ما هي طبيعة المنتج الصحفي الفوتوغرافي بالمغرب؟ وما علاقته بالاحتجاجات والمسيرات والوقفات التي عرفها المجتمع المغربي في العشرية الأخيرة؟ ما هي الوسائل والاستراتيجيات التي أبدعتها الصحف الورقية أو الإلكترونية وأيضا المواقع الاجتماعية في إنتاج الخبر السياسي بلغة بصرية؟ . ما هي أساليب الحجاج والتقنيات المستعملة من طرف كل من الفوتوغرافيين وهيأة التحرير و المسؤولين الفنيين، من أجل إقناع القارئ بأن ما يتلقاه بصريا ينقل بأمانة وبحياد وباحترام لأخلاقيات المهنة تفاصيل يوميات الشارع المغربي وتطوراته؟ في هذا الحوار حاولت هسبريس ملامسة بعض الإشكالات المرتبطة بالفوتوغرافيا السياسية بالمغرب في حوار جمع الجريدة مع جعفر عاقيل، الفوتوغرافي و الاستاذ الباحث في الفوتوغرافيا بالمعهد العالي للإعلام و الاتصال بالرباط. كيف تنظر الى أشكال حضور البورتريه السياسي في الصحافة المغربية؟ يصعب، في تقديري، الحديث عن مجموع الأشكال التي تظهر بها بورتريهات رجالات الساسة في الصحافة. أولا لشساعة الموضوع، وثانيا لتعدد مرجعياته، وثالثا لتجدد أحداثه في الزمان والمكان. لكني أستطيع تقديم ملاحظات عامة عن الكيفية التي تحضر بها هذه التمثيلات وصيغ إخراجها وتوزيعها على رقعة صفحة الجريدة أو المجلة وذلك من أجل إقناعنا أو على الأصح إيهامنا بأنها سند للتواصل ووسيط لتقريبنا من شخصية السياسي وأفكاره وإيقاع حياته اليومية. إلا أن قليلا من التأمل والتمحيص في عناصر هاته البورتريهات والتدقيق في تفاصيلها، يكشف بأن السمة المشتركة ما بين أغلبها هو التحكم والتضليل Manipulation. ومما يعضد هذا الاستنتاج هو الحضور البارز للتأطيرات المضاعفةLes recadrages والاستعمال المتكرر للمفاتيح Légendesالتي توجه القارئ في تأويلاته لتبني مضامين ومحتويات بعينها دون أخرى. ظنا من الفوتوغرافيين والطاقم التحريري أنهم باستعمال هاته الأساليب والآليات يكونون قد بلغوا مستوى متقدم في إنتاج فوتوغرافيا الحدث التي تتمتع بقدرة كبيرة على التأثير في القارئ ثم استدراجه. إلا أن واقع الأشياء، يكشف بأن عملهم هذا يسهم في إنتاج وتوليد بورتريهات جامدة تترك في ذهن القارئ انطباعا أنه أمام أجساد محنطة تفتقد للروح والحياة المطلوبتان في مثل هذه المناسبات. كيف ذلك؟ إنها بورتريهات باردة تعطينا الإحساس والشعور بأنها معزولة عن محيطها الاجتماعي وسياقها التاريخي. بينما، تفرض خصوصية المجال الصحفي إبداع آليات وأشكال جديدة لمنح هذه البورتريهات صفة الحدث السياسي الذي من شأنه مقاومة المنافسة الشرسة لوسائط الاتصال الأخرى من جهة، ومن جهة ثانية الإسهام في كتابة التاريخ السياسي للمغرب المعاصر. أي، العمل على جعل هذه الفوتوغرافيات وثيقة تاريخية تنضاف أو تتقاطع مع الملاحظات والتقارير والخلاصات والنتائج التي انتهت إليها أبحاث المؤرخ أو الباحث الاجتماعي أو غيرهما كل بحسب مرجعياته ومفاهيمه ومنهجيته الخاصة. هل تريد القول أن الفوتوغرافي الصحفي يلعب دوار مكملا إلى جانب المؤرخ في التوثيق للحياة السياسية؟ نعم، لأن وِضْعَة الشخوص المصوَّرة واتجاه نظرها وطريقة لباسها والأكسيسوارات التي تحيط بها وكل العناصر المسهمة في تأثيث الفضاء المصوَّر، تشكل مكونات أساسة لفهم مضامين الصورة ومن ثمة التعرف على جانب من جوانب الحياة السياسية بالمغرب. كما توفر لنا مادة تاريخية دسمة نعقد من خلالها مقارنات مع باقي الحقول المعرفية الأخرى التي تناولت الظاهرة نفسها. ولأن الفوتوغرافيا تملك، بحكم طبيعتها التسجيلية، سلطة تمثيل الأحداث وتوثيقها ومن ثمة تخليدها قبل أن تشوبها شوائب إيديولوجية خطوط تحريرية محتملة. إنها تمكننا من تلمس الحدث في لحظته الأولى ومساعدتنا على إدراكه في خصوصيته وراهنيته. كذلك تمنحنا إمكانات لا متناهية لكتابة التاريخ الاجتماعي وخصوصا التاريخ السياسي الراهن بكل إخفاقاته وانتصاراته، انتكاساته وتطوراته، اهتزازاته واستقراره، إنها ذاكرة متجددة بامتياز. قمت بعملية رصد للفوتوغرافيا الصحفية في علاقتها بالحراك الشعبي، ما هي ملاحظاتك؟ إن الملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها بخصوص هذا الموضوع، هو تقسيم المنتج الصحافي الفوتوغرافي إلى قسمين: الأول، تمثله جل الصحف الحزبية بمختلف أطيافها وألوانها السياسية. ويتميز بالازدواجية في الخطاب. فهي تارة، تحتفي بغضب الشعوب وغليانها مع التركيز في تمثيلاتها الفوتوغرافية على لقطات تبرز الساحات العمومية وهي غاصة بالحشود البشرية. وتارة أخرى، تسلك نهجا فوتوغرافيا يتميز بالبرودة في تصوير هذه الاحتجاجات ويظهر ذلك من خلال استعمال اللقطات المقربة بكثرة وتبئير اللافتات التي تحمل معاني الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، بعيدا عن المطالب السياسية القوية، لإعطاء الانطباع للقارئ أنها حركات احتجاج لمجموعات صغيرة وبدون أي تأثير في سيرورة المجتمع وأن شعاراتها تفتقد لتأطير سياسي أو حزبي. ومن ثمة الحكم عليها بأنها احتجاجات عابرة. وتلك حالة الفوتوغرافيات المرتبطة بوصف حالة الشارع المغربي. ألم يكن هناك توجه فوتوغرافي أكثر موضوعية في تناول الحراك؟ نعم بالطبع بموازاة المقاربة السالفة، نجد هناك توجه ثاني أكثر جرأة وموضوعية في نقل تفاصيل سيرورة هاته الأحداث بعيدا عن الحسابات والمزايدات السياسية الضيقة سواء تعلق الأمر بالحالة المغربية أو بنظيرتها العربية. وتخصص في هذا التوجه عدد هام من منابر"الصحافة المستقلة" بالمغرب بشقيها الورقي والإليكتروني وباللسانين العربي والفرنسي. لقد تميزت هذه المنابر بهامش المساحات المخصصة للفوتوغرافيا على صفحات أعدادها الصادرة خلال كل هذه الفترات التاريخية وبوثيرة وإيقاع مواكبتها للأحداث. ويبقى أهم عنصر يميز إسهامها في نشر هذه المادة الإعلامية وتداولها واستهلاكها، تنوع المادة الفوتوغرافية نفسها سواء من حيث المواضيع المصوَّرة أو الأجناس الفوتوغرافية الموظفة وخاصة طبيعة التأطيرات المستعملة. بل أكثر من ذلك، يمكن اجرائيا الحديث عن خط تحريري خاص باستعمال الصور الفوتوغرافية بهاته المجلات والجرائد. ويتجلى ذلك من خلال التقاطعات التي تجمع بين مجموع الصور المنشورة بأعدادها سواء على مستوى المحتويات أو على مستوى الأشكال. وأيضا الأساليب البلاغية والحجاجية الموظفة من أجل منح الصور وتمتيعها بآليات أكثر إقناعا وتأثيرا في القارئ. كيف يمكن للصورة أن تتمتع بالاقناع؟ من خلال مجمل التأطيرات المستعملة سواء العمودية منها أو الأفقية والتي تخدم فكرة وروح الروبورطاج الفوتوغرافي القائمة على المزج بين تقنيات اللقطة العامة واللقطة البورتريه ثم اللقطة التي تقوم بتبئير عنصر صغير أو جزء منه. فمختلف أنواع اللقطات الثلاث تحضر بشكل منتظم في أعداد الجرائد التي ذكرتها لكن مع حضور بارز للقطة الأفقية العامة. إن هذا الاختيار على مستوى التأطيرات لم يأت، في تقديري، من باب المصادفة، وإنما نابع من رغبة المشرفين على الجانبين التحريري والفني في تقديم مادة فوتوغرافية دسمة لجمهور القراء تتوفر على بعد فرجوي كبير. وهذا ما يفسر من جهة أخرى الانشغال الكبير للعاملين بهذه المنابر بعملية انتقاء صور تستجيب لهذا الأسلوب الفكري والتقني والفني في تزيين وتوضيح Illustration» « المقالات الصحفية. هل يمكن أن نتحدث عن مصور صحفي واع بشكل مسبق بالسياق الذي يعيشه والأحداث التي تعتبر موضوعا لعمله الفوتوغرافي؟ يمكن التمييز في هذا الباب بين أسلوبين: الأول، يعتمد على فكرة الإخراج لحظة بناء الصورة. إن الفعل الفوتوغرافي يخضع في هذا النموذج لتأمل متأن وتفكير مسبق من طرف الفوتوغرافي قبل عملية التقاط الصور كما يستحضر قبل وأثناء الضغط على زر الآلة سيرورة الأحداث الجارية وتطوراتها والسياق العام، المحلي والدولي، لهذه الاحتجاجات. فالمساحات المصورة التي يشيدها، تبنى بطريقة تجعل من قارئها يتلقاها باعتبارها فوتوغرافيات رمزيةSymbolique ، أي تكثف وتختزل كل الأحزان والمسرات، التناقضات والانسجامات، الإخفاقات والانتصارات التي حبلت بها هذه الأحداث في مختلف مراحل مخاضاتها. ويبرز هذا جليا على مستوى محتوى اللقطات التي تصور شخوص في حالات المواجهات الندية مع الأجهزة الأمنية أو العسكرية والتي تعيد إلى أذهاننا مضامين الأيقونات التي أرخت لأحداث ماي 1968 بفرنسا وماي 1989 بالصين والتي أحدثت تحولا هاما ونوعيا في تاريخ الفوتوغرافيا الصحافية وبصمت كذلك الذاكرة الجمعية لأجيال كثيرة. وما طبيعة الأسلوب الثاني؟ الاسلوب الثاني يمكن وسمه بالانخراط الإيجابي للموضوع المصوَّر في عملية مَسْرَحَة الأحداث. ذلك أن صفحات المجلات والجرائد توظف عددا هاما من الفوتوغرافيات التي تكشف عند تأملنا لمحتواها عن رغبة الشخوص المصوَّرة واستعدادها ومشاركتها بل أكثر من ذلك تفاعلها وانخراطها الفعال في بناء مضامين رسائل الفوتوغرافيات وتوليد معانيها. بحيث تنقل لنا مشاهد و وضعيات تفوح بالتناظر والترائي بين الموضوع والفوتوغرافي. فالشخوص الممثلة في هذه التأطيرات واعية بالحضور المادي لوسيط الآلة الفوتوغرافية بل أكثر من ذلك إنها منخرطة كلية في هذه اللعبة كما أن البعد الرمزي للصورة حاضر في ذهنها. لكن في الوقت نفسه، تحاول أن تعطي للمشاهد الانطباع بأن المصادفة هي وحدها التي لعبت الدور الأساس في تجميع كل هذه العناصر والمكونات البصرية في تأطير واحد. والشأن نفسه عند الفوتوغرافي فهو الآخر يحاول أن يقنعنا من خلال الإواليات البصرية المستعملة، أن المادة الفوتوغرافية التي يقدمها لنا هي صور عفوية محكومة بقانون اللقطة الحاسمة وأن ما تروج له هذه الصور هو حقيقة. يمكن القول، سواء تعلق الأمر بالنموذج الأول أو الثاني، بأننا أمام نماذج فوتوغرافية تهتم وتشتغل كثيرا على عنصر الرمزي في تشييد صرحها. فهي تدرك تمام الإدراك، أنها بدون الرمزي الذي يمنحها القدرة على الاستمرارية في الوجود ويسلحها بالأدوات اللازمة لمقاومة النسيان، سيكون مآلها الزوال والموت السريع.