أزمة العراق تزداد تعقيداً مع كل يوم يمر، ومعها يزداد التصعيد الطائفي والعرقي، لتظهر كما في كل مرة تلويحات بالانفصال يقودها الأكراد في الغالب والذين لم يخفوا رغبتهم هذه برغم كل شيء. في المقابل يرتفع صراخ السنة منددين بالمظلومية التي أسبلتها عليهم حكومة نوري المالكي بعد أن أطاحت بالعديد من ممثليهم بتهم الإرهاب كان آخرهم سليم الجبوري الذي عرف عنه اعتداله. على الجانب الآخر وقف الشيعة معتبرين الغضب الذي يشعر به السنة تهديدا لوجودهم وأضرحتهم المقدسة، ثم هنالك الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" والتي استطاعت توجيه القنوط السني من حكومة بغداد لصالحها. يعتقد حارث حسن، زميل معهد راديكليف في جامعة هارفارد والخبير في الشأن السياسي العراقي، أن تلويحات الانفصال قد تجلب "وبالاً" على المنطقة في ظل التغييرات الحاصلة فيها. ويقول "أعتقد أن ثمة اتفاق بين الأمريكيين من جهة والإيرانيين كذلك والأتراك والسعوديين إلى حد ما كذلك، أن انفصالاً بالوتيرة التي تسير عليها الأمور الآن سيكون لا العديد من الجوانب السلبية على المنطقة وسيصعب احتوائها، خاصة إذا بني هذا الانفصال على المواجهة والصراع". وكان إقليم شمال العراق قد وزع قوات من البيشمركة (جيش الإقليم) في أنحاء كركوك بغرض حمايتها من غزو "داعش"، خاصة بعد تراجع القوات العراقية أمام المجموعة المسلحة الأمر الذي أثار احتمالات قوية بضم الأكراد كركوك إلى إقليمهم رسميا وبقرب إعلانهم الانفصال واستقلال الإقليم. وهو أمر لا يستقيم معه منطق، بحسب رأي حارث حسن، موضحا "لا أعتقد أن أياً من القوى الدولية أو حتى الإقليمية راغبة بأن تتجه الظروف نحوه الانقسام لأنه عندها سيصبح من الصعب احتواء الأزمة ويكون هناك نتائج سلبية على الوضع في العراق وسيمتد التقسيم إلى سوريا ولبنان أيضاً خاصة وأن التقسيم الطائفي في أعمق حالاته لأنه لا يحدث على صعيد البلد الواحد ولكن على صعيد المنطقة بأسرها". ويعتبر الخبير في الشأن العراقي أن الوصفة الأفضل للتعامل مع الانقسام العراقي هي "أولاً احتواء الأزمة، وثانياً امتصاص بعض من زخمها"، ويضيف حارث "بعد ذلك يمكن إعادة ترتيب العلاقات داخل العراق بطريقة لا يتقسم فيه ولكن تكون الأقاليم فيه تمتلك مقومات الدولة دون أن تعلن عن إقامة دولة". ويرى حارث حسن أن علاقة تركيابإقليم شمال العراق مبنية على مواقف "متناقضة"، مضيفا "فمن جهة كلما ابتعدت كردستان عن المركز، ازدادت قرباً من تركيا، حيث أن كردستان لا تمتلك منفذا بحرياُ، فتركيا هي متنفسها الوحيد، إضافة إلى أن أنابيب النفط الكردية كلها تمر بتركيا". ومن جهة أخرى، يضيف حسن، "إلا أنني أرى أنه، وعلى المدى البعيد، يحتمل أن يخرج الموضوع عن نطاق السيطرة برغم وجود مسعود برزاني على رأس السلطة، وذلك عندما يبدأ (أكراد تركيا) في المنطقة بالنظر إلى كردستان كالهام، على اعتبار أنها أول دولة كردية في التاريخ". ويضيف حسن "سيكون من المرعب تخيل الموصل - القريبة جغرافياً من تركيا- مستقلة عن سيطرة بغداد وتحت يد داعش التي كما نعلم قامت باختطاف القنصل التركي وعدد آخر من الدبلوماسيين الأتراك، والتي تعتمد على حرب العصابات ما يجعلها تشكل خطراً كبيراً على أمن واستقرار المنطقة". أما دانييل سرور، أستاذ إدارة الصراعات في مدرسة جون هوبكنز للدراسات الدولية وباحث في معهد الشرق الأوسط، فيرى أن تقسيم العراق لن يكون له نتائج على المنطقة فحسب بل حتى على الصعيد الدولي كذلك، معتبرا أن "هذه وصفة (التقسيم) لمزيد من الحروب، إنها فكرة سيئة جداً في الوقت الحالي، لأنها ستشجع القوات الانفصالية في أوكرانيا، وربما في مناطق أخرى من العالم على الانفصال". ويصر سرور على أن تجزئة العراق ستكون عاملاً في زعزعة استقرار المنطقة "يمكن للجميع الاتفاق على تقسيم العراق ولكن الأساس هو على أي خطوط، وفق خطوط الأكراد؟ سيكون عند ذاك الشيعة والسنة غير سعداء، أم خطوط الشيعة؟ عندها سيكون لدى السنة القليل من الغاز والنفط والشيعة ستحصل على كل شيء". ويضيف سرور أن على الأتراك أن يقرروا ماهي أهم مصالحهم "ربما تستطيع تركيا أن تتفق مع كردستان تحصل من خلالها تركيا على النفط والغاز وتحصل كردستان على استقلالها، هي ربما صفقة جيدة لكل من تركيا وكردستان ولكنها ستكون صفقة سيئة لباقي العراق والمنطقة". ويرى سرور أن الولاياتالمتحدة لن تكون مسرورة من هذا الوضع، ويقول "لا أعتقد أن الولاياتالمتحدة ستكون سعيدة بهذه الفكرة على الإطلاق، ستعارضها بقوة، وسوف تحث الأتراك على معارضتها، لأنها تزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وتزعزع الاستقرار على نطاق أوسع في أوكرانيا". كما شدد على ضرورة اصطفاف تركيا إلى جانب الولاياتالمتحدة، قائلا: "تركيا يجب أن تقف إلى جانب الأمريكيين في قضية العراق، بدعم حكومة ذات طيف أوسع في بغداد، ربما أن الفكرة قد لا تكون ناجحة ولكنها أفضل ما موجود في الظروف الراهن". سرور لا يرى أن المالكي سيظل ساكناً بينما يشهد العراق في طريقه للتقسيم، مضيفا:"إنهم (الأكراد) أخذوا ما يريدونه ولكن فقط حتى تفرغ بغداد للهجوم عليهم، المالكي لن يقبل استحواذ الأكراد على كركوك، وعندما يفرغ سوف يقاتل لاستعادتها". ويرى الباحث المتخصص في إدارة الصراعات أن المصلحة الإيرانية قد تتفق مع الأمريكية والتركية في هذا الصدد لأن "الانقسام ستكون له نتائج كارثية على إيران لأن شرق كردستان هو داخل إيران، الإيرانيون سيكونون حتماً ضد تقسيم العراق، وسيحاولون منع الكرد من الاستقلال، ودعم المالكي في حربه ضد المسلحين السنة". *وكالة أنباء الأناضول