يجمع الخاص و العام على الدور الاستراتيجي الذي تلعبه الجالية المغربية بالخارج، و الملاحظ أن هذا الدور عرف تطورا تاريخيا جديرا بالدراسة و التحليل فجالية الثلاثينات و الأربعينيات كانت جالية تحرير اوربا من الفاشية و النازية التي غزت معظم التراب الأوربي فلا يستطيع أي منكر أن ينكر الدور المحوري الذي لعبه الجنود المغاربة في تحرير فرنسا على الخصوص، ثم جاءت جالية الستينات و السبعينات التي كانت سمتها الأساسية هي الاشتغال في المهن التقليدية كالبناء و الفلاحة على الخصوص ليكون في رقبة اوربا أن إعادة بناءها كان بسواعد المغاربة و غيرهم من مواطني دول المستعمرات السابقة. السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي ستعرف اوربا موجة كبيرة من الهجرة لنوع اخر من المهاجرين ، كانوا هم الطلبة الذين هاجروا لاستكمال دراساتهم العليا في معظم جامعات العالم مع ما تبع ذلك من تحول سوسيولوجي في بنية المهاجرين و نوعيتهم و احتياجاتهم. غير ان ما طبع هذه المرحلة هو ولوج جزء من أبناء الجيل الاول لمراكز و مناصب غير التي اشتغلوا بها آبائهم حتى وصل الامر اليوم الى وجود نخبة من خيرة الاطر المغربية في مختلف مستويات القرار في دول المهجر. هذا التحول الجدري و الثوري في بنية و تشكيلة و اهتمامات الاجيال الجديدة من ابناء المغرب في بلاد المهجر ولدت احتياجات و مشاكل و انشغالات غير تلك التقليدية و التي كانت ذات طبيعة تقليدية من وثائق و احتياجات فأبناء الجالية اليوم هم مثقفون و مفكرون و فنانون و صناع قرار ، بالإضافة الى كون الدوافع الاساسية للهجرة لم تعد تلك المرتبطة بالهروب من الفقر و البطالة بالمغرب الى حيث العمل و الاجر الجيد. اليوم هناك موجات من الهجرة مرتبطة بانتقال الرأسمال المادي و الفكري و غيره. إذا نحن أمام قضايا و انشغالات تستلزم مقاربات جديدة و إبداع في القراءة و الحلول. و مغاربة العالم اليوم أصبحوا اكثر تأثيرا في القرار المحلي مما ولد أسئلة كبرى من قبيل صفة و كفاءة المؤسسات الممثلة لهم، و كذا حدود مشاركة أبناء الجالية المغربية في صنع القرار والمشاركة المؤسساتية خصوصا السياسية منها و التي أصبحت محل جدال كبير. واحدة من المؤسسات التي أوكل إليها المشرع المغربي تدبير شؤون الجالية هو مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى جانب الوزارة المنتدبة المكلفة بالجالية و مؤسسة الحسن الثاني للجالية دون أن ننسى مئات الجمعيات المنتشرة في بقاع العالم و المهتمة بقضايا الجالية. اليوم الوطني للاحتفال بالجالية عرف تدخلا من بعض أفراد الجالية محتجين عما يروه وجهة نظر مفادها الدفاع عن المشاركة السياسية للجالية في اتهام لمجلس الجالية في شخص أمينها العام كون وجهة نظر مجلس الجالية المغربية المقيمة غير متحمس للمشاركة السياسية للجالية . و الناظر للأمور بمنظار التحر و البحث و بالعودة الى الظهير المحدث لمجلس الجالية ، يرى في ديباجة الظهير الملكي رقم 1.07.08 بتاريخ 21 دجنبر 2007 أن مجلس الجالية هو مؤسسة استشارية الى جانب الملك. وباعتبار مجلس الجالية المغربية بالخارج مؤسسة استشارية تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي، فإن مهمته تتمثل في ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد. وبالمقابل فإن مجلس الجالية المغربية بالخارج مكلف بالاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين المغاربة. من المهام الأساسية للمجلس مهمة إبداء الرأي حول المشاريع الأولية للنصوص التشريعية أو التنظيمية التي يتعلق موضوعها بشؤون الهجرة والقضايا التي تهم المغاربة المقيمين بالخارج؛ التوجهات الرئيسة للسياسات العمومية الكفيلة بضمان حفاظ المغاربة المقيمين بالخارج على روابط متينة مع هويتهم المغربية وخاصة في ما يتعلق بتعليم اللغات والتربية الدينية والنشاط الثقافي؛ و كذا يتحدث الظهير الملكي المحدث لمجلس الجالية عن دور المجلس في لفت انتباه الجهاز التنفيذي للإجراءات الرامية إلى ضمان الحقوق والحفاظ على مصالح المغاربة المقيمين بالخارج، خاصة من يوجد منهم في وضعية صعبة أو هشة مع توفير المشورة فيما يخص الوسائل الهادفة إلى حث المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج على المشاركة في المؤسسات ومختلف قطاعات الحياة على المستوى الوطني وتدعيم الأنشطة المنجزة لصالحهم. كما يشير الظهير الى اشتغال المجلس على وسائل تكثيف مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في تنمية قدرات بلدهم الأصل وفي مجهود التنمية البشرية المستدامة وتحديث المجتمع من هنا يمكن الحديث عن "ماكرومهام" لمجلس الجالية بمعنى أن قضية المشاركة السياسية للجالية قضية فيها بعدين أساسيين، البعد الاول هو بعد الاستشارة و هذا من صميم مهام مجلس الجالية و هو ملزم بهذا الاعتبار ان تكون رؤيته واضحة مبنية على استجماع اراء الجالية اولا ثم رأي الخبراء و الاكادميين و استقراء انعكاسات المشاركة سواء هنا او ببلاد الاقامة بالنسبة للفاعلين المقبلين على المشاركة فلابد من ايجاد أجوبة لمبدأ هل المهاجر مطالب بولاى للوطن ام بولاء لحزب ما ، فلو افترضنا أن فاعلا ما له ولاء لحزب فلاني بالمغرب و يشتغل و يمثل مؤسساته و له في نفس الان ولاء حزبي في بلد الاقامة لحزب اخر و حدث ماهو طبيعي في الفعل السياسي من تضارب للمصالح بين ولائه بالمغرب وولائه بالمهجر فأي كلفة ستكون لذاك الامر. ثم ألا يدفع الاختلاف في الانتماءات السياسية لابناء الجالية لخلق صراعات دان طبيعة محلية على ارض غير محلية و تضيع بذلك فرص على المغاربة و المغرب بفعل المنافسة الطبيعية ف الممارسة السياسية. الامر الثاني الذي يطرح نفسه بشكل بديهي هو إذا كانت الأغلبية الانية بالمغرب لها وجهة نظر موافقة للمشاركة السياسية كما ذهب بنكيران و هو يضغضغ مشاعر المحتفلين بيوم الجالية، فلماذا لا تتقدم الاغلبية بمشروع قانون المشاركة السياسية و تقديمه للتصويت مادام الامر مستعجل، لماذا يلعب بنكيران دور الإطفائي في الوقت الذي له من الأدوات و الامكانات التشريعية و التنفيذية ما يمنحه الحق في المرور الى الفعل. وجهت النظر التي حاول الدفاع عنها الامين العام لمجلس الجالية عبد الله بوصوف هي كون المجلس يرى ان اشتغال المؤسسات و معها الاحزاب يجب ان ينصب على البحث عن الادوات الكفيلة بضمان حقوق الجالية كاملة مع تحييد هذه الجالية عن نقل الصراعات السياسية التي تعرفها المملكة الى بلاد المهجر بما قد يضر مصالح المغرب الكبرى و مصالح الجالية على الخصوص و في مقدمتها حرمانها من المشاركة السياسية في بلاد الاقامة. من خلال السجال الدائر اليوم يتضح أمران أولها أن الجالية تحتاج الى خدمات ذات طبيعة تقنية و إدارية و قانونية و هذه تقع كاملة على كاهل الوزارة المكلفة بالجالية و تحتاج الجالية الى خدمات تواصلية تنشيطية و هذه تقع على كاهل مؤسسة الحسن الثاني لأفراد الجالية و تحتاج الى خدمات استراتيجية تهم قضايا الانتماء و الهوية و التموقع و هذه تقع على كاهل مجلس الجالية . الامر الثاني هو ملف الجالية ملف حساس و استراتيجي ليس لكون الجالية بقرة حلوب تأتي بالعملة، و من يفهم هذا الفهم هو لا ينتمي الى العصر بتعقيداته ، بل لأن الجالية هي أولا و قبل كل شيء مواطنون ضحوا و عانوا و صبروا و هم سفراء لقضايا المغرب الكبرى في عالم لا يؤمن الا باللوبيات و التكتلات و القوة. و الاكبر من كل هذا أن ملف الجالية ليس ملفا للمزايدات السياسية و التموقعات الحزبية و جني الأصوات ، القضية أكبر من ذلك بكثير فأبناء الجالية لهم أدوار أكبر مما يتوقعها بسطاء الفهم و متسرعو النتائج.