أولت الصحافة اهتماما خاصا لنقاش قانوني دار بيني وبين السيد الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، حول صفة "الجنرال" التي قدم بها الوزير مندوبه أثناء اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، خلال مناقشة قانون العدل العسكري. وتداولت أقلام الصحافة هذا الموضوع من زوايا مختلفة، علما أن الموضوع شهد نقاشا مسطريا داخل اللجنة وامتد إلى خارجها. وحتى نوضح اللبس الذي أحاط بهذا الموضوع، لا بد من تدقيق وقائع هذا النقاش بتفاصيله وبخلفياته الدستورية والقانونية، فاجتماع اللجنة ثم في إطار مقتضيات الفصل 68 من الدستور وخاصة فقرته الثالثة التي تنص على سرية جلسات اللجان، كما جرى أيضا في إطار الفصل 67 من الدستور الذي ينص على حضور الوزراء لاجتماعات اللجان مستعينين بمندوبين وزاريين يعينونهم لهذا الغرض. ولأن الفصل 68 من الدستور يحيل في فقرته الثالثة في شأن هذا الموضوع على النظام الداخلي لمجلس النواب، فإن المادة 70 من النظام الداخلي تنص _بعد تدخل من المجلس الدستوري لتصحيح الصيغة التي وضعها البرلمان_ على حق الوزراء في الاستعانة بمندوبين يعينونهم لهذا الغرض ومنحهم الكلمة دون إذن مسبق من رئيس اللجنة . فضمن هذا الإطار القانوني الواضح كنا نشتغل ونناقش موضوع مشروع قانون العدل العسكري، ولأن الوزير المعني كان له الحق أن يمنح الكلمة لمساعديه _الذين لهم حق الجلوس استثناء إلى طاولة الاجتماع ومنحهم الكلمة بدون إذن مسبق من رئيس اللجنة- كما جاء في قرار المجلس الدستوري، فإنه أعطى الكلمة لأحد مساعديه ومندوبيه واصفا إياه ب "الجنرال". هنا أخذت الكلمة لأوضح أن الصفة التي يحضر بها هذا الموظف السامي داخل لجنة برلمانية تخضع للدستور وللنظام الداخلي والذي يمنحه صفة "مندوب وزاري"، وأن صفة "الجنرال" لا محل لاستعمالها داخل البرلمان، لأن المفروض أن لا يتدخل العسكريون في التشريع بوصفه مجال مدنيا، وكما يعلم الجميع فإن علاقة العسكريين بالمجال المدني منظم ومحدد وفق الضوابط العسكرية التي تنص عليها القوانين الجاري بها العمل. غير أن السيد الوزير في معرض جوابه، صرح بأن السيد "الجنرال" موجود في البرلمان بإذن من جلالة الملك، فكان جوابي، ضرورة التمييز بين ترخيص جلالة الملك بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، وبين الصفة التي يحضرها اجتماع اللجنة والتي تجعله مندوبا وزاريا وفقا لمقتضيات المادة 67 من الدستور. والحقيقة أن الخلاف لم يكن حول حضور هذا الموظف السامي من عدمه، بل كان فقط حول الصفة التي يجب أن يتم بها هذا الحضور، فالتشريع كما أسلفت مجال مدني، والصفة التي حضر بها السيد المندوب الوزاري أيضا مدنية، وأما الصفة العسكرية فلا ينبغي الإشارة إليها أثناء ممارسة التشريع باللجنة المعنية، لكون الإشارة إليها تعني تدوينها في محضر المؤسسة التشريعية وهو ما ينبغي التعامل معه بكثير من التحفظ والاحتياط. إن هذا النقاش لا يحمل أي مساس بالاحترام الواجب للمؤسسة العسكرية ولضباطها، فرغبتي الأساسية كانت هي تكريس الوضع القانوني المخول للجيش، ورغم أنني أشعر بالحرج وأنا أتناول موضوعا جرت مناقشته داخل لجنة برلمانية من المفروض أن تتم أشغالها في سرية تامة، فإن تسريبها للصحافة وبالشكل الذي تم تقديمها ونشرها أحيانا، أضر كثيرا بحقيقة طبيعة النقاش القانوني والدستوري حول صفة المتدخل في العملية التشريعية وفي هذه الواقعة بالذات. إن النقاش داخل اللجنة كان حول موضوع ذو حساسية مفرطة، وهي محكمة العدل العسكري، وكان النقاش حولها يتقاطع بين تعديل نظامها القانوني لجعلها كمحكمة متخصصة تهم المجال العسكري كما تهم العسكريين، و رأي آخر يرغب في إلغائها نهائيا بوصفها محكمة استثنائية حتى ولو تمت عليها التعديلات، وذلك أن الخيط الرفيع الذي يفصل بين المحكمة المتخصصة والمحكمة الاستثنائية هو المجال الذي يصعب ضبطه، ويجعل حضور الصفة العسكرية أثناء مناقشته يعطي انطباعا بتأثير عسكري في التشريع، وهذا لا يليق بمشروع نعتبره خطوة إيجابية نحو إعادة ترميم المؤسسات، لتساير المقتضيات الدستورية والعملية التشريعية ليست مسالة داخلية وذاتية ورغم أنها تتم في قاعة الاجتماعات بالبرلمان، ولكنها تظل تحت رقابة حقوقية دولية، يقتضى معه الأمر التعامل بدقة وبحساسية حتى نجعل من عملنا التشريعي نموذجا مسطريا يحترم المقتضيات الدستورية. ومجمل القول فإن نقاشات من هذا القبيل في قضايا دقيقة، تظل في جميع الأحوال محمودة، لأنها تساهم في ترسيخ دولة المؤسسات والقانون وتكرس فصل السلط والاختصاصات.