الصورة أرشيف في مشهد مهيب لا يُرى فيه إلا أبيضا، ولا يُسْمع فيه إلا همسا، سوى من عبارات "الله يبارك في عمر سيدي"، انتظم ولاة وعمال الولايات والعمالات والأقاليم، وولاة وعمال الإدارة المركزية، وممثلو جميع جهات المملكة، يتقدمهم وزير الداخلية، محمد حصاد، في صفوف متساوية ليؤدوا قسم الولاء والبيعة للملك محمد السادس. وتقدم الملك محمد السادس، اليوم الخميس في ساحة المشور السعيد بقلب العاصمة الرباط، جموع المبايعين القادمين من مختلف جهات البلاد، جنوبا وشمالا وغربا وشرقا، وهو يرتدي زيه السلطاني التقليدي، ويمتطي سيارة مكشوفة تخترق الصفوف أمام عبارات الولاء والطاعة التي كسرت صمت الساحة. وولج الملك على متن سيارته، والتي عوضت ركوبه الجواد كعادة سلطانية تاريخية دأب عليها ملوك الدولة العلوية الذين اشتهروا بملازمة خيولهم، البوابة الرئيسة للقصر بساحة المشور، مرفوقا بنجله ولي العهد المولى الحسن، وشقيقه الأمير رشيد، والأمير مولاي إسماعيل، والذين كانوا يترجلون في الجانب الأيمن من سيارة الملك. ودلف العاهل المغربي البوابة المفضية إلى ساحة المشور السعيد بقصر تواركة، وهو يضع نظارته الشمسية المفضلة، قبل أن ينزعها عندما اقترب موكبه من جموع المبايعين، وخلفه كانت تسير عربة تجرها جياد، فيما مرت أمامه أربعة خيول، والتي ترمز إلى أصالة الدولة العلوية المستمرة عبر قرون خلت. وتقدمت السيارة المكشوفة للملك، وهي تشق صفوف المبايعين بجلابيبهم التقليدية البيضاء، تحت إطلاق المدفعية لخمس طلقات، وترنيمات موسيقى عسكرية مخزنية تحتفي بحضور السلطان، قبل أن يستقبل بيعة وزير الداخلية والولاة والعُمال، وممثلي ومنتخبي جميع جهات المملكة. ولم يختلف حفل أداء طقوس الولاء هذه السنة عن سابقيه في الأعوام الماضية، حيث شهد طقس انحناء المبايعين أمام الملك ثلاث مرات متوالية تبجيلا له، وهو ما شبهه البعض بكونه "ركوع" للملك، مع ترديد "الله يعاونكم قال ليكم سيدي"، و"الله يصلحكم قال ليكم سيدي"، و"الله يرضي عليكم قال ليكم سيدي"، و"تلقاو الخير قال ليكم سيدي". وامتد حفل الولاء زهاء عشر دقائق تحت شمس حارقة، وانتهى بجولة خفيفة للسيارة المكشوفة التي حملت الملك على متنها في رحاب ساحة المشور السعيد، يحيي من خلالها الحاضرين لهذه المناسبة الوطنية، ومنهم شخصيات أجنبية، جلسوا يتابعون باهتمام أطوار حفل الولاء وتجديد البيعة لملك البلاد. وكانت طقوس حفل الولاء قد أثارت، في سنوات سابقة، جدلا واسعا في البلاد بعد أن انتقده ناشطون باعتباره "يحط من الكرامة الإنسانية لتضمنه الركوع الذي لا يجوز لغير الله"، بينما قامت جهات أخرى بالدفاع عن طقوس البيعة لما فيها من أصالة واستمداد من التاريخ الإسلامي. وجدير بالذكر أن حفل الولاء أو البيعة كان يقام في عهد الملك الراحل الحسن الثاني يوم الثالث من شهر مارس من كل سنة، فيما تم تنظيمه لأول مرة سنة 1934 في سياق تحدي القصر الملكي لسلطات الاحتلال الفرنسية التي كانت تستعمر المغرب.