حول الاتجاهات الحديثة في الصحافة العالمية، ورقية أم رقمية ، نقلت يومية الاتحاد الاشتراكي المغربية عن" لاري كيلمان " نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة الصحافة العالمية قوله " إن أكثر من 2.3 مليار شخص في العالم يقرأون الصحف الورقية بشكل شبه منتظم، في الوقت الذي لا يتجاوز عدد من يقرأون الصحف الإلكترونية 800 مليون شخص. وأضاف لاري كيلمان في حديث نقلته صفحة إعلام لذات الجريدة «هذا لا يعني أن عدد مستخدمي الإنترنت 800 مليون، بل القراء المنتظمون للصحف الإلكترونية الرصينة والمعروفة." كيلمان فند فرضية موت الصحافة الورقية على حساب انتشار سريع ومذهل للرقمية بقوله " إن توزيع الصحف الورقية ارتفع في منطقة الشرق الأوسط بنسبة اثنين في المائة، خلافا لما يروج ، مؤكدا في نفس السياق ، أن القارئ لا يمانع إطلاقا شراء أو الاشتراك في صحيفة ورقية ، عرف عنها أن أخبارها ومقالاتها حررت وروجعت بشكل مهني واحترافي، وفي مقابل ذلك أضاف أن «مواقع الصحف على الإنترنت ارتفاعا ملحوظا على مستوى الإعلان الرقمي فيها بنسبة 11 في المائة سنة 2013، وهذا يعني أن هذه النسبة لن تكتفي بالارتفاع التدريجي في السنوات المقبلة ، بل وستشكل ايضا رافدا ماديا إضافيا، إلى جانب ما تحصده النسخ الورقية من تلك الصحف». في علاقة بما سبق ، وارتباطا بالإسهال الحاصل اليوم على مستوى تناسل النطاقات والمواقع التدوينية الرقمية ، وعلى إثر إحداث موقع إلكتروني جديد على الشبكة ، أريد له أن يعزز صناعة التنمية البشرية بجهته ، كتب مؤسسه من دون أن يرف له جفن أنه ” أول موقع إلكتروني مغربي يتم تحديثه على مدار الساعة ؟ عندما نقرأ عبارة منمقة مثل هذه ، تحس بالدوار ، ونحن في نهاية شهر يونيو من سنة 2014 ، كما يتضح إلى أي حد بلغ التسيب في مجال النشر الإلكتروني مداه ، ومع ذلك ، سوف نتجرع طعم ضعف البدايات ، ثم نقول أن ما نشفع لهذا الهراء ، الفراغ القانوني الحاصل في مجال النشر الإلكتروني ... لنتصور حجم الصفاقة التي تسم هذا الطرح الإعلاني الفج العديم المصداقية من أول وهلة ، فكيف تصدق خبرا ينشره الموقع ؟ والحال أنه دشن عهده بالكذب ، فصاحبنا ، هذا الكائن الافتراضي بدا جاهلا لتاريخ النشر الإلكتروني ، ومفتقدا لرصيد أساسي في هذا الاتجاه ، والأنكى من ذلك ، ظهر غير صادق حتى مع نفسه ، فكيف له أن يكون صادقا مع غيره ؟ ولعل من المفيد هنا ، استحضار ما قاله كيلمان " الآن، نجد أن كثيرا من غير المهتمين بتفاصيل مهنة الصحافة ، يجهلون حقيقتها ، وهم يتحدثون عن تلاشي وانحدار الصناعة" والصحافة من فراغ مهني ومعرفي كارثي لابد هنا من التذكير ، خصوصا ما يتعلق بالبدايات ، أن أول موقع إلكتروني على الإنترنت انطلق سنة 1991، إلا أن الانطلاقة الرسمية تمت في 30 أبريل 1993 " وفق ما هو مثبت في عدد من المصادر والوثائق على الشبكة " وذلك تحديدا عندما قامت منظمة CERN بجعل تقنية شبكة الويب العالمية WWW متاحة للجميع وبناءً على أسس عدم وجود حقوق ملكية" هنا تجدر الإشارة كذلك إلى أن أول موقع إنترنت كان لا يضم سوى محتوى نصي يشرح بعض أساسيات شبكة الويب العالمية، وكان عنوانه وفق المصادر ذاتها http://info.cern.ch/hypertext/www/TheProject.html، ولكن ومع مرور الزمن ظل العنوان تحت رابط:http://info.cern.ch/. لذلك كله ، وفي علاقة بإحداث أول موقع الكتروني في سنة 2014 يدعي مؤسسه أنه إنجاز غير مسبوق ، أعتقد أن الأمر في جوهره نوع من التطاول والارتماء دون السعي الجاد إلى فهم الأساسيات ، و الاطلاع على المبادئ الأولية المؤسسة تأثيرا وتأثرا فالمفروض في الإعلامي كان ورقيا أو الكترونيا الإلمام بأساسيات المهنة أولا ، سواء تعلق الأمر بقانون الصحافة والنشر والتوزيع أو كرونولوجيا البث عبر سماوات الله المفتوحة ، كل هذه الحقائق تؤكد أن واقع النشر الإلكتروني اليوم على الأقل في الفترة الراهنة يحضر جادا لإنتاج العبث ، حتى يصبح نموذجا سائدا في واقع الصحافة والإعلام في المغرب ، وهو ما يجعل بعض المبادرات في هذا المجال فجة وغير ناضجة و يطبعهما الكثير من الاختلال والنظرة الانفعالية غير المتزنة والمتكافئة للوقائع والأشياء ، هذا مع استحضار قيمة وأهمية "الموقع الإلكتروني المحدث" من حيث الميزة والقدرة على التحمل والبقاء. إلى ذلك ، وعبر خلال متابعة غير دقيقة للمواقع الإخبارية المغربية على الشبكة يتبادر إلى الذهن سؤالان أساسيان : كيف سيكون واقع هذه المواقع في المستقبل القريب ؟ وهل ستختفي هذه الارتجاجات الأولية التي ترافق البدايات عادة ، وما يطبعها من تهور واندفاع ورغبة في الإبهار والإدهاش لتشهد تطورا مع تراكم التاريخ والخبرة والمحتوى ؟ أم أنها ستتكرس بفعل السيبة وعدم التقنين والهيكلة ؟ هل من صفة تميز الصحافة الإلكترونية بالمغرب عن نظيراتها بالعالم العربي كما و كيفا؟ و هل باتت تشكل فعلا نموذجا يقتدى في الإشعاع والتنوير والقدرة على الإخبار بالفورية والمصداقية اللازمتين إلى درجة التجسيد الفعلي لواقع حراك جاد ومسؤول يشهده مجال الصحافة والنشر بالمغرب؟ ورغم عدم توفر المغرب على الإطار القانوني الذي ينظم الصحافة والنشر الإلكتروني بالمغرب فقد اعتبر التقرير السنوي حول حرية الصحافة والإعلام في المغرب 2 ماي 2013 – 2 ماي 2014 الذي تصدره النقابة الوطنية للصحافة المغربية الصحافة الإلكترونية ورشا مفتوحا من الناحية القانونية، ومفتوحا أيضا باعتباره مجال واسع وفسيح من أهم العوامل المساهمة بشكل أو بآخر في تطوير المحتوى الرقمي الوطني. وبعد أن نبه التقرير إلى جنينية المشهد الإلكتروني ببلادنا ، حيث يبقى تشخيص الصحافة الإلكترونية أولي، أقر أن مفهوم الصحافة الإلكترونية أصبح حاضرا نظرا للتحولات الجارية في الجسم الصحافي المغربي ككل". وأصبح الحديث عنه ممكنا بوجود مواقع، وعن مدونات تكتسي طابع العالمية ، فيما لم يكن ذلك ممكنا قبل عقد من الزمن التقرير أشار كذلك إلى أن المحطات الأساسية من تاريخ الصحافة الإلكترونية المغربية أفرزت واقعا سلبيا أصبح الكل يعرفه، إن على مستوى أما الخريطة الصحافة الإلكترونية، فالبعض يتحدث عن 500 موقع والبعض الآخر يتحدث عن 600 موقع ، لكن التقرير برصده لمستويات للصحافة الإلكترونية بالمغرب ، مكنه من تصنيفها إلى ثلاث مستويات على الأقل . المستوى الأول يهم المواقع أو الصحف الإلكترونية في المغرب التي تحترم بعض الشروط الضرورية. أما المستوى الثاني فيهم مواقع جهوية أو محلية تعاني من إشكال التحيين، وهي مواقع يمكن أن تكون مجالا للاشتغال من أجل أن تصبح واجهة من واجهات الإعلام المغربي. فيما الثالث يتراوح ما بين مواقع تعاني من ضبابية أو ضعف من حيث الخط التحريري ومن حيث التحيين أيضا." كما لا حظ للتقرير أن العديد من الصحف الإلكترونية توطينها يكون خارج المغرب ،وتأتي الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وكندا في المراتب الأولى . ورغم الفراغ القانوني في مجال الإعلام الإلكتروني، يشهد المغرب دينامية متطورة على صعيد النشر و التواصل الالكتروني، كلما تعددت اللقاءات و الندوات التي عالجت الواقع و التحديات المستقبلية للصحافة الالكترونية، وذلك في أفق تأطير قانوني و مهني لهذا القطاع الناشئ بالمغرب. و الحقيقة ، أن اللقاءات التي ساهمت فيها النقابة الوطنية للصحافة المغربية، مكنت العديد من المكتوين بنار النشر الإلكتروني من التعرف على انشغالات مهنيي النشر الالكتروني، كما وقفت على مشاكلهم و اقتراحاتهم و تصوراتهم لتنظيم القطاع . و أكدت الاقتراحات والتوصيات الصادرة عن مختلف اللقاءات و الندوات و الأيام الدراسية على ضرورة التسريع بإخراج قانون ينظم المهنة ويشجع ويطور الإعلام الالكتروني، و يساعد على تكريس أخلاقيات المهنة و قواعدها وسط العاملين في الإعلام الالكتروني و يضمن الحقوق و الواجبات في اطار مقاولا صحفية الكترونية تحترم القانون و تحتكم اليه". من شبه المحقق إذن ، أن الصحافة الإلكترونية بالمغرب خلال العشر سنوات الأخيرة متفوقة على نظيراتها الورقية إلى درجة لا تقبل الشك ، لتظل وسيطا إعلاميا مكملا لكن بتحديات ورهانات مفتوحة تحتاج إلى دفتر تحملات ملزم ، ولأن تنظيم وهيكلة مختلف أشكال التواصل يقي من الوقوع في انزلاقات ، فإن تقنين القطاع وهيكلته بمقاربة تشاركية يبقى المعبر السليم لبناء طريق معلوماتي سيار بروافد إعلامية تجعل نصب أعينها تنويع الوعي المجتمعي وإيقاظه على إيقاع مستقبلي منفتح ومتفاعل بحداثة وموضوعية. لقد بات مؤكدا أن الصحافة الإلكترونية كسلطة رابعة أمس و اليوم وغدا تقوم بدور أساسي في خلخلة الوعي السياسي لدى كافة الشعوب، خاصة المقهورة منها ، كما تحدث تغييرات ملحوظة وملموسة في ذات الصحفي وذات القارئ ، إن على مستوى صياغة الخبر و معالجته ارتباطا بمصادر متعددة المسارات والأمزجة بالسرعة والفورية اللازمتين وبالجرأة المحسوبة والممنهجة أحيانا ، وحتى عندما أطلق على الصحافة لقب “السلطة الرابعة” فقد تم وضعها في وضع المساواة ” أفقيا “مع كل من السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، رغم أنها “عموديا ” لا تقوم بأي دور من الأدوار الثلاثة، حيث يقتصر دورها على مبدإ الرقابة ، بالإضافة إلى تنمية الوعي لدى الناس بأمور حياتهم المختلفة والمتعددة بكافة مستوياتها الواقعية ، وانتظاراتها المستقبلية ثقافيا واجتماعيا ، حيث السياسة لا تبدو جزء أساسياً من هذه التجليات “ من ناحية ثانية ، ما من شك أيضا في أن الصحافة الإلكترونية بالمغرب استطاعت أن تحدث انقلاباً ليس فقط في نوعية فهمنا للخبر الصحفي فحسب ، بل في سرعة تناقله، و أيضاً في صياغته وشكله وطريقة تحريره ، كذلك ، من خلال التركيز والاختصار ، وهما في تقديرنا السمة المميزة للخبر على الإنترنت. على أن هذا التفاعل الإيجابي مع القارئ الافتراضي ، يعد من أهم سمات الصحفي الذي يعمل على الإنترنت، حيث لا يقتصر تفاعله يكون على استعداد كاف لتلقي أية رسائل تحمل آراء مضادة لما كتب ، بل وتهاجمه، في غالب الأحيان بوقاحة ، وعليه أن لا يكتفي فقط ، بتحمل القاسي منها والجارح بصدر رحب، بل عليه أن ينشره للرأي العام أيضا بكل جرأة وشفافية وأحيانا بوقاحة . وانطلاقا من عملية جرد واسعة ومتابعة شبه دقيقة للشأن الصحفي عربيا ، عموما يمكن القول، أن الحكومات العربية من أدهى شعوب العالم فيما يتعلق بالحفاظ على المكتسبات السياسية التي تراها ضامنة لاستمرارها وبقائها ، فهي تلعب دائماً لعبة الجذب والشد مع رجال الإعلام وعموم الصحفيين، فأحياناً ترخي لهم الحبل ليكتبوا ما يريدون وينتقدون دون أية خطوط حمراء أو خضراء، وخاصة مع الصحف الخاصة والمستقلة ، ثم تتراجع مرة أخرى لتشد هذا الحبل متوعدة ومهددة، تحت طائلة أن القوانين لا تسمح بمثل هذا التجاوز ، وأنه بموجب القانون الجنائي وليس قانون الصحافة ، يمكن أن يسجن أي صحفي تجاوز الخط المرسوم ، أو تطاول بما لا يخدم النظام ويؤيده ، وهو ما يحيلنا كصحافيين التأكيد من هذا المنبر على ضرورة التعجيل بتطوير القوانين وتعديلها مع ما ينسجم وانتظارات الربيع العربي التي لابد أن تعدل قبل أن تنطلق الأقلام الصحفية في حرية وتكتب وتقول ما تريد” طبعا في حدود الثوابت والمسؤولية.