شهدت الساحة الإعلامية الهولندية نقاشا حادا حول ظاهرة "الدواعش" داخل المجتمع الهولندي، بعد أن نشر عمدة روتردام، ذو الأصول المغربية، أحمد أبو طالب، مقالا في جريدة "Trouw" طالب فيه مسلمي هولندا بأخذ مسافة واضحة من الفكر المتطرف، من أجل تجنب انتقال التوتر الحاصل في سورياوالعراق إلى البلدان الأوروبية . أبو طالب أثار الجدل بتصريحات من قبيل "باسم الله تقطع رؤوس الأبرياء"، و"لا يمكن أن يقبل المسلمون أن تستغل عقيدتهم بهذا الشكل الفاضح"، و"غالبية المسلمين لا تصطف خلف هذا الفكر المتطرف"، في الوقت الذي اعتبر فيه ممثلو بعض الجمعيات الإسلامية أن "أبو طالب" يوزع اتهامات مجانية وغير ضرورية تطال المسلمين في هولندا حول تنظيم "داعش". في هذا الحوار الذي أجرته يومية "De morgen" البلجيكية، يرفع أبو طالب من درجة حرارة النقاش، "تصلني رسائل كثيرة من الجانب الآخر من الوطن، أصحابها يعيشون في قلق يتحول تدريجيا إلى إسلاموفوبيا وعنصرية، وفي المقابل يعتبر المسلمون أنفسهم أنهم حشروا في الزاوية، فما دخلنا نحن مع هؤلاء الجهاديين". طالبت المسلمين بأخذ مسافة واضحة من الفكر المتطرف.. ردة الفعل كانت غاضبة، ألم تصب المزيد من الزيت على النار؟ عندما ترى الآلاف من الشباب يلتحقون بداعش من أجل اغتصاب وقتل أناس أبرياء، أرى أنه من الواجب علي كعمدة ومسلم، الوقوف لضمان أن تكون هولندا آمنة ومطمئنة، لأنه لا أحد سواء من الحكومة أو المجتمع المسلم، كانت له القدرة على أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية لإطلاق مثل هذا النداء. في الأسابيع الأخيرة تلقيت الكثير من الرسائل عبر البريد الإلكتروني لهولنديين يعيشون في حالة من القلق "امرأة تشتكي، كنت على علاقة قوية بجيراني المسلمين امتدت لسنوات، أطفالهم كانوا يلعبون أمام البيت، وأتلقى دعوات متكررة لتناول الطعام، لكن فجأة أصبح يأتي أشخاص بلباس غريب لزيارتهم، أصبحت قلقة، ولم أعد أثق بهم كالسابق". بالنسبة لي هذا مثال خطير لأنني أعرف أن هناك الكثير من الهولنديين الذين يحملون نفس الشعور، إذن لماذا لا أخطو خطوة إلى الأمام، وأقول لجاري الهولندي "داعش" حركة إرهابية، أنا بجانبك، بالنسبة لي هذا علاج جيد ضد القلق. ولكن التوتر بين المسلمين والفئة القلقة مشكلتنا جميعا، إذا كان على المسلمين أخذ مسافة واضحة من الجهاديين، ألا يجب كذلك على الفئة الأخرى أن تأخذ مسافة واضحة من بوش الابن الذي قاد الحرب على العراق، أو خيرت فيلدرز الذي يزيد من جرعة التوتر داخل المجتمع؟ هذا نقاش لن يؤدي إلى أي حل، بالنسبة لي كعمدة روتردام، أريد الأمن والاستقرار ومسؤوليتي تقتضي البحث عن حلول، إذن ليس غريبا أن أطلب من المسلمين المساهمة في إيجاد الحل. والمنطق يقول إن هناك عاهة في المجتمع، والعلاج موجود وحصري في يد المسلمين، بالنسبة لشخص غير مسلم لا يمكن له أن يقدم العلاج. ولكن المغاربة جيران المواطنة الهولندية القلقة، يمكن لهم أن يقدموا لها هذا العلاج. "لتقريب الصورة أكثر أحبذ استعمال هذا المثال: بعض الأشخاص يمرون من أمام منزل يحترق من دون تقديم يد المساعدة، أسمع احدهم يقول "لم نشعل الحريق في المنزل"، لكنني أقول "أنتم غير مسؤولين عن هذا الحريق، ولكن رجاءً اطلب فقط يد المساعدة لإخماد هذا الحريق". ألا يتحمل المسؤولية الأشخاص الذين يربطون العلاقة بين "داعش" والأغلبية المسلمة؟ راية "داعش" السوداء مكتوب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، أينما حللت وارتحلت لا يمكنك الإنكار أنه حاليا، باسم الله تقطع رؤوس الأبرياء، ولا يمكن أن يقبل المسلمون أن تختطف عقيدتهم، وأن تستغل بهذا الشكل الفاضح. يجب على سكان روتردام أن يتحملوا المسؤولية عن العنصرية، ويعالجوا تبعاتها، ولكن هذه ليست أولويتنا الآن، ولكن كصانع للقرار السياسي ستجد نفسك بدون معنى، إن كدّست المشاكل: داعش، التمييز، الاسلاموفوبيا، بطالة الشباب، العنصرية..بدون أن تجد لها حلا. العنصرية، البطالة، مشاكل التعليم، الشعور بالنقص، وكذلك البروباغاندا التي تمارسها داعش من أجل التجنيد، هل لا علاقة لهذه المشاكل مع بعضها البعض؟ لا يمكنني القبول أبدا أن يقول الناس إن هؤلاء الجهاديين ساخطون على المجتمع، لأن أغلبهم عاطل عن العمل، أو لا يتوفر على سكن اجتماعي، ومن غير المنطقي أن يكون لك الحق أن تأيد المجازر فقط لكونك عاطل عن العمل. قلت "للذين ينوون الذهاب للجهاد في سوريا، أنتم لا تستحقون أن تكونوا هولنديين، وأنتم غير مرحب بكم " أين أردت الوصول بهذا الخطاب.. إلى أولئك الأشخاص لتقييم أنفسهم، إنهم جبناء، من جهة لأنهم اختاروا العيش مع الأشرار و المغتصبين والقتلة، لكنهم في المقابل يريدون الحفاظ على موطئ قدم في مجتمعنا، وبالنسبة لي تتعلق هذه المسألة بالمواطنة، لديك حقوق وعليك واجبات، إذا لم يعجبك هذا الأمر ارحل. إذا كنت لا تستطيع أن تتحمل أن الإله ليس له مكان في هذا الفضاء العام، فابحث لك عن مكان حيث دور الإله هو المهيمن، إذا كنت لا تقبل أن الرجال والنساء متساوون، فهذا ليس مكانك، ارحل إلى أفغانستان أو إلى دولة "داعش"، نفس المنطق ينطبق على العنصريين المتطرفين، الى كل شخص عنده أحساس انه خارج حياتنا الاجتماعية، عندي له رسالة واضحة: ارحل. وصفت الجهاديين الهولنديين بالخونة، لأنهم خانوا قيم ومبادئ العالم المتحضر .. هذا اعتقادي، ولتوضيح الصورة أكثر، سأتكلم عن تجربتي الشخصية، وصلت إلى Den Haag سنة 1976، استقبلتني عائلة هولندية، وقدمت لي يد المساعدة، كانت هذه العائلة عضوا في منظمة مسيحية تعنى بشؤون المهاجرين. تابعت دراستي في مدرسة مسيحية، وأتذكر جيدا أستاذي في مادة الرياضيات، السيد Kapitein، والذي استفدت منه الكثير، بعدها انتقلت إلى الجامعة لاستكمال دراستي العليا، والتي أنفقت في الحكومة الهولندية عشرات الآلاف من الأورو. افترض الآن أنه غدا سأذهب للجهاد في سوريا لقتل المسيحيين، واختطاف عمال الإغاثة، إذن سأعتبر نفسي خائنا لكل أولئك الأشخاص الذين استثمروا و وضعوا ثقتهم في شخصي. غالبا ما تدخل في مواجهة مع الشبان المغاربة، كيف تفسر ذلك؟ غالبا ما تكون استفساراتهم واحتياجاتهم هو "متى يمكننا الحصول على نادي اجتماعي؟" جوابي دائما "لماذا تطلبون مني أن القي بأموال في مشروع غير نفعي، فقط من أجل قتل الوقت، لماذا لا تطلبون مثلا مكتبة، أو أي مشروع ينمي ويطور من قدراتكم ". بعدها الاحظ أن هؤلاء الشبان يحملقون في فراغ عدم اليقين. أنظم لهم بانتظام دورات رياضية مع البحرية الهولندية، من أجل تنمية قدراتهم الجسمانية، مثل هذه الدورات تعطي لك الانطباع أنهم أصبحوا رجالا حقيقيين، آنذاك يصبح من السهل الحوار والعمل معهم. أريد منهم الاستثمار في شخصهم واستغلال طاقاتهم من أجل الوصول والرقي في المجتمع، يمكنك أن تكون أفضل وتساعد والديك ، ويمكنك أن تساعد عائلتك ماديا سواء كانت في المغرب أو تركيا، هذا بالنسبة لي هو الجهاد الحقيقي، جهاد النفس.