حرص المحتل الصليبي العلماني منذ بداية تدخله في شؤون المغرب على إلغاء الشريعة الإسلامية من ساحة الحكم؛ وتزييف الحقائق؛ وخلخلة المفاهيم؛ وقطع الوشيجة التي تربط بين الحكام والعلماء وباقي أفراد الشعب؛ ولم يغادر جنوده أرض بلدنا حتى اطمأن ساستهم على ضمان استمرار مصالحهم السياسية والاقتصادية والثقافية. وبعد رحيل المحتل أخذ الراية بعده جيل من المستغربين رباهم الاحتلال على عينه؛ لم يبدلوا أي جهد في إعادة هذا البلد إلى أصوله وثوابته؛ بل على العكس من ذلك استمروا في إقرار القوانين الغربية بدل الشريعة الإسلامية وعملوا بعد تمكنهم من مراكز السيادة والقرار على جر بلدنا إلى الانخراط في سلك القيم الغربية والنظم العلمانية، حتى صار مستنسخو الفكر من بني جلدتنا يعتبرون شرائع الإسلام مخالفة للعقل والمنطق. لكن هذا الفكر كان محصورا في الفئة التي يدعمها الاحتلال ويحميها؛ وقد أنكر العلماء بحكم واجبهم الشرعي والوطني هذا الوضع؛ وشنعوا على أصحاب هذا الفكر؛ ومن هذا القبيل ما كانت تتقدم به رابطة علماء المغرب -منذ تأسيسها سنة 1960م على يد العلامة عبد الله كنون- من مطالب شرعية ترمي إلى إصلاح الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والقيمي. ونخرج هذه المطالب من توصيات عشر مؤتمراتها الأولى (1960م-1987م) كما في كتاب "مواقف وآراء رابطة العلماء من التأسيس 1960 إلى المؤتمر العاشر 1987"، وهي مطالب تكرر غالبها في المؤتمرات العشر وذلك لوحدة هذه المطالب المبنية على أحكام شرع الله، وأهمها: - معارضة كل مادة في الدستور والتشريع تخالف الروح الإسلامية نصا ومفهوما، والسعي لجعل القضاء أو التشريع في المغرب خاضعين ومستمدين من القواعد والأصول الإسلامية. - تجديد القيم الإسلامية بإحياء السنة وإماتة البدعة ومحاربة اللادينية والإلحاد والزندقة والانحلال الخلقي والاجتماعي. - سن عقوبات زجرية وفق التشريع الإسلامي لكل مسلم صبأ عن دين الإسلام أو انتهك حرماته، والقيام بالحملات لمواجهة التنصير والتشيع وكل المذاهب الفاسدة والهدامة. - إسناد الوظائف والمسؤوليات للأكفاء والمؤهلين ممن لهم غيرة على الدين والوطن. - فرض رقابة صارمة على برامج الإذاعة والتلفزة وحذف ما يخدش الكرامة والحياء منها. - عدم السماح بإقامة الحفلات الفولكلورية في الحفلات الرسمية للدولة جلبا للسياح على حساب أعراض المواطنين، بتقديم الخمور فيها، ورقص النساء.. - منع فظاعة التجاهر بتناول الخمور وبيعها وإلغاء مكسبها، وتطهير الاقتصاد المغربي من المتاجرة فيها ومنع رخص محلات شربها وبيعها ورخص إيرادها وتصديرها. - إحداث هيئة عليا تخول حق مراقبة المظاهر المؤلمة التي تخالف تعاليم الإسلام كالاختلاط في المسابح والحفلات الراقصة وتبرج النساء وإبداء مفاتنهن في الشوارع والمنتديات العامة. - إحداث شرطة لحراسة الأخلاق وحماية الآداب الإسلامية. - يستنكر المؤتمر إقامة الحفلات على النحو الذي نراه عليه اليوم لما فيه من انتهاك لحرمة الدين والتحدي لشعور المسلمين وتبذير أموال الأمة فيما يعود على كيانها بالخراب. - يستنكر المؤتمر استخدام المسلمات في المقاهي والفنادق والحمامات لاستجلاب الزبناء والترفيه على السياح. - يستنكر المؤتمر شيوع الزنى والانحلال الخلقي ويطالب بوضع حد لذلك بجميع الوسائل الممكنة، كما يندد بأولئك الذين يطاردون النساء في الشوارع. - يستنكر المؤتمر انتشار مراكز القمار وموائده والتسهيلات الممنوحة لأصحابها وتبني الدولة لفكرة إقامتها استجلابا للسياح المقامرين، ويطالب الدولة بمنع ذلك منعا كليا. - يستنكر المؤتمر استنكارا كليا الحالة المخجلة التي عليها الشواطئ المغربية. - وضع حد للتبرج والاستهتار وإلزام النساء والفتيات بعدم ارتداء الملابس الفاضحة التي يستنكرها الشرع الإسلامي. - القضاء على الرشوة ووسائلها، وسن قانون صارم للحد من تفاحش هذا الداء الوبيل، وإحياء نظام الحسبة. - السعي لحماية التعليم الإسلامي والعربي في جميع مراحله، والاعتناء بالناحية الأخلاقية والدينية في المدارس، حتى نضمن تكوين التلميذ الصالح النافع. - التفريق بين الجنسين في المدارس والإدارات وإلزام الموظفات المسلمات بزي محتشم تجنبا للإثارة ومحافظة على الكرامة. - حماية الأخلاق العامة في الصحافة الوطنية بعدم نشر الصور المكشوفة والقصص الفاجرة والترويج لمظاهر الانحراف والدعاية لمثل هذه المظاهر. - وجوب فضح الصحافة الموجهة التي تحاول إخفاء الحقيقة وتعطي تفسيرات وتقييمات لا تعكس في شيء من هويتنا ورؤيتنا باعتبارنا شعبا مسلما متمسكا بعقيدته. - المطالبة بتطبيق قانون تعريب الإدارة المغربية، وتعريب التعليم. - إلغاء جميع المعاملات الربوية بكافة أنواعها المتمثلة في المعاملات البنكية واقتراضات الموظفين والمعاملات الحرة.. - تمكين العلماء من القيام بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. - منع تحديد النسل وعملية الإجهاض وترك قضيتهما خاضعتين لحكم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. - أن تكون الحرية التي تطالب بها المرأة غير مناقضة لتعاليم الإسلام وتشريعاته السامية. - مصادرة المؤلفات الداعية إلى الإلحاد سواء في ذلك ما ألف في الداخل أو ما تم استيراده من الخارج، وكذا المجلات والنشرات والأشرطة السينمائية. - منع زراعة الحشيش وتداوله والضرب على أيدي مروجيه. إن الناظر إلى هذه المطالب التي تكرر أغلبها على مدار 28 سنة -عمر الرابطة زمن أمانة العلامة عبد الله كنون- يجد أنها نفس المطالب التي لا زال أهل العلم والغيرة على الدين والقيم والأخلاق في المغرب ينادون بها، ويرفعونها في وجه التغريب والعلمنة التي يتعرض لها المغرب على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والقيمي. فليست مطالب الإصلاح وافدة من الشرق أو مستوردة من خارج منظومتنا القيمية، أو مخالفة لثوابتنا كما يدعي العلمانيون، بل المطالب التي نادى بها العلماء بالأمس هي نفسها التي ينادي بها العلماء والغيورون اليوم؛ ثم إن هذه المطالب لا تتقادم ولا تتغير ولا تتبدل؛ لأنها مستمدة من الوحي من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. [email protected]