تستمر فعاليات مهرجان العرائش للقرآن الكريم في دورته الرابعة، المنظمة تحت رعاية المجلس العلمي المحلي بالعرائش، والتي تمتد من فاتح غشت إلى التاسع منه، وإختار لها المشرفون عليها هذه السنة أن تقام تحت قوله تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين". وعرف اليوم الأول الإعلان رسميا عن إسمي أصغر حافظين للقرآن الكريم على مستوى كامل إقليمالعرائش.. بينما تميزت بداية التظاهرة بتنظيم مسيرة ضخمة شارك فيها 300 طفل وطفلة، كلهم من إقليمالعرائش، يحفظون كتاب الله عن ظهر قلب.. ورافقهم طوال المسيرة الإستعراض أمهاتهم وآبائهم وعائلاتهم، وكذا حشد كبير من المواطنين، ليكشف من خلالها المنظمون عن "سلطاني الطلبة"، الذين كُرّما بوضعهما في مقدمة المسيرة فوق الأحصنة. ويعتبر هذا المهرجان، تتويجا للمجهودات التي يبذلها فقهاء وأساتذة وطلبة، داخل المئات من كتاتيب ودور القرآن بمختلف مدن وقرى إقليمالعرائش، والتي تخرّج سنويا المئات من الحفاظ والمقرئين، يؤُمون الناس في العديد من المساجد بمدن المغرب، ووصل بعضهم إلى مساجد في إسبانيا وأوروبا ودولة الإمارات ودول عربية أخرى.. فيما "سلطان الطلبة" لهذه السنة يتمنى، بعد تتويجه كأصغر حافظ لكتاب الله بالإقليم، أن يصبح مهندسا. احتفاء بصغار الحفظة حج الآلاف من ساكنة العرائش لمشاهدة المسيرة القرآنية التي جابت أهم شارع في المدينة.. وكان القراء الأطفال الذي قدموا من قرى ومدن العرائش والقصر الكبير يرتدون الجلابيب المغربية البيضاء والطرابيش الحمراء.. فيما إرتدت الطفلات الحافظات ملابس بألوان موحدة زاهية، وحمل الكل في أيديهم الألواح التي حفظوا بها كتاب الل.ه. وشرعوا يرددون أناشيد عن القرآن وأهله. كانت الحشود الكبيرة تترقب رفع المنظمين للستار على إسمي "سلطان وسلطانة الطلبة" فجاء اسم عبد الرحيم الطالبي، البالغ من العمر 13 عاما، والطفلة سمية السليماني، التي عمرها 12 سنة، وقد ألبس السلطان زيا أبيض وعمامة، فيما إرتدت السلطانة قفطانا ناصعا بتاج على رأسها.. بعدها تم إركابهما على خيول في احتفالية طافت بهاما أكبر شارع بالعرائش. الطالبي.. العالِم الشرعي المهندس "السلطان الصغير" عبد الرحيم الطالبي عبّر عن سروره الكبير لهسبريس، وفال إنّ المفاجأة التي طالته غمرته بفرحة لا حدود لها، خصوصا أنه علم بتتويجه سلطانا للطلبة في آخر لحظة بسبب المنافسة الشديدة بين أقرانه.. وأضاف قائلا: "تفاجأت بمكالمة هاتفية من أحد أعضاء المجلس العلمي، أخبرني بكوني الفائز بلقب سلطان الطلبة لهذه السنة، وطلب مني الحضور بعجالة لمقر المجلس العلمي". حفظ الطالبي القرآن الكريم في سنة واحدة بدار القرآن التابعة لمسجد الفتح بحي الوفاء، على يد الشيخ محمد الوهابي.. أما عن طموحه في المستقبل فيكشف عنه عبد الرحيم وهو يزيد: "أتمنى أن أصبح عالما كبيرا في علوم القرآن والعلوم الشرعية، لأدرّسهما في المدارس للطلبة"، وأضاف قائلا: "أتمنى أيضا أن أصبح مهندسا في إحدى التخصصات".. والطالبي مواظب على حضور الكراسي العلمية المنظمة من طرف المجلس العلمي المحلي، زالتي تدرس فيها مختلف علوم القرآن واللغة العربية، وذكر السلطان الطالبي بأنه بصدد حفظ متن إبن عاشر. وعن أيامه العادية، كيف يمضيها.قال بأنه لا يلعب مع أقران حيه سوى في أيام الآحاد، ولا يشاهد التلفاز إلا نادرا.. ورغم إنشغاله الكلي بحفظ القرآن الكريم، وحضوره الدوري لحلقات الحفظ بالمسجد، إلا أنه حصل على الرتبة الأولى في المستوى الأول إعدادي بالثانوية الإعدادية "الوفاء" حيث يدرس.. وهو من أوئل التلاميذ النجباء في المؤسسة ومن المجتهدين في جميع الشعب العلمية والأدبية وكذا اللغات. البهلاوي: المغاربة يهتمون بالقرآن صرّحت لطيفة البهلاوي، مديرة المهرجان، لهسبريس بقولها: "أرى أن هذا المهرجان، الذي يشرف عليه المجلس العلمي المحلي، فيه بعد روحي وإيمان صادق يعبّرعن مدى حب وإهتمام المغاربة بكتاب الله عز وجل منذ أن إتخذوا الإسلام دينا". وزادت ذات المسؤولة عن تنظيم التظاهرة: "المتأمل في هذا المهرجان يكتشف حقيقة تاريخية غفل عنها الكثير من الناس. مفادها أن القرآن الكريم هو أعظم فاتح للمغرب، لأن المغاربة لم يكونوا في أيام جاهليتهم ضعفاء أمام الفاتحين، فلولا أنهم إقتنعوا بكمال الهداية في هذا القرآن، ما أمّروا عليهم هذا الجيل الذي تربى على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل بين عينيه تحقيق رحمة الله المتجلية في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم". وأضافت مديرة المهرجان: "نسعى إلى تحقيق أهداف قمنا بتسطيرها، أولها خدمة القرآن الكريم وأهله، وكذا ربط عموم المواطنين بكتاب الله لتحصينهم من الأهواء الضالة والمذاهب الفكرية الهدامة، ونحرص كذلك على إكتشاف وتشجيع المهتمين بكتاب الله في جميع نواحيه، وفي نهاية المطاف تتويج عمل سنة كاملة من الإهتمام بكلام الله". بنضاوية: المغاربة يتميزون بالحفظ والتجويد والترتيل قال الدكتور إدريس بنضاوية، رئيس المجلس العلمي المحلي بالعرائش، إن المغاربة، منذ أن إقتنعوا بالقرآن الكريم وأدركوا قدره، أيقنوا أنه الوصلة إلى مرضاة الله، فنوعوا في أوجه العناية به على مستوى الحفظ .. حتى شهُر عن المغاربة بحفظ القرآن الكريم، ويضرب مثال شهير بين الناس، يقولون فيه إن القرآن نزل بلغة العرب وكتبه الفرس وجوّده المصريون وحفظه المغاربة. ويضيف ذات المسؤول: "المغاربة زادوا في هذا العهد حسن التجويد، وما نسمع من تفوق المغاربة في المسابقات العالمية في الترتيل والتجويد والحفظ لدليل على ذلك.. إن المغاربة جمع الله لهم هاتين الميزتين.. ميزة الحفظ وميزة التجويد والترتيل". رئيس المجلس العلمي المحلي أضاف أيضا بأن "المغاربة عرف عنهم تاريخيا العناية بكتاب الله وإرتباطهم الشديد به.. معتبرا أن القرآن الكريم يعد بحق أعظم فاتح للمغرب"، وذكر مسألة إعتنائهم بالقرآن الكريم على جهة فهم مضامينه وإدراك مضمراته، بتصنيف المصنفات الواسعة في بيان معانيه، وفي إحداث كراسي التفسير في بيان مراد الله، واعتنوا به أيضا على مستوى الضبط والرسم.. ووضع المغاربة كذلك مصنفات تعد الآن الرائدة في مجال معرفة العد والظبط والوقف والرسم. وصار المغاربة أئمة في هذا الجانب من قرون متطاولة". وزاد: "المصنفات الموضوعة في علم القراءات أغلبها من إجتهادات أهل المغرب والغرب الإسلامي.. ومعروف أن عناية المغاربة بكتاب الله نجدها على مستوى الإرتباط به في كل يوم بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب عبر قراءة الحزب، إذ جعلوا ذلك عادة لهم لمراجعته وإستدكاره والتعبد به وإستحضار بعض معانيه.. والمغاربة اعتنوا بالقرآن الكريم على مستوى إنشاء المدارس والمعاهد والكتاتيب القرآنية في المغرب كله". وكشف رئيس المجلس العلمي المحلي أنه لأول مرة، في إقليمالعرائش وحده، يوجد 548 كتابا للقرآن الكريم، ودعا في هذا الصدد "إلى إبراز إعلامي لما يحدث في هذا البلد من جاذبية وتجديد ومنافسة".. وفي نفس السياق أورد بنضاوية أن "عناية المغاربة بمدارس القرآن تجلت أيضا في إنشاء المدارس العتيقة في كل أنحاء البلاد، نجد فيها المغاربة يضحون بأموالهم من أجل إنشاء هذه المعاهد التي تخرج كل سنة أفواجا من الحفظة".