مع اقتراب عيد الأضحى، يجتهد الفلاحون عبر ربوع المملكة في تهيئ الأضاحي وتوفيرها، وحجزها لمدة تتفاوت باختلاف المنطقة وعمر المواشي ومدى قدرة "الكساب" على توفير الأعلاف الكافية لرؤوس الأغنام والأبقار المعدة للبيع بمناسبة عيد الأضحى. وبالمقابل، تظهر خلال هذه الفترة من السنة عدة حالات يصفها الضحايا بالغش والمكر والاحتيال، في حين يصنفها مرتكبوها ضمن الخطط الذكية لتصريف المواشي وبيعها بأثمنة عالية لا تتناسب والقيمة الحقيقية للأضحية. الخروف المهلوس عبد الله، فلاح يمتهن بيع الغنم منذ عشرات السنين، قال إن "الغش في الأضاحي لا يمكن الإحاطة به من كل الجوانب، نظرا لإبداعات المحتالين سنة بعد أخرى"، مضيفا أن هذه العمليات لا تستهدف فقط المواطنين الراغبين في شراء الأضحية، بل إن عددا من بائعي المواشي سقطوا في شباك النصب رغم احتياطاتهم". وأضاف أنه في "إحدى المرات التي ذهب فيها إلى السوق لبيع كبش أملح وأقرن، وفي غمرة انتظار زبون يقدر الجودة، تفاجأ بدخول الكبش في حالة صرع غريب، وسقوطه مغشيا عليه وفي فمه رغوة بيضاء، كعلامة أولية على اقتراب لحظة النفوق. وفي رمشة عين ظهر المنقذ الذي اقترح على صاحبنا مبلغا ماليا زهيدا، بحجة أنه جزار لا يرى مانعا في شرائه على تلك الحالة وذبحه وبيعه للزبناء بالتقسيط، الشيء الذي شجع عبد الله على قبض الثمن وتسليم الخروف المحتضر إلى الجزار المفترض. وبعد مرور أيام عن الحادثة، بلغ عبد الله أنه وقع ضحية لعملية جديدة، يدس فيها المحتال قرصا مهلوسا في فم الكبش لحظة تفقد حالة الأسنان، وبعد دقائق معدودة يتحول الكبش إلى حيوان هستيري، وهو ما يستغله المحتال للقيام بعملية بيع وشراء سريعة. ويقوم الجزار المحتال بتتمة العملية بعيدا عن الأنظار، إذ يسكب في فم الكبش نصف لتر من مشروب غازي، سرعان ما يُبطل مفعول القرص المهلوس ويُعيد الغنيمة إلى حالتها الطبيعية، لينتقل بها بعد ذلك إلى سوق آخر بهدف بيعها بأضعاف ثمن الشراء. الذيل المغشوش بعض بائعي المواشي لجئوا إلى حيلة جديدة مناسبة لأولئك الذين يكشفون عن "السمونية" بتفقد حالة الذيل من جهة المؤخرة، حيث أصبح البائع يضع كمية من "الصابون البلدي" في مؤخرة الخروف قبل إحضاره إلى السوق. هذه الحيلة الغريبة توحي للمشتري عند تحسسه للذيل أن الأضحية قد أكلت من الأعلاف ما جعلها سمينة إلى درجة تشحم الذيل، وهو ما يسهل عملية البيع بدرجات متفاوتة من السرعة والإقناع. الخروف الهوائي مراد شاب حديث العهد بتكوين أسرة صغيرة، ذهب ذات صباح من السنة الماضية إلى السوق لشراء خروف مناسب لأجرته الشهرية ومستواه المعيشي، وبعد طول بحث وجد ضالته التي اعتقد أنها "همزة". لكن بمجرد وصوله إلى منزله، اكتشف وجود حبل ملفوف حول إحدى أرجل الخروف، سارع إلى إزالته فسمع صوت تسرب الهواء وتقلص حجم الأضحية، وكأن الأمر يتعلق بعجلة مملوءة بالهواء. الخروف المائي عملية أخرى يقوم بها البائعون حسب تصريح "المكي" لهسبريس، وهي وضع قطعة كبيرة من الملح الحجري رهن إشارة الخروف قبل موعد البيع، حيث يقوم بلعق كميات مهمة من الملح الذي يتسبب له في العطش الشديد. هذا الوضع يستغله صاحب الكبش لتقديم لترات من الماء، قُبيل أخذه إلى السوق في حالة انتفاخ شديد، الشيء الذي يزيد من ثمن الأضحية باعتبار أنها ضمن المواشي السمينة. الأضحية المدردكة ومن بين الإضافات الهرمونية التي يتم خلطها مع الأعلاف، حبوب "دردك" التي انتشرت بين النساء ووجدت طريقها إلى الحيوانات، حيث تتسبب في زيادة وزن الأضاحي في ظرف وجيز، إضافة إلى الزيادة في الحجم الذي يجذب المشترين الذين لا يفرقون بين الخروف السمين والكبش المُدَرْدَك. الخروف المخمر عبد الرزاق رجل في الخمسينات من عمره، اشترى خروفا مناسبا لعدد أفراد عائلته، ومع مرور الساعات لاحظ تدني صحة الخروف وتقلص حجمه بشكل مثير للاستغراب، وهو ما حذا به إلى أخذ الخروف إلى أحد الأطباء البيطريين، حيث كشف هذا الأخير عن وجود بقايا مادة "الخميرة" في فم الأضحية، ليتأكد عبد الرزاق أنه كان ضحية محتال باعه خروفا "مخمرا" وتحول مع مرور الوقت إلى "فْطير". من المطرح إلى الصالون هسبريس سألت أحد "الكسابة" عما إذا كانت قطعان الأغنام التي تملأ مطارح النفايات في القرى والمدن تصل إلى الأسواق، فأكد متحدثنا أن الأمر طبيعي ولا غبار عليه، إذ من الملاحظ أن هذه القطعان تكون في حالة اتساخ كارثي نتيجة قضائها فترات كبيرة بين الأزبال والنفايات، لكن صاحبها قبيل العيد يُخضعها لعملية معالجة فيما يشبه الحمام الشعبي وصالون الحلاقة. داخل هذا المعمل العجيب، يعمل المحتالون على غسل القطيع بمختلف أنواع المنظفات، ويشذبون الصوف ويحلقونه ويصففونه، حتى يتحول السواد إلى بياض لامع، وتختفي الروائح الكريهة التي اكتسبها القطيع خلال حياته في المطرح. ويلجأ الغشاشون إلى تنظيف أسنان الأضحية بالمعجون والفرشاة حتى تتغير رائحة فمها النتنة، وتصير جاهزة للبيع والتمويه، ولن تظهر عيوبها حتى يتم نحرها وسلخها واكتشاف ما بداخلها من تعفنات وأمراض. الخروف وطبيب الأسنان ومن الضحايا الذين استقت هسبريس تصريحاتهم، خالد الذي اشترى في السنة الماضية خروف العيد من أحد الأسواق، وذلك بعد أن تأكد من أسنانه المعروفة باسم "سنان الحليب"، ولم يكتشف حجم المكيدة التي وقع ضحيتها إلا بعد مرور أسبوع عن عيد الأضحى عندما أراد تناول رأس الخروف. خالد تفاجأ بوجود طقم أسنان شبيه ب "أسنان الحليب" مركب في فم الخروف الذي لا يتوفر على أي سن طبيعي، ليتأكد حينها أنه اشترى كبشا طاعنا في السن، عمل أصحابه على إزالة أسنانه الأمامية وتغييرها بأخرى لخداع المشترين الذين لا يجيدون التمييز بين خروف السنة، "ثني"، "رباعي"، "سداسي" أو "جامع" إلا بالأسنان.