يعتبر بعض الناس بأن السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني شخص مشبوه وعميل يتلاعب بمشاعر الملايين من العرب والمسلمين من جاكرتا إلى الرباط ويخاطر بأمنهم ومستقبلهم من أجل غرض في نفسه ، ويعتبرون خطبه النارية الحماسية والتهديدات التي يطلقها في وجه إسرائيل بين مناسبة وأخرى ضحكا على الذقون ومسرحية أعد فصولها وأخرجها للشارع العربي علي خامنائي المرشد العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية . حقيقة نستغرب لمن يروجون لمثل هذا الكلام الفارغ المبني على الظنون ومحاكمة النوايا ، مع أن الله تعالى وحده يعلم إن كان حسن نصر الله والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يحملان في قلبهما غلا للذين آمنوا وفي صدرهما حقدا وبغضا لإخوانهم المسلمين السنة ، يدبران لهم المكائد بالليل ويتآمران عليهم مع الأمريكان والصهاينة ، وهو الذي سيحاسب يوم العرض عليه كل امرئ بما نوى وبما انطوت عليه سريرته . نستغرب لمن يعيبون على قيادات حزب الله اللبناني وحركتي المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين ارتماءها كما يقولون في أحضان إيران واعتمادها على دعمها المالي والعسكري في حروبها ومواجهتها مع العدو الصهيوني ، معتبرين ذلك تمكينا لهذه الجمهورية الإسلامية ذات المرجعية الشيعية في الأرض العربية ومساعدة لها على التوسع والتمدد ونشر أيديولوجيتها القومية والمذهبية في العالم العربي ، وأن تنامي النفوذ الإيراني الفارسي في المنطقة يشكل خطرا على العرب والمسلمين السنة . ولا ندري ماذا يريد هؤلاء المنتقدون والحاقدون على هذه الحركات والمنظمات الجهادية ورجالها المقاومون الشرفاء الذين لم يلجؤوا لإيران طلبا لدعمها ومساندتها لها بالمال والعتاد العسكري وبالمواقف السياسية لمواجهة الصهاينة واعتداءاتهم اليومية المتكررة على الأرض والسكان والمقدسات ، إلا بعدما يئسوا من العرب وغسلوا أيديهم منهم ؟ هل يريدونها مثلا أن تراهن على الأنظمة الخليجية التي لم تترك مجالا تافها لتبذير المال العربي المستخلص من عائدات النفط العربي إلا وأنفقته عليه بسخاء منقطع النظير ، أم يريدونها أن ترجو خيرا في شعوب هذه الأقطار الغارقة في ظلمة ليالي الطرب والرقص والغناء وهستيريا الملاعب الرياضية ، والمنغمسة في اللهو واللعب ومتابعة أطوار سباقات تافهة لا نجد لها معنى وتفسيرا كسباقات الهجن التي ظلت لسنوات وعقود طويلة تتهافت عليها العديد من الدويلات والإمارات العربية والسلطنات الخليجية وتتنافس على تنظيمها سنويا والرفع من قيمة جوائزها وعدد المشاركين فيها ، رغم كل الانتقادات الدولية التي وجهت لها والدعوات الملحة لوقفها وإلغائها نهائيا ، نظرا لما فيها من إساءة للإنسان وانتهاك لحقوق الأطفال الذين كان يتم اختطافهم من دول تعاني من الفقر والمجاعة كموريتانيا والسودان وسيرلانكا وبنغلادش وإريتريا وباكستان وغيرها ، وتهريبهم إلى منطقة الخليج وتعريضهم لسوء التغذية والحرمان حتى تصير أوزانهم متلائمة مع هذه السباقات التي تقام على طرق صحراوية تمتد لعشرات الكيلومترات وتستغرق عدة ساعات يقضيها الأطفال في درجات حرارة مرتفعة على ظهور الجمال التي يتجاوز ارتفاعها أضعاف طولهم ، وغالبا ما كانت هذه الجمال تطرحهم أرضا وتدوسهم بأقدامها وينتهي بهم المطاف في حفر ومقابر لا شواهد ولا عنوان لها . وقد أثمرت الحملات التي شنتها المنظمات الحقوقية وانتقادات الجماعات المناهضة للرق والضغوطات الدولية على الأسر الحاكمة بمنطقة الخليج العربي الراعية رسميا لهذه السباقات عن وقف هذه المهزلة وهذا الاستغلال البشع للأطفال ، ووضع حد لاستعبادهم والسمسرة فيهم والمقامرة بحياتهم تحت طائلة المتابعة القضائية في المحاكم الدولية . وتم إرغام هذه الدول وشعوبها وحكامها إن هم أرادوا أن يستمروا في ساديتهم وجنونهم على استبدال الأطفال بالإنسان الآلي الذي صممت شكله ووزنه ووظيفته شركات سويسرية وألمانية لكي تبيعه لهؤلاء التافهين المهووسين بهذا النوع من السباقات في البلدان الخليجية الكسالى العاجزين عن التفكير وتشغيل أدمغتهم والابتكار بملايين الدولارات . ولا أفهم صراحة ما هي المتعة التي يجدها في هذه السباقات ملاك هذه الإبل الذين يعتقدون بأنها تجري فعلا وتتسابق مع بعضها رغبة منها وإصرارا على احتلال إحدى المراتب الأولى ، وأنها متفاعلة مع أجواء السباق . وأضحك حين أستمع لهذا الواصف التلفزيوني لمجريات وأطوار هذه السباقات الذي تكاد رئتاه تنفجر من شدة الحماس والتعليق المتواصل بدون توقف لساعات طوال ، وهو يتكلم عن الأرقام القياسية وعن الثواني وأجزاء المائة التي تتنافس عليها هذه المخلوقات الحيوانية . أضحك حين أسمعه يتغزل ويتحدث عن رشاقة هذه الناقة وذكاءها وخفة ذلك الجمل ووسامته . بينما هذه الإبل المسكينة والجمال تفر في هذه السباقات هاربة من ظلها وتجري على وقع لظى السياط التي تشحط رقابها وأدبارها بشكل آلي دائري على رأس كل خمس ثواني ، ويزيد من هيجانها واندفاعها نحو الأمام هدير محركات السيارات رباعية الدفع المواكبة للسباق من كل جانب ومحركات طائرات الهليكوبتر التي تؤمن التغطية الأمنية والإعلامية من فوق لهذه السباقات التي تنقل على الهواء مباشرة من قبل محطات فضائية منها ما أنشأ خصيصا لمثل هذه السباقات التافهة . على كل حال ، ما يهمنا وما يؤلمنا ويحزننا في هذه السباقات وسباقات أخرى مثلها في التفاهة وعدم الفائدة والجدوى تقام على مدار السنة في أقطار عربية أخرى ، هو حجم الأموال التي تنفق عليها لتنظيمها ونقلها في بث حي عبر الأقمار الصناعية التي يتم حجزها بمبالغ باهظة ، وكمية الوقود والبنزين التي تحرقها وتستهلكها مئات المركبات وعشرات سيارات الكاط كاط التي ترافق هذه السباقات ، وهو ما يكفي لتأمين احتياجات إخواننا الفلسطينيين المحاصرين في غزة من المواد الغذائية والطبية والمواد الحيوية لشهور وسنوات . في الأخير دعوني أطرح عليكم وعلى العر ب جميعا من الخليج إلى المحيط الأسئلة التالية : ألا يمكن لنا أن نؤجل كل أفراحنا واحتفالاتنا ومهرجاناتنا الفنية وكل نشاطاتنا الترفيهية التافهة وكل سباقات الإبل والخيول والحمير والكلاب التي نضيع فيها الكثير من الجهد والوقت والمال وماء الوجه ، حتى يفك الحصار عن إخواننا الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة الذين ينتظرون بكل شوق على أبواب المعابر من يزورهم ومن يطرق بابهم ، متلهفين لما تحمله إليهم قوافل التضامن معهم من مواد غذائية وطبية هم في أمس الحاجة إليها ؟ ألا نستحيي ونخجل من أنفسنا ونحن نشاهد عبر التلفاز هذه القوافل الطبية التي يقودها نشطاء أجانب في حركات حقوقية وإنسانية ، وهذه السفن والأساطيل التركية والأوروبية التي تخاطر بحياة من على متنها بهدف فك الحصار عن الفلسطينيين ، قبل أن تليها مبادرات عربية مماثلة محتشمة ورمزية من باب رفع العتب لا أقل ولا أكثر ، ومن باب أداء فرض الكفاية نيابة عن الجميع؟ فضيحتكم أيها العرب أمام العالم في هذه المأساة الحقيقية التي يعيشها إخوانكم الفلسطينيون في قطاع غزة وعجزكم عن نجدتهم وخذلانكم لهم بجلاجل . . فضيحتكم وأنتم تتفرجون على مقدساتكم الإسلامية كيف تدنسها الخنازير اليهودية ، وعلى أشجار الزيتون المباركة كيف تجرفها الجرافات الصهيونية لتشيد مكانها مستوطنات جديدة يسرح فيها بنو صهيون ويمرحون مع صغارهم ، فضيحة لن يمحوها الزمن وستكتب أحرفها وعناوينها الكبرى الأجيال القادمة بمداد من السخط والعار . [email protected]