لم أشته يوما ما الكتابة عن الوضع السياسي المأزوم الذي تعيشه مدينة طنجة، منذ انتخابات يوينيو 2009، ولذلك أسباب كثيرة، لعل أهمها القرف من الظلم والبلطجة والاغتصاب الذي تعرضت له عروس الشمال. وتلك قصة سنحكي بعضا منها في ثنايا هذا المقال. لكن هذا القرف وصل حد الغثيان حينما اطلعت على تصريحات السيد فؤاد عالي الهمة في جريدة أخبار اليوم، عدد 272، حيث قال : إن عبد المولى هو الرجل المناسب في المكان المناسب في الحزب المناسب في الوقت غير المناسب، وأضاف: إن حزب الأصالة والمعاصرة لن يتنازل عن إدارة مدينة طنجة مهما حصل، وإن الدولة اليوم عازمة على التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد ومعاقله. إن حزب الأصالة والمعاصرة بهذا التصريح، يريد أن يقلب الحقائق والوقائع، ويريد أيضا أن يهيء الرأي العام لقبول قراره المسبق بإعادة سيناريو انتخابات 2009، وفرض أحد أعضائه عمدة لطنجة، مهما حصل، ولو كره الجميع. ولنعد قليلا إلى أصل الحكاية.. فالذاكرة لا تمحوها الأباطيل. الجريمة أصل حكاية مدينة طنجة مع البام، كأصل حكاية الوطن الجريح مع هذا الوافد الجديد. ففي يوم من الأيام استفاق خليط من الناس ليسوا كباقي الناس، زعموا لأنفسهم القدرة على تجديد السياسة بعد هرمها، وزرع الأمل بعدما كثر اليأس والميئسون. من بين هؤلاء الناس وزيرسابق بدرجة صديق، تنبه يوما إلى أن السياسة الحقيقية تاتي من تحت لا من فوق، فغادر أبراجه وارتجل فاتحا مبشرا بحزب لا كباقي الأحزاب، حزب يجمع أصوات المقهورين بآلات انتخابية لا تبقي ولا تذر، تمنح مقاعد للمجددين في السياسة آناء الليل وأطراف النهار؛ مجددون لم يحلموا يوما منذ أن انهار مشرعهم الانقلابي، ومنذ أن تحول حلمهم إلى غبار بتعبير عبد القادر الشاوي، لم يحلم هؤلاء يوما بأن يصبحوا زعماء، يعلمون للناس أصول النضال، وقواعد العمل السياسي الذي لم يسبقهم إليه إنس ولا جان. ومن بين هؤلاء الناس من كان يناضل لأجل قلب النظام، فإذا به يجد نفسه في قلب النظام، كان في أقصى اليسار، فاعتدل واستقام، فأصبح يساريا لبراليا، منحه الحزب الجديد، رئاسة ومقعدا وإحاطة فصار يخطب كل وقت وحين، موجها ومربيا ومجددا ومهددا بالويل والثبور لمن لم بفهم بعد أصول السياسة وقواعد الكلام.ومن بين هؤلاء الناس أيضا صدر أعظم، لا يرد له كلام. في سياق هذه الحكابة كانت نكبة الانتخابات البلدية لسنة 2009، حيث أجمع المتتبعون على أن ما حدث فيها من تداعيات لم يسبق لها مثيل. بل إن زعيما سياسيا ورئيسا لحزب شبهها بسنوات الرصاص، فكان جزاؤه أن بعثوا له مصححا لم يكتف بتصحيح الخطأ فحسب بل أزاح المخطأ من الرئاستين. ومن غرائب تلكم الانتخابات أن يعتصم الوزير احتجاجا ويزاح رغم أنف اعتصامه، ومن غرائبها أيضا عزل الوالي لأن المجددين لأمر السياسة اعتبروه معقيا للحرث ومددا للنسل. ومن عجائبها أيضا أن تتحول الأقلية إلى أغلبية، وأن يغلب الواحد العشرات من ذوي الأجسام والعقول، وهو ما وقع في مواطن شتى، ومنها مدينة طنجة. ففي طنجة، وبالرغم من اتفاق أهم الأحزاب الفائزة على إعمال المنهجية الديموقراطية، واختيار العمدة بناء على ذلك، فإن مجددو السياسة رأوا أمرا آخر، رأوا أن من التجديد أن يتولى أمر المدينة شاب يمثل الحزب الوليد، ولو اقتضى الأمر أن يحسم ذلك خارج قواعد التنافس الديموقراطي. فكان الإرهاب والإرعاب، رأيناه رأي العين في أعين رجال خيروا بين الحرب الشاملة أو القبول بالشاب الذي لم يك شيئا مذكورا، وكما عزل الوالي، وخسر الوزير رغم الاعتصام، فرض العمدة بطنجة غصبا وكرها. بل أدهى من ذلك أن اضطر المرشح الوحيد أن ينتخب في ثلاثة أدوار كاملة. قكانت تلك هي الجريمة. سمير عبد المولى الرجل غير المناسب في الحزب غير المناسب قال الهمة إن عبد المولى هو الرجل المناسب في المكان المناسب في الحزب المناسب في الوقت غير المناسب، ولأن البام مميز في تحويل نكباته إلى انتصارات، فإن هذا التصريح لعمري عجب عجاب. فعبد المولى هو الرجل غير المناسب ، ليس كشخص، بل كمسؤول حمل ما لاطاقة له به؛ بل أزعم أنه ورط ورطة قضت على مساره السياسي في المهد. هذا الشاب الذي يشهد له الكثيرون بما فيهم كاتب هذه الأسطر بذكاء لافت، ولطافة ظاهرة، ونقاء يد من المال العام؛ لكنه عديم الخبرة السياسية، غير قادر على المبادرة السياسية تجاه معارضيه، بمن فيهم العدالة والتنمية، الذين أعطوه أكثر من فرصة دون فائدة. وعبد المولى كان في المكان غير المناسب، فعمودية مدينة من حجم مدينة طنجة مكان غير مناسب له بالمرة، خاصة باستحضار الطريق المحفوف بالترهيب والتخويف والاستئساد الذي مارسه حزب الأصالة والمعاصرة على خصومه في أكثر من مدينة ومن بينها مدينة طنجة. وعبد المولى هو أيضا في حزب غير مناسب بالمرة، وكيف لهذا الحزب أن يكون مناسبا، وهو الذي جعل من انتخابات 2009 نكبة للديموقراطية ونكوصا إلى أمثلة متجددة من ماض بائد حسب المغاربة أنهم قطعوا معه إلى غير رجعة، فإذ بهم يجدون أنفسهم أمام قوم لا هم لهم إلا التمكين لأنفسهم بأي ثمن وبأي وسيلة، استقواء بأجهزة وإمكانيات لا طاقة لأحد بها. والبام أيضا هو حزب غير مناسب بالمرة وكيف له أن يكون كذلك وهو يستخدم أسلحة محظورة ديموقراطيا يعلم كل المتتبعين أن استعمالها كفيل بتحقيق الدمار الشامل ليس للسياسة فحسب بل للأمل الذي يزعم هؤلاء المجددون أنهم قادمون لزرعه. هكذا كان كل شيء غير مناسب بالمرة، فكانت الورطة وكان العقاب. العقاب إن السياسة مبنية على المشروعية، ومن لا مشروعية له، فمآله إلى زوال؛ ذلك هو منطق سنن العمران التي لا تحابي أحدا، وذلك هو أساس العقاب الذي سيحل بحزب الأصالة والمعاصرة. فمنذ الوهلة الأولى بدى للجميع أن المجلس الجماعي لمدينة طنجة قنبلة موقوتة. رئيس بدون أغلبية، والهياكل المساعدة للمجلس بيد المعارضة، ورئيس بدون تجربة، وأسوأ من ذلك حزب أجرم في حق الديموقراطية إرهابا وإرعابا للناس، فاستفاق الناس أمام هول الجريمة المقترفة في حق الديموقراطية. فبدأ الاستهجان للإذلال والترويع الذي مارسته الجهات النافذة، وبدأت رقعة الاحتجاج تتسع شيئا فشيئا، واتضح أن الإرهاب والإرعاب إلى زوال، فكان أن شل المجلس، وبدأ أهل طنجة يتندرون طالبين من العمدة الشاب الاستعانة بمن ورطوه من قادة البام بالرباط لضمان الأغلبية، لكن هيهات هيهات. بعد ذلك لم يعد حزب الأصالة والمعاصرة يقدر على شيء، وبدأ نموذجه التجديدي يتهاوى كصنم من ثلج، لفحته شمس الواقع المحرقة، وحطمته ضربات الاحتجاج السياسي المتتالية، فانهار هبل، صنم النموذج الجديد للتدبير السياسي، ونموذج النخبة السياسية الجديدة التي جاءت لتخرج العباد من ضيق الفساد إلى سعة الإصلاح، ومن جور الأحزاب إلى عدل الجرار. واتضح أيضا أن المفهوم الجديد للسياسة كما ينظر له القواعد من اليساريين الذين لا يرجون نضالا ليس إلا إرهابا بنفوذ، وتبشيرا بسراب حداثة بائسة ليس لها من هدف إلا التمكين لحزب أغلبي يستعمل جميع أنواع المنشطات المحرمة سياسيا لفرض هيمنته دون القدرة على إنجاز شيء يذكر. لكن هل استفاد قادة الحزب الحداثي العتيد من خطأهم الأول، أبدا، ومتى كان المسنود بوهم القوة والتجبر والاحتقار، يرى عيوبه وأخطاءه. فقبل الاستقالة كان القرار تسيير مدينة طنجة مها حصل، ومن ذاق مآسي انتخابات 2009 يعرف جيدا دلالة هذا التصريح الذي يفزع ويرعب بل ويحشد جنود الخفاء الذين بدأت تدور آلاتهم الرهيبة لتعيث في الديموقراطية فسادا وإفسادا. فتأمل وانتظر. العمدة المقبل.. الصدر الأعظم يزف الصدر الأصغر لأن العقاب الذي تعرض له البام بمدينة طنجة إفشالا لنموذجه التجديدي، ورفضا لسطوته وجبروته، لم يكن ليروق القادة العظام، فقد أصروا على أن يعاقبوا طنجة مرة ثانية، عقابا ليس كمثله عقاب، أن يسيروا ، كما صرح بذلك الهمة، مدينة طنجة مهما حصل، وهذا يعني يعني أن فتوى الهمة هاته قد فتحت الباب لعقاب جدبد لمدينة طنجة، التي سيرأسها البام مرة أخرى رغم أنف الجميع، ومهما حصل. فانظروا إلى هذه الهمة العالية التي لا تبقي ولا تذر. وهكذا ولأجل إنزال هذا العقاب، أفتى بعض الراسخين في إيجاد المخارج للأصالة والمعاصرة باستقالة العمدة وباقي ممثلي الأصالة في المكتب المسبر، وبذلك يتم إعادة تشكيل أغلبية جديدة برئاسة البام. وبما أنه لم يعد للحزب رمز يدفع به إلى العمادة، فقد أفتى الراسخون في القانون للأصالة والمعاصرة أن يستقبيل أحد نواب العمدة من عضوية المجلس، حتى يتيح لأحد مسؤوليه بجهة الشمال فرصة الظفر بالعمادة. لكن من يكون هذا المنقذ من الظلال؟ المرشح الجديد ليس له من السياسة إلا ما يفيئ به عليه الصدر الأعظم. وليس له من علاقة بمدينة طنجة إلا أنه زارها منذ بضع سنين ليجمع تبرعات لحدث مأساوي أصاب مدينته الأصلية، فوقع في غرام عروس الشمال ليتحول بقدرة القادر المعلوم إلى أحدالوجوه الأساسية في حزب الأصالة والمعاصرة في جهة الشمال. إن ما يخطط له البام بمدينة طنجة هو أسوأ مما اقترفته يداه في الانتخابات الجماعية لسنة 2009، الجرار يريد أن يهين طنجة مرتين، ولأن الإهانة الأولى لم تشف غليله، فهو يريد أن يذل كل أهل طنجة، يريد أن يفرض عليهم رغم أنوفهم عمدة لايطاق. وهكذا سيجد أهل طنجة مدينتهم مرة أخرى تحت رحمة الصدر الأعظم الذي حضر بنفسه ليزف لسياسيي المدينة الصدر الأصغر عمدة لعروس الشمال. إن حالة التذمر الواسعة التي يعبر عنها كل المهتمين بالشأن المحلي لمدينة طنجة، تزيد كل ذي كرامة نفورا من هذه السياسة الني ماتت وساءت حتى صار الكل ينظر بعجب إلى هذا الصدر الأعظم الذي صار يقرر في أمر البلاد والعباد، دون رادع ودون حسيب أو رقيب. بل بلغت جرأته إلى حد استعمال نفوذه للتمكين للصدر الأصغر دون أن يكون لهذا الأخير أي مقوم من مقومات الزعامة، وكأن مدينة طنجة عاقر لم تلد من ابنائها أو من ساكنها، وليس لها إلا هذا الصدر الأصغر الذي لو أوكل لنفسه لما استطاع أن يسير حيا في طنجة بله مدينة من حجم عاصمة الشمال. فاللهم إن هذا منكر. ختاما إن ما يقوم به البام في مدبنة طنجة هو هتك لعرض الديموقراطية المستباحة، منذ أن تسلط عليها أولئك القواعد من اليسار الذين لا يرجون نضالا، وتلكم والله ذلة لا يطيقها من في قلبه مثقال ذرة من رجولة وإيمان. وهي أيضا جريمة سيتلوها عقاب لا شك، فلا دوام لظلم أو طغيان..ودمتم سالمين. * عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية