(الجزء 2) " ... فسيكون الأمازيغ سعداء بكتابة لغتهم بالحرف اللاتيني الكوني الذي سيفتح آفاق تطور أرْحَبَ للغتهم." – أحمد عصيد 15-06-2011 (هسبريس) (في نقاش له مع أحد قياديي حزب الاستقلال) هل تَعْلَمون أن هناك 6 لغات تدرَّس حاليا في التعليم الثانوي التأهيلي للطلبة المغاربة وليست الأمازيغية واحدة منها؟ وهذه اللغات هي: العربية، الفرنسية، الإنجليزية، الإسبانية، الألمانية، والإيطالية. وهل تَعْلَمون أن الحرف اللاتيني هو السبب الوحيد الذي يُسَهِّل على الطالب المغربي أن يتعلم مثلا اللغة الألمانية من الصفر في التعليم الثانوي دون أن يكون قد تعلمها في الابتدائي؟ وهل تَعْلَمون أن حرف تيفيناغ هو السبب الرئيسي الذي يمنع إدراج الأمازيغية في التعليم الثانوي الآن ويبرر تأجيل الدولة لذلك لأجل غير مسمى؟ وهل تَعْلَمون أن الدولة دشنت باكالوريات إنجليزية وفرنسية وإسبانية بجانب الباكالوريا العربية؟ أين الأمازيغية من كل هذا؟ أين الباكالوريا الأمازيغية؟ بل كيف ستتنافس الأمازيغية بتيفيناغ (وهي الغائبة تماما عن التعليم الثانوي المغربي) مع هذه الديناصورات الأوروبية المسلحة بالحرف اللاتيني وبالميزانيات الضخمة؟! سوف تنسحق الأمازيغية حتما تحت هذا الطوفان. ولن تساهم سذاجتنا وتعلقنا بالقشور والرمزيات والعاطفيات إلا في تسريع غرق الأمازيغية. لماذا نصر على جعل المغرب مطية طيعة للغات والثقافات الأجنبية، ونستكثر على الأمازيغية أن تتسلح بالحرف اللاتيني الذي يُمَكِّنها من التنافس مع اللغات القوية داخل المغرب على الأقل؟ لماذا نخاف من هذه الحروف الأمازيغية اللاتينية؟ ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKLMNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ رغم أننا نعلم علم اليقين أنها الحروف الوحيدة التي ستنفع الأمازيغية حاليا في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية الصعبة. هل نحن مصابون بمرض Pharmacophobia (الخوف من الدواء) ؟ هل نحن خائفون من الحرف اللاتيني لأننا نعتقد أنه "مجهد علينا بزّاف" ؟ 1) ذريعة "سوء تدبير الدولة" وعلاقتُها بتدريس الأمازيغية بتيفيناغ هناك نغمة ثابتة لدى من يساند تيفيناغ، ويعارض تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني، وهي أن هزالة نتائج تدريس الأمازيغية وبطء انتشار الأمازيغية هي فقط ناتجة عن "تثاقل الدولة" و"مماطلاتها" و"سوء تدبيرها" و"شح ميزانياتها". والجواب على هذه الذريعة هو: وماذا كنتم تتوقعون من الدولة؟! إن تخلف الإدارة المغربية وسوء تدبيرها لمعظم مشاريعها هو من الثوابت Constants التي تسري على كل شيء تلمسه الدولة سواء كان تعليما أم إدارة أم رعاية صحية أم حقوقا إنسانية أم تلفزة أم فريقا وطنيا لكرة القدم. إذن سوء تدبير مشروع "التدريس التجريبي" للأمازيغية من طرف الدولة ليس بالشيء المدهش ولا بالشيء الجديد. فالدولة السعيدة تنتمي إلى نادي الدول المتخلفة واللاديموقراطية ومرتبتها العالمية في التنمية البشرية هي 129. وكل شيء يدار فيها بالبيروقراطية التليفونية و"السلاك" و"تا لمبعد" و"رْجعْ غدّا". وحتى لو انتقل تدريس الأمازيغية إلى الحرف اللاتيني في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي فيستمر سوء التدبير وشح الميزانية وقلة الموارد البشرية. هذا واضح للجميع. الحرف اللاتيني ليس خيارا سحريا. وستكون هناك دائما مشاكل تنظيمية ولوجستية ومالية وبشرية لأن ذلك مرتبط بطبيعة الدولة المغربية وطبيعة الشعب المغربي. كل ما في الأمر هو أن الحرف اللاتيني خيار تقني وبيداغوجي واقتصادي واجتماعي أفضل للأمازيغية من الخيار التيفيناغي، لأن الحرف اللاتيني أكثر انتشارا ونفوذا بين الشباب المغاربة وفي النظام التعليمي المغربي والإدارة المغربية وعلى الإنترنت. ورغم استمرار سوء تدبير الدولة (في كل الأحوال) فتعليم الأمازيغية وتطويرها وانتشارها بالحرف اللاتيني سيكون دائما أسرع وأنجح أضعافا مضاعفة من تعليمها بحرف تيفيناغ. إذا نصحك صديق بشراء سيارة BMW عوض Renault (لأنه يرى بأن BMW أفضل أو أنفع لك من Renault) فهذا لا يعني أن القيادة عبر أزقة وشوارع وطرق المغرب ستكون بالضرورة ممتعة مع BMW أكثر من Renault. فالحفر العميقة والمنعرجات الخطيرة لن تختفي من طرقات المغرب بمجرد شرائك لسيارة BMW المتقدمة. كل ما في الأمر هو أن BMW أحسن من Renault في بعض المجالات مثل خصائص المحرك أو السرعة أو استهلاك الوقود أو جودة قطع الغيار مثلا، مما يسمح لك بتوفير المال أو الوقت على المدى القريب أو البعيد. 2) فلكرة الأمازيغية باستخدام تيفيناغ: خرمز وكوّر وعطي للعور بعد 10 سنوات من بدء استخدام تيفيناغ من طرف الإيركام مازال النشر بتيفيناغ شبه منعدم، مقتصرا على منشورات المعهد ومحاولات فردية قليلة أخرى. أما على الإنترنت فالنتيجة أيضا تقترب من الصفر، باستثناء مجلة إلكترونية مغربية أمازيغية بالحرف اللاتيني وهي مجلة Asirem Amazigh وموقع مغربي أو اثنين ينشران بعض الإبداعات الأمازيغية المغربية بالحرف اللاتيني، وباستثناء جريدة "العالم الأمازيغي" Amaḍal Amaziɣ التي تنشر بعض الإبداعات الأمازيغية بحرف تيفيناغ. الخلاصة هي أن الأمازيغية غائبة تماما عن "الانفجار الإنترنيتي" الذي يشهده المغرب حاليا. معظم الناشطين في ميدان الأمازيغية لا يقرأون ولا يكتبون بتيفيناغ، رغم أن بعضهم يدافع عنه بقوة لأسباب رمزية وعاطفية. ورغم أنهم يعرفون حروف تيفيناغ كحروف معزولة (حرفا حرفا)، إلا أنهم لا يستخدمونها في القراءة والكتابة بشكل واسع النطاق وإنما يكتفون غالبا بتهجي العناوين وببعض الاستخدامات الرمزية الأخرى. ولا يكتبون إلا بالعربية والفرنسية حول موضوع الأمازيغية! لو كان الناشطون يقرأون ويكتبون بتيفيناغ لرأينا نتيجة ذلك في الجرائد والمؤلفات والإنترنت. ولكن لا نرى إلا القحط. لا يوجد أي موقع مغربي مستقل أمازيغي اللغة 100%. ونجد فقط الجزء الأمازيغي التيفيناغي من موقع IRCAM، والنسخة الأمازيغية التيفيناغية من موقع وكالة الأنباء الرسمية MAP والتي لا أعتقد أن الصحافيين المغاربة الناطقين بالأمازيغية يتزاحمون على قراءة قصاصاتها الإخبارية المكتوبة بحرف تيفيناغ! ومن بين مظاهر العبث والفلكرة التيفيناغية وآلاف الأخطاء الإملائية واللغوية البشعة وسوء الاستخدام الذي يستخف بالأمازيغية استخفافا كبيرا سأكتفي بمثال واحد جد بسيط، لتوضيح الفكرة للقارئ: يستخدم حزب "الحركة الشعبية" حرف تيفيناغ في كتابة اسمه الرسمي في مطبوعاته ومقراته ومؤتمراته هكذا: ⴰⵍⵃⴰⵔⴰⴽⴰ ⴰⵛⵛⴰⵄⴱⵉⵢⴰ. وستظن الغالبية الساحقة من المغاربة بحسن نية أن تلك العبارة بتيفيناغ هي ترجمة أمازيغية لعبارة "الحركة الشعبية" بناءً على مظهر تيفيناغ البصري السطحي. ولكن الحقيقة التي لا يعرفها معظم الناس هي أن تلك الكتابة التيفيناغية تقول: Alḥaraka Accaɛbiya. أي أن واضعي هذه اللافتة كتبوا العبارة العربية بحروف تيفيناغ! (بدل ترجمة اسم الحزب إلى الأمازيغية: ⴰⵎⵓⵙⵙⵓ ⴰⵖⴻⵔⴼⴰⵏ أي: Amussu Aɣerfan). وفي المقابل يحرص الحزب على ترجمة اسمه إلى الفرنسية بكل دقة وأمانة: Mouvement Populaire. (انظر مثلا موقع الحزب: alharaka.ma). هذا النوع من سلوك "كوّر وعْطي للعور" منتشر على نطاق واسع وكارثي مع تيفيناغ في الشوارع وعلى شاشة قناة Tamaziɣt ولا ينتبه إليه إلا قليلون ممن يعرفون قراءة تيفيناغ. وبما أن الشعب المغربي المسكين لا يستطيع قراءة تيفيناغ فهو لن ينتبه لما يُكتب به، حتى لو كُتِبَت شتائم بتيفيناغ على الجدران أو كلمات عربية أو روسية بحرف تيفيناغ! وبدل أن تُكتب الأمازيغية بالحرف اللاتيني الذي يقرّب الشعب بها إلى الشأن العام أصبحت تُكتب بتيفيناغ الذي يحجب الشعب عن الشأن العام، ويلعب فقط دور التزيين والديكور. وقد أصبح تيفيناغ وسيلة لكل من هب ودب لكي "يخرمز" به ما يشاء ثم يزعم أنه يكتب الأمازيغية، وهو مطمئن إلى أن الشعب المغربي أمي لا يقرأ تيفيناغ ولن يكتشف ذلك "التخرميز" المُطَلْسَم، ما دام "الحاصول هو المظهر التيفيناغي البصري السطحي" وما دام المضمون شيئا ثانويا لا يهتم به أحد. ومن المؤكد أن هؤلاء المكوِّرين والمخرمِزين لم يكونوا ليستمروا في تكرار وإعادة إنتاج تلك التخرميزات والأخطاء البشعة لو كتبوا الأمازيغية بالحرف اللاتيني الذي يتقنه كل متعلم مغربي، لأن الجمهور المغربي الواسع كان سينتبه حينئذ إلى أية تخرميزة بسرعة فائقة ويفضحها وينبه المخرمِزين إلى الأخطاء اللغوية والترجمية ليصححوها. وهذا ما يفعله المغاربة حين يفضحون ويَسْخَرون وينبهون إلى الأخطاء الإملائية العربية والفرنسية التي ترتكبها الجرائد والتلفزات ومؤسسات الدولة والسياسيون. إنها رقابة مجتمعية تصحيحية طبيعية وصحية تنعدم مع تيفيناغ لانعدام معرفة الناس به. وفاقد الشيء لا يعطيه. فتستمر تلك التخرميزات التيفيناغية وتصبح جزءا شرعيا من المشهد والواقع لا غبار عليها. إذن، حينما نكتب نصا أمازيغيا بحرف لا يعرفه الناس فلن يقرأه أحد ولن يراقبه أحد ولن يصححه أحد. 3) حينما يحول تيفيناغ الأمازيغية إلى لغة "ديال الفْراجة ماشي ديال القراية والفهامة" نلاحظ أن الكثيرين من المدافعين عن الأمازيغية قد يئسوا من أن تلعب اللغة الأمازيغية أي دور اجتماعي أو اقتصادي فعلي وفعال في الوقت الحالي، وأصبحت أقصى توقعاتهم وانتظاراتهم هي أن "يشاهدوا ويتفرجوا" على الأمازيغية بتيفيناغ كمنظر جميل على الجدران والتلفزة والنقود وطوابع البريد وليس أن يقرأوا نصوص الأمازيغية بالحرف اللاتيني كلغة نافعة عملية ذات معنى اجتماعي واقتصادي وتربوي حي ومنتج. إنهم يستمتعون بتيفيناغ كمنظر وكديكور ولا يبذل معظمهم أي مجهود في محاولة القراءة. ويتوقعون أن يأتي السياح الأوروبيون والعرب إلى المغرب وينبهروا بتيفيناغ ويغدقوا عليهم عبارات الإعجاب والإطراء حول هذا الحرف الجديد والجميل والمختلف تماما عن الحروف الأخرى. ويسقط المدافعون عن تيفيناغ في سوء فهم كبير وهم يظنون أن تدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني يعني إبادة تيفيناغ وإلغاءه من المجال العمومي والفني والرمزي والمهرجاني. وربما هذه الفكرة الخاطئة وهذا التخوف من طرفهم هو سر موقفهم الدفاعي المتصلب حول تيفيناغ وإصرارهم على دفن الرأس في الرمال وتجاهل جوهر الموضوع المتعلق بالوضع الحرفي واللغوي الدقيق بالمغرب، وضرورة أن تستغل الأمازيغية نفوذ الحرف اللاتيني في المغرب لتنفذ به إلى المؤسسات وإلى العقول. 4) ضرورة تحويل الأمازيغية إلى "لغة الخبز" و"لغة السياسة" فورا يعامِل الناشطون المدافعون عن الأمازيغية قضيةَ تدريس وكتابةِ الأمازيغية بشكل يوحي كثيرا بأنها يجب أن تُدَرَّسَ لحد ذاتها "باش نديرو بيها التقافة". وهذا هو واحد من أسباب ميل كثير منهم إلى رمزية تيفيناغ على حساب منفعية الحرف اللاتيني. فلو كانوا واعين جيدا بضرورة تحويل الأمازيغية إلى "لغة الخبز" و"لغة السياسة والفكر" فورا (وليس بعد 40 سنة من نشر تيفيناغ) لفطنوا وانتبهوا بسرعة إلى ضرورة كتابة وتدريس ونشر الأمازيغية بالحرف اللاتيني، لأن حرف تيفيناغ لن يساعد الأمازيغية على التحول إلى "لغة الخبز" و"لغة السياسة والإعلام والفكر" الآن، وإنما يؤجل ذلك إلى غاية انتشار حرف تيفيناغ في المجتمع المغربي بعد نصف قرن من الآن. ماذا يعني تحويل الأمازيغية إلى "لغة الخبز"؟ إنه يعني أن يبدأ المواطنون والتجار والشركات في استخدام الأمازيغية بشكل كتابي في الإشهار (الحقيقي، وليس اللافتات الرمزية) وفي المراسلات والإيميلات والتعاملات التجارية والإعلانات المكتوبة، سواء على المستوى الميكرواقتصادي (الدكاكين والتجارة الصغرى) أو الماكرواقتصادي (الشركات الكبرى ومشاريع الدولة والمواقع المغربية الإنترنتية الكبرى). إنه يعني أن "مول الحانوت" والخباز ومدير وكالة السفر و"مول القهوة" و"مول المطعم" سيعلقون لائحة الأثمان بالأمازيغية بالحرف اللاتيني لكي يقرأها كل الزبناء ويفهموها ويعتمدوا عليها. إنه يعني أيضا أن شركات المطبوعات الإشهارية مثلا ستستخدم في كاتالوگاتها الإشهارية الترويجية المطبوعةِ الأمازيغيةَ بالحرف اللاتيني كلغة وظيفية أساسية لجذب الزبناء. أما تحويل الأمازيغية إلى "لغة السياسة والإعلام والفكر" فهو يعني أن يكتب الصحفيون بها من الآن في جرائدهم ومواقعهم (بلهجاتهم الأمازيغية المحلية البسيطة اليومية) ك"لغة إخبارية وظيفية" بالحرف اللاتيني دون انتظار اللغة "الإيركامية التيفيناغية المعيارية الفصحى الخيالية" التي يحلم بها السذج والهواة. الأمازيغية حاليا تلعب فقط دور اللغة الشعرية والنثرية، بجانب الدور الفولكلوري الديكوري المعلوم. تحويل الأمازيغية إلى "لغة السياسة" يعني أن تبدأ الجمعيات المدنية والأحزاب والحركات الاحتجاجية والشبابية في الكتابة بها فعليا ومن الآن بشكل مبدع ومتجدد وقريب من المواطن بلهجته المحلية. أما تلك الكتابات الرمزية التيفيناغية على الجدران واللافتات فهي فلكور مصطنع لا يقرأه أحد، فضلا عن أنها مليئة بالأخطاء الإملائية البشعة التي لا ينتبه إليها معظم الناس أصلا. ولاشك أنكم لاحظتم أن المغاربة الناطقين بالأمازيغية والموجودين في مدن ذات غالبية ناطقة بالأمازيغية يستعملون غالبا العربية والفرنسية فقط في أنشطتهم وتظاهراتهم وشعاراتهم الاحتجاجية. لماذا يُهَمِّش الأمازيغوفونيون لغتهم بأنفسهم وبأيديهم؟ الجواب: لأنهم لا يعرفون كيف يكتبون بحرف تيفيناغ "الرسمي" فيصومون عن الكتابة بالأمازيغية بالحرف اللاتيني لأنه "غير رسمي بالنسبة للأمازيغية" في ذهنيتهم المتأثرة بالخطاب العمومي العامّي الشائع الذي يقول: "الأمازيغية تُكتب بحرف تيفيناغ فقط". وبما أنهم لا يتقنون تيفيناغ فسيُعفون أنفسَهم أتوماتيكيا من الكتابة بالأمازيغية (مطمئنين إلى أن الأمازيغية لها أهلها الذين ينكبون عليها في "المختبرات التيفيناغية" الخيالية). وهكذا يَقنعون بالكتابة بالعربية والفرنسية والدارجة ويصومون عن الأمازيغية. فتغيب الأمازيغية (والتفكير بالأمازيغية) عن عقلياتهم تماما. لقد نجح تحنيط الأمازيغية بتيفيناغ وبأيدي أهلها الناطقين بها نجاحا تاما! الحل هو فك عقدة تيفيناغ التي تمنع الأمازيغية من الانطلاق في الحياة العمومية التجارية والصحفية والسياسية والجمعوية والفنية والشعبية، عبر كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني الذي يقرأه المغاربة بسهولة أكبر والذي يستطيع كل المتعلمين المغاربة أن يكتبوا به ويتفاعلوا معه. 5) عقدة الحرف اللاتيني لدى المغاربة: رسمي للفرنسية وممنوع على الأمازيغية اللغة الفرنسية لغة رسمية للدولة المغربية منذ 1912 وإلى هذه اللحظة. وإنكار هذه الحقيقة يدخل في باب التنكيت والتقشاب. إذن فالحرف اللاتيني الذي يستخدم مع الفرنسية هو حرف رسمي للدولة المغربية، حيث نجده في كل الإدارات والوثائق الرسمية بلا استثناء كالبطاقة الوطنية وجواز السفر وشهادة الازدياد، فضلا عن وجوده في كل وزارات ومؤسسات الدولة ومدارسها وجامعاتها وثكناتها العسكرية ومخافرها البوليسية وحتى على أبواب المراحيض والحمامات الشعبية والحواجز الأمنية والأزقة والشوارع. الحرف اللاتيني موجود في كل مكان وزاوية بالمغرب، ولم نسمع الإسلاميين والعروبيين يوما يصرخون بأن وجود الحرف اللاتيني في كل مؤسسات الدولة الداخلية (التي لا علاقة لها بالسياحة مثلا) مؤامرة كبرى على وحدة البلاد والشعب! بل يحرصون هم أنفسهم كل الحرص على استعمال الحرف اللاتيني في كل أنشطتهم ومشاريعهم وفعالياتهم! فقط حينما نريد كتابة وتطوير ونشر الأمازيغية بالحرف اللاتيني يصرخون "مؤامرة! مؤامرة!". إنها ازدواجية معايير واضحة تنبئ عن نواياهم ومقاصدهم الحقيقية. يندرج الحرف اللاتيني في الثقافة الشعبية للمغاربة (مهما كانت مواقفهم الأيديولوجية تجاه أوروبا وأمريكا) تحت خانة "حوايج ديال النصارى" مثل Papa Noël وخبز Croissant. ويعتبر استخدام الفرنسية وكتابتها بالحرف اللاتيني نوعا من التشبه بالفرنسيين، وهو شيء مرغوب به لدى جزء من المغاربة ومرفوض ومستهجن لدى جزء آخر منهم. ولكن كل المغاربة يفهمون جيدا أن الحرف اللاتيني يسيطر على التعليم العالي والاقتصاد والتكنولوجيا وسوق الوظائف ولذلك يحرصون على تعلمه واستخدامه بكثافة. إذن، الحرف اللاتيني "أجنبي مرغوب وضروري" يربطه المغاربة أوتوماتيكيا بالحداثة ويربطونه أيضا تلقائيا بالفرنسية يُعرَف بها وتُعرف به. حينما تدخل الأمازيغية على الخط وتستخدم الحرف اللاتيني فهي تخلخل هذه النظرة التقليدية للمغاربة تجاه الحرف اللاتيني، وتربك الكثيرين بمختلف أيديولوجياتهم ومصالحهم بمن فيهم الإسلاميون والفرنكوفونيون والعروبيون والدولة. كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني هي في الحقيقة تمزيغ وتوطين ومَغْرَبة لهذا الحرف وإنهاءٌ للمِلكية الزائفة للفرنسية له واحتكارها له داخل المغرب. وهي تعني أيضا تسريع تطور وانتشار الأمازيغية خارج الضوابط والفرامل التي تضعها الدولة والمؤسسات الاجتماعية التقليدية. لهذا يرعب استخدامُ الأمازيغية للحرف اللاتيني الكثيرين، فتصدر عنهم دعوات ل"حماية" الأمازيغية من "شرور" الحرف اللاتيني و"خطره" و"فتنته"، بينما هم مرعوبون من انقلاب التوازنات السياسية والأيديولوجية والجهوية الحالية في المغرب بسبب تحرر الأمازيغية (ومعها الناطقون بها) من القيود التي تعوق انتشارها وتطورها واقتحامها للسياسة والاقتصاد والإعلام من أوسع الأبواب، وما لذلك من أثر جسيم على أصحاب السلطة والمصالح. أما بعض الناشطين الأمازيغيين وهواة تيفيناغ (ومعظمهم لا يقرأونه ولا يستخدمونه أصلا) فهم يرفضون كتابة وتدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني لأسباب مختلفة تماما ومن بينها: - الدافع الهوياتي: التميز من أجل التميز. أي أن تيفيناغ يجسد تميزا شكليا ومظهريا وبصريا عن الحروف الأخرى، أمام عيون الملاحظين المحليين والأجانب (السياح) بصرف النظر عن قدرتهم أو عدم قدرتهم على قراءته. وهذا الدافع الهوياتي معقول ومفهوم ولكنه غير وجيه ولن ينفع الأمازيغية في الظروف الحالية بل سيضرها ويشلها. - الدافع السياسي التكتيكي: حيث يؤمن بعض الناشطين الأمازيغ باستحالة سماح الدولة المغربية بكتابة الأمازيغية رسميا بالحرف اللاتيني (لخطر الأمازيغية على الهيمنة الفرنسية). أو ربما لا يرغبون في معركة جديدة ضد الإسلاميين حول الحرف. وهذا ما دفع العديد من الناشطين إلى تغيير موقفهم من مساندة الحرف اللاتيني إلى مساندة تيفيناغ بعد أن "تم حسم القضية ابتدائيا واستئنافيا" في 2003 حسب اعتقادهم. الشيء المؤكد هو أن الدولة سترضخ للأمر الواقع إذا كان هناك ضغط شعبي وجمعوي وسياسي وإنتاج أمازيغي متزايد بالحرف اللاتيني (على المنوال الجزائري). فالدولة الجزائرية تعاملت بشكل قمعي دموي مع القضية الأمازيغية وقتلت مئات القبايليين بالرصاص في الشوارع، بينما الدولة المغربية "حمل وديع" بالمقارنة مع ذلك. ومع ذلك فهاهي الدولة الجزائرية اليوم تطبع رغما عن أنفها الكتب المدرسية الأمازيغية بالحرف اللاتيني وتوزعها مجانا على التلاميذ، وتُدَرِّس الأمازيغية في الابتدائيات والإعداديات والثانويات والجامعات الجزائرية بالحرف اللاتيني. وهاهو الHCA (المقابل الجزائري لIRCAM) مستمر ومُصِرٌّ على استخدام الحرف اللاتيني في كل قواميسه ومطبوعاته الأمازيغية رغم أنه منظمة حكومية جزائرية. - السلوك الانعزالي عن الجزائر: يتصرف الكثير من الناشطين الأمازيغ في المغرب وكأنه لا وجود لشيء اسمه "الجزائر". حيث يتجاهلون (وربما لا يعرفون) كيف تدرس الأمازيغية بالجزائر. وربما يرى بعضهم أن قدر الأمازيغية المحتوم هو الانقسام بين "أمازيغية مغربية بتيفيناغ" و"أمازيغية جزائرية بالحرف اللاتيني". وقد يظن بعضهم أن الجزائريين سيتبنون تيفيناغ في المستقبل، بينما لو أراد القبايليون ذلك لفعلوه منذ 1995، فالدولة الجزائرية هي أيضا جد متضايقة من الحرف اللاتيني حينما يستخدم في الأمازيغية وسترحب بكتابة الأمازيغية بتيفيناغ أو بالحرف العربي لأنها تعرف أن ذلك سيحنط الأمازيغية ويشلها ويقلل من خطورتها على أصحاب السلطة. كما أن انتقال الجزائر إلى كتابة وتدريس الأمازيغية بتيفيناغ فقط في المستقبل هو أمر جد مستبعد نظرا للإصرار القبايلي الفولاذي على كتابة وتدريس الأمازيغية بالحرف اللاتيني. والقبايلون هم صلب النشاط الأمازيغي الجزائري، بينما المناطق الأخرى أضعف وأصغر ديموغرافيا. ولا أريد أن أتجاهل ليبيا التي يفضل كثير من الناشطين فيها حرف تيفيناغ كما لاحظنا مؤخرا، وتدرس الأمازيغية في بعض مدارسها للأطفال على النمط الإيركامي المغربي بتيفيناغ من طرف بعض المتطوعين، ولكن وزن ليبيا الديموغرافي ضئيل وإنتاجها باللغة الأمازيغية أكثر ضآلة، كما أن الأمازيغية لم يُعترَف بها هناك بعد. ولا يجب إغفال مالي والنيجر اللتين تُدرّسان الأمازيغية الطوارقية بالحرف اللاتيني وليس بتيفيناغ. 6) الأمازيغية وسيلة للدمقرطة والتنمية وليست غاية للكمنجة والتسلية مشكلة الكثيرين من ناشطي الأمازيغية بالمغرب هي أنهم لا يستوعبون أن تدريس ونشر الأمازيغية على أوسع نطاق ليس فقط هدفا في حد ذاته، وإنما هو أيضا قاطرة للتنمية والدمقرطة والرقي الاجتماعي عبر استخدامها كوسيلة فعالة للتواصل والتجارة والإعلام والعمل السياسي وتغيير العقليات وتثويرها انطلاقا من الآن وليس بعد نصف قرن. وكل إعاقة أو تأجيل لنشر الأمازيغية هي إعاقة وتأجيل للدمقرطة والتنمية والتطوير والتثوير. يتسبب ناشطو الأمازيغية المعارضون للحرف اللاتيني في دفن الأمازيغية (من دون قصد) في الرمزيات والعاطفيات والديكوريات حينما يدافعون بشكل أعمى عن استخدام تيفيناغ، فقط من أجل تيفيناغ، دون اكتراث بالظروف على الأرض والمعطيات الديموغرافية والاستراتيجية، وبدون الانتباه إلى الدور التنموي والسياسي الذي ينتظر الأمازيغية. تيفيناغ يعوق ويمنع الأمازيغية من لعب هذا الدور التنموي والسياسي على الأرض ويسجنها في زجاجة بلورية من الفولكلور والزينة، بينما تنفرد الفرنسية (والنخب الفرنكوفونية) بالدور السوسيو-اقتصادي الرئيسي الرائد وتتبعها العربية والدارجة في دور ثانوي مساعد. أما "المتواضعون" الذين يقولون كلاما من قبيل: "الأمازيغية ليست مطالَبة بلعب دور إعلامي اقتصادي سياسي حاليا! وكل ما نريده هو تدريسها بحرف تيفيناغ ولو تطلب الأمر 100 سنة!" و"نحن لسنا في عجلة من أمرنا!"... هؤلاء ينتمون إلى نمط تفكير أقرب إلى فكر الدراويش القنوعين الزاهدين في الدنيا. وهم مستسلمون لهيمنة الفرنسية والعربية والدارجة ويعاملون الأمازيغية كحروف مقدسة بصرية جدارية تملأ العين والقلب وليس كلغة مكتوبة حية ونافعة تملأ الفكر والعقل. 7) خلاصات جوهرية: - الثانويات المغربية تُدَرِّس 6 لغات ليست الأمازيغية واحدة منها. - المغرب يُمْعِن في العناية باللغات الأجنبية عبر الباكالوريات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية بينما ناشطو الأمازيغية يُمْعِنون في النضال من أجل الشكليات التيفيناغية. - الحرف اللاتيني رسمي فعليا في المغرب لأن الفرنسية التي تكتب به هي لغة رسمية للدولة المغربية على أرض الواقع. - حرمان الأمازيغية من الاستفادة من الحرف اللاتيني يعني: حلال على الفرنسية حرام على الأمازيغية! - الدولة المغربية والشعب المغربي يستعملون الحرف اللاتيني ليل نهار دون أن "يشتكي" أحد من ذلك. - الأمازيغية تحتاج حاليا إلى "المنشطات اللاتينية" وليس إلى "المسكنات التيفيناغية". - الأمازيغية ستلعب دورا اقتصاديا وتعليميا قويا وبارزا في المدى القصير بالحرف اللاتيني وليس بتيفيناغ. - بدون كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني ستستمر الفرنسية في احتكار الأدوار الأساسية في المشاريع الكبرى للتنمية الاقتصادية والتعليمية والتقدم الاجتماعي بالمغرب، بينما ستسند للأمازيغية أدوار التنشيط الفلكلوري والمهرجانات بتيفيناغ. - لابد من أن تتحول الأمازيغية إلى لغة الخبز والتجارة والصحافة والسياسة من الآن، والحرف اللاتيني هو أقصر طريق لتحقيق هذا الهدف. [email protected]