تلقيت هذه الرسالة من أحد أصدقاء صفحة الفيسبوك، وهذا جوابي أو بالأحرى رأيي الذي أتقاسمه مع القراء مساهمة في إثراء الرأي والنقاش حول حكومة البيجيدي التي ما لبتت تثير فضول المتتبعين والمواطنين والمواطنات، واستغرابهم يوما بعد يوم. أتذكر بعد ما تولى حزب الاتحاد الاشتراكي رئاسة الحكومة وتدبير عدة قطاعات وزارية سنة 1998 بعد أكثر من ثلاثين سنة من المعارضة، ومنها مرحلة معارضة شرسة للحكم ونظام الحسن الثاني، وبمجرد ما بدأ يتضح عجزه عن الوفاء بوعوده الانتخابية والوفاء لخطابها السابق ثارت ثائرة العديد من مكوناته السياسية والنقابية والجمعوية، مما دفع بعضهم إلى الانتفاض ضد الحزب وتوجيه النقد الشديد لقادته ووزرائه وانتهازييه، مما أدى إلى تجميد العديد من المناضلين لأنشطتهم ونضالاتهم و انسحاب آخرين ومنهم نوبر الأموي وذراعه النقابي CDT بل وانشقاق مجموعات أخرى وتأسيس أحزاب جديدة. ليس هذا ما نتمناه لحزب العدالة والتنمية، على العكس ما نهدف إليه أساسا من نقدنا هو إصلاح الممارسة الحزبية وتوضيح أصل الداء وأخلاق الالتزام في الحياة السياسية، لكن المثير للاستغراب هو كيف يعجز ولو جزء من مناضلي حزب العدالة والتنمية ونقابييه وشبابه عن إبداء ولو مجرد انتقادات لأداء حزبهم الذي أقدم على إجراءات انقلابية وتنكر كليا لوعوده الانتخابية وخطابه، وعفا عن الفساد ويسير في طريق إفلاس عدة قطاعات عمومية وتدمير القدرة الشرائية للمواطنين، والإجهاز عل حقوقهم وفي ظرف قياسي! فلا ديمقراطية ولا جدوى من الانتماء السياسي إن لم يكن يحس جل قياديي ووزراء وانتهازيي الحزب الحاكم على الأقل بالمسؤولية الحزبية ورقابة المنخرطين والقطاعات التي يستمدون منها مشروعيتهم ووصولهم إلى كراسي الوزارات؟ ! من الممكن أن نتفهم علاقة أصدقاء بنكيران بالذراع النقابي للحزب، نظرا للمصالح المتبادلة والتوزيع الداخلي المنصف للكعكة الحزبية، كما قد نتفهم سكوت العديد من برلمانيي الحزب واستغراقهم في الانتشاء بعد ما ذاقوا وبشكل غير منتظر حلاوة أجرة البرلمان المغرية والتفرغ للجماعة والأسرة، لكن من الغريب أن تستمر كل مكونات الحزب والنقابة خاصة من المكاتب الجهوية والإقليمية والمحلية، وأعضاؤه خاصة من رجال ونساء التعليم والصحة والجماعات والطبقات المتوسطة وشبه المتوسطة والفقيرة...في الإشادة بأدائه السياسي الذي أكد جل المتتبعين رداءته وانبطاحه وتنفيذه لأجندة تضر بمصلحة المواطن ولو ادعت العكس. لا أدري إن كان الأمر يتعلق بوعود وطموحات انتخابية على مستوى الجماعات بالنسبة لمن يتولى أسفل التنظيم، أم الأمر مرتبط بنوع من الغباء أو بثقافة الجماعة والخضوع لأولياء الأمر والشيوخ العارفين بشؤون ومصلحة العباد أكثر من العباد أنفسهم؟! ولا شك أن هذا التساؤل يفرض نفسه على جل المتتبعين الصرحاء والفاطنين. فعلا، قد يبدو أن أفضل وصف للحكومة الحالية التي يترأسها حزب العدالة والتنمية هي "حكومة الفشل الوطني"، فبينما من المعلوم أن التسميات والأوصاف المتداولة والتي تثار كثيرا في القاموس السياسي وفي ارتباط بتشكيل الحكومات واستحضارا للأوضاع السياسية والسياقات التي تمر بها الدول هي حكومات الائتلاف الوطني والمصلحة الوطنية والعمل الوطني... وباستحضار شروط وخصوصيات الخطاب والتغيير ومعطيات السياق الذي أوصل حزب العدالة والتنمية إلى رأسة الحكومة في المغرب ، وبعد أكثر من ثلاثة سنوات من أدائها السياسي، يتأكد بما لم يعد يدع مجالا للشك أن أداء هذه الحكومة هو رديء وصادم لكل المتتبعين والمحللين وحتى للعديد من أعضاء الحزب نفسه النزهاء والذين صحوا من وهم خطاب المعارضة ك"البديل الإسلامي وصوت التغيير"، حيث يتأكد يوما بعد يوم أن هذه الحكومة هي فعلا حكومة مثيرة للاستغراب في تاريخ الحياة السياسية في المغرب، باستحضار خطاب الحزب الذي يترأسها ووعوده الانتخابية، ولارتباطها بسياق دقيق ومختلف جدا، هو سياق الحلم بالتغيير ومطلب إسقاط الفساد. حكومة يقودها حزب عارض حراك التغيير المغربي وسخر منه ووصفه بأقدح الأوصاف، واستغله في تصفية حساباته مع خصومه السياسيين وفي تزلفه للقصر، وبعد وصوله إلى الحكومة على صهوة حركة 20 فبراير، فاجأ الجميع وخاصة أطراف في الدولة بقدرته واستعداده الخارق على التنكر لخطابه ووعوده وتنفيذ أجندة لا يمكن وصفها إلا بأنها لا وطنية، ويكفي التوقف عند بعض الممارسات وتجليات الأداء السياسي الآتية للتأكد من ذلك: توكد العديد من الأحداث والممارسات السياسية الأخيرة أن الحزب الحاكم همه الأساس ضمان استمراريته في الحكم واكتساب ثقة دوائر عليا والإشراف على الانتخابات، مقابل تقديم كل التنازلات دون حس سياسي وطني أو أدنى غيرة على الحياة الديمقراطية، بل أكد استعداده لتنفيذ كل اللإجراءات والأجندة التي تضر بشكل مباشر وخطير بمصلحة المواطنين ومستقبل البلاد وتقدم في ذلك بخنوع وتنكر مبهر لكل وعوده الانتخابية وخطاباته المخادعة. وإضافة إلى الأمثلة التي سنوردها لاحقا، يكفي الوقوف عند قرار الحزب هذا الأسبوع، حيث بمجرد ما فهم رئيس الحكومة إشرافه على الانتخابات الجماعية القادمة سحب مقترح قانون تقدم به الحزب من قبل لضمان مراقبة الانتخابات وإشراك منظمات دولية وفق المعايير المعتمدة في هذا الشأن لضمان نزاهتها. فسي بنكيران وحزبه يعتبران نفسيهما كائنين منزهين لا يحتاجان إلى مراقب أو متتبع، وهما لا يأتيهما الباطل من بين يديه ولا من خلفه! وعندما نتوقف بكل موضوعية عند منجزات حكومة العدالة والتنمية المفترى عليها، لا نجد سوى القرارات الأليمة والاوطنية، ومنها الشروع في خوصصة الصحة والتكوين الطبي، وخوصصة مدارس المهندسين، الرفع من سعر المحروقات والماء والكهرباء، ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، توقيف ميزانية الاستثمار، تجميد الأجور والترقيات، توقيف التشغيل، التراجع عن مكتسبات الشغيلة، الاقتطاع من أجر المضربين، التضييق على الحريات، قمع الاحتجاجات السلمية، منع الأساتذة والأستاذات من متابعة التعليم الجامعي، .. ملفات وإجراءات من أخطر التدابير التي لا يمكن أن تقترب منها الحكومات التي تمتلك حسا سياسيا وتدري ما تقوم به إلا بعد ألف حساب وحساب، وبدون صعوبة ولا تردد يذكر تنفذها حكومة البيجيدي بكل تلقائية وتفان وقدرة مضحكة على التبرير الساذج الذي يستغبي المواطنين. ولا شك أن المفاجآت التي تصدر عن حكومة حزب وعد أو بالأحرى خدع المغاربة بالقدرة على التغيير ومحاربة الفساد والاستبداد وتحقيق الرخاء ، وأداءه وانبطاحه السياسي، صدم وأربك حسابات الدولة وأطراف عديدة في الحكم قبل المتتبعين والمواطنين والمواطنات. على المستوى الاقتصادي، يتأكد بكل وضوح أن الحكومة أزمت الوضع، وسببت في تزايد تهريب المواطنين والأثرياء والمستثمرين لأموالهم إلى الخارج، إضافة إلى ما تسببه سياستها من انخفاض معدل النمو وارتفاع نسبة العجز وضرب القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع الأسعار، وفقدان الثقة في الدولة. فالحكومة أزمت أوضاع القطاع العمومي، ورئيسها يقول بكل وضوح أنه حان الوقت لترفع الدولة يدها عن قطاعي التعليم والصحة، أي تفويت الخدمتين الأساسيتين والضروريتين لحياة المجتمع للقطاع الخاص، ووزيرها في التعليم العالي يعتبر الجامعة ليست حقا لأبناء المغاربة، إضافة إلى عملها عتهنهع_-ع_ على خنق التشغيل وتخفيض مناصب التوظيف في كل القطاعات، خاصة في التعليم حيث تأكد عجزها المقصود وغير المسبوق على توفير الأساتذة مما زاد من أزمة المدرسة العمومية التي تعرف أخطر فترات تدهورها في حكومة العدالة والتنمية. حكومة أزمت أكثر وضع الأمازيغية ومكانتها في مسارات الإدماج السابقة والممكنة، حيث استغلت حكومة البيجدي غموض الوضعية الانتقالية وخفوت صوت وموازين المطالبة بالتغيير وانتكاسة دول الجوار، للإجهاز التدريجي على الأمازيغية. رئيس الحكومة يعلي من شأن ملف الأمازيغية الذي اعتبره أكبر من حكومته وأنه بيد جهات عليا، وهذا ضد كل التحاليل وصك الصلاحيات التي علقها البعض على دستور2011، وعكس أداء حكومته التي تقود عملية الإشراف بشكل جدي على مسح بعض الخطوات التي أنجزت في مسار إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين، واللعب على الحبلين في بقية القطاعات أو ترك الحبل على الغارب كليا. فالتقدم في الملف هو من اختصاص دوائر عليا لكن إجراءات التراجع وتأزيم الملف هي من اختصاص حكومة سي بنكيران، وهي فعلا تدابير من الجهات السفلى، تمارسها بكل تفان في مرحلة الغموض والتشكيك والدفع إلى الوراء على آمل التراجع والعودة إلى الصفر ! حكومة تحاول بطرق تضليلية الإجهاز على المدرسة المغربية العمومية، وعلى حضور الأدب والدرس الفني بها، فمقابل مشاريع البكالوريات الدولية وإنشاء المؤسسات والجامعات والمدارس والمعاهد الخصوصية والدولية، التي سترفع من حظوة الفئات الميسورة ومواطني "الليكس"، يتم العمل على تأزيم المدرسة العمومية وتشجيع التعليم الأصيل وإفراغ المناهج من العمق الفكري والإبداعي والمواد الفنية، مما سيرفع من سرعة وصبيب مضخة التمييز وإعادة الإنتاج الاجتماعي، وتهيئ أبناء عامة الشعب لسوق النخاسة الجديدة! وأخيرا وليس آخرا، حكومة وحزب أضاعا عن المغرب والمغاربة فرصة تحول ديموقراطي في سياق التغيير، بل يجتهدان يوما بعد يوم لتبرئة ذمتهما من "تهمة التغيير" تزلفا ووصاية على منخرطيهم وناخبيهم والشعب المغبون. ألا تكفي كل هذه الحجج للقول أنها فعلا حكومة فشل وطني؟ ويبقى من المثير للاستغراب كيف يستمر أعضاء الحزب في الإشادة بأداء حكومتهم؟! لكن الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على ذلك.