعتبر أنه من الضروري إلغاء هذه "الجريمة" مع التأكيد على المبدأ القاضي بإلتزام الصحافي بعدم الحط من كرامة الأشخاص و عدم استعمال عبارات جارحة أو شائنة أو نعوت قدحية مهينة للكرامة في حق الجميع. خوف المدافعين عن حرية الرأي و التعبير بالمغرب، ارتباطا بالمادة 76، يتجلى في احتمال استعمال هذه التعابير قصد منع المقالات التي تناقش سياسات المؤسسة الملكية أو منع الكاريكاتير عندما يتعلق الأمر بمستويات و مواضيع معينة. "لقد سبق للملك الراحل أن اعتبر في إحدى خطبه ان الكاريكاتير لا يتوافق مع تقاليدنا، و يظهر أن نظامنا السياسي لم يتخلص من هذه المقاربة بعد" يخلص الساسي في قراءته للموضوع.. نفس الفكرة يتقاسمها رسام الكاريكاتير خالد كدار الذي أشار في مقال رأيه المنشور على هسبريس. كدرا يرى أن الرسم الصحافي أصبح يخلق الجدل في ما ينعتونه بتجاوز الخطوط الحمراء مذكرا ب Demain Magazine ورسم ميزانية البلاط الذي أدى إلى حجز الجريدة ومنعها بصفة نهائية فيما بعد كما ذكر الرسام بالمتابعة القضائية التي تلت رسم كاريكاتيري بمناسبة زفاف الأمير مولاي إسماعيل. دعوة للتدقيق في الفرع الثاني من مشروع قانون الصحافة و النشر، و تحديدا المادة 3، التي تتحدث عن الحالات التي وجب فيها الكشف عن سرية الخبر بمقرر قضائي، يورد المشروع القضايا المتعلقة بالدفاع و أمن الدولة الداخلي و الخارجي، بصيغة عامة، دون تحديد لهذه القضايا و التفصيل في ماهيتها.. مع العلم أن موضوع الدفاع، كان سببا في خلق متاعب قضائية لصحفيين عاملين بأسبوعية "الوطن الآن" فيما مضى. المادة 37، من نفس مشروع القانون، لن تكون بعيدة عن هذا الجدل، خاصة أمام إعطائها الحق لرئيس محكمة مختصة، بناء على ملتمس النيابة العامة قبل البث في الموضوع، أن يوقف على الفور بأمر قضائي إستعجالي الصحيفة الالكترونية، لمدة لا تتجاوز ثلاثين يوما، إذا تعلق الأمر بالإشادة بجرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية أو الإشادة بالإرهاب. المقلق بالنسبة للصحفيين و مدراء النشر المشتغلين على قضايا الإرهاب هو تأويل المحاكم لمفهوم "الإشادة".. تاريخ الشد و الجذب بين الأطراف الماسكة بحبل الصحافة و الإرهاب طويل في العالم بأسره كما في المغرب الذي شهد محاكمة عدد من الصحافيين على قاعدة هذا القانون. قانون منفتح مصطفى الخلفي، وزير الاتصال و الناطق الرسمي باسم الحكومة، يلبي كل الدعوات، تقريبا، لحضور ندوات أو أيام دراسية أو ورشات تفكير حول القانون المقترح.. يظهر الرجل بمظهر الحريص على الإنصات كما يؤكد في كل مناسبة على انفتاحه و رغبته في إدماج كل المقترحات البناءة التي يجود بها المهتمون. في رده على أسئلة هسبريس المرتبطة بالموضوع، قال الوزير إن مشروع قانون الصحافة و صل صيغته الخامسة التي تبنت أكثر من 200 تعديل و أن صيغة سادسة جديدة في طور الإعداد حيث تم إدماج 40 تعديلا جديدا. الخلفي ينفي وجود صيغ فضفاضة في مشروع القانون "فقد أصبحنا نتحدث عن الإساءة في الأعمال الصحفية المرتبطة بالملك و الدين الإسلامي كما يتحدث المشروع عن التحريض في التناول الصحفي المرتبط بالوحدة الترابية" يقول الوزير في دفاعه عن ورشه القانوني. الخلفي أكد، جوابا على سؤال لهسبريس، أنه استقبل عشر مذكرات من بينها أربع مذكرات تقدمت بها النقابة الوطنية للصحافة و ثلاث تقدمت بها فدرالية الناشرين فضلا عن الهيكل الاكاديمي الذي تمت استشارته و بعض المؤسسات الدولية و الجسم الحقوقي ممثلا في مركز "عدالة" بالإضافة الى الهيئات الوطنية كالمجلس الاقتصادي و الاجتماعي و مجلس المنافسة و الهيئة العليا للسمعي البصري و المجلس الوطني لحقوق الانسان الذي نظم ندوة دولية كما طلبت الوزارة الوصية خبرات علمية دولية تبلورت في مذكرة من 18 صفحة. كل هذه المبادرات تبين، حسب وزير الاتصال، رغبة الحكومة في التقدم بالمغرب نحو مصاف الدول المتقدمة في مجال الحريات من خلال تصريف المقتضيات الدستورية على مستوى القوانين و الاستجابة لمطالب المهنيين و الانسجام مع الاتفاقيات الدولية التي تمت المصادقة عليها من طرف البلد.