اختفى رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني عن شاشات التلفزيون بعيد إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم، بعدما خسر رهانه على دعم دولي لم يحصل عليه، ما جعله وحزبه معزولين داخل العراق وخارجه، بحسب محللين. واستعادت السلطات الاتحادية العراقية الأسبوع الماضي السيطرة على معظم المناطق والمواقع النفطية المتنازع عليها مع بغداد بعد انسحاب قوات البشمركة منها. وتعتبر خسارة ايرادات الحقول النفطية في محافظة كركوك بمثابة القضاء الى حد كبير على أحلام إقليم كردستان العراق بالاستقلال. اختفى رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني عن شاشات التلفزيون بعيد إجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم، بعدما خسر رهانه على دعم دولي لم يحصل عليه، ما جعله وحزبه معزولين داخل العراق وخارجه، بحسب محللين. واستعادت السلطات الاتحادية العراقية الأسبوع الماضي السيطرة على معظم المناطق والمواقع النفطية المتنازع عليها مع بغداد بعد انسحاب قوات البشمركة منها. وتعتبر خسارة ايرادات الحقول النفطية في محافظة كركوك بمثابة القضاء الى حد كبير على أحلام إقليم كردستان العراق بالاستقلال. وكان بارزاني الذي بادر الى تنظيم الاستفتاء، ذهب بعيدا في مشروعه الطموح لإعلان دولة كردستانية مستقلة عن بغداد التي أكد مرارا "فشل الشراكة" معها. وحين عقد مؤتمرا صحافيا قبل يوم من الاستفتاء للتأكيد على المضي فيه رغم المساعي الدولية لإيجاد صفقة تحول دون إجرائه، بدا المقاتل الكردي السابق ببزته الكردية التقليدية وكوفيته، مرتاحا، الى أن ظهر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في كلمة تلفزيونية بثت بالتزامن. تغيرت ملامح الرئيس الكردستاني وقتها، وبدا متوترا بعدما لوح العبادي بعدم السماح بالانفصال. لكنه مع ذلك، واصل مشروعه الانفصالي، إلى حد بدأ الشارع الكردي يعل ق آماله على "تغريدة داعمة من الرئيس الأميركي" دونالد ترامب. ويقول المحلل السياسي كيرك سويل، ناشر مجلة "إنسايد إيراكي بوليتيكس"، إن رهان بارزاني لم يكن إلا "استنادا إلى دائرة ضيقة من المستشارين وليس من خلال عملية ديموقراطية". ويوضح سويل أن القرارات الإستراتيجية لبارزاني على مدى سنوات كانت تتم بالطريقة نفسها، "وعلى هذا المقياس كانت اتفاقيات النفط مع تركيا قرارا من الحزب الديموقراطي الكردستاني، وليس قرارا صادق أو اطلع عليه برلمان الإقليم". ويضيف المحلل السياسي لوكالة فرانس برس "يبدو لي أن بارزاني محاط بأشخاص يقولون له ما يريد سماعه". ويتحدث العديد من الاكراد حاليا عن وقوع بارزاني في فخ حول دعم موهوم أقنعه به مقربون، أبرزهم وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري ومحافظ كركوك المقال نجم الدين كريم. وتسعى عائلة بارزاني منذ عقود للانفصال عن العراق. ويسعى بارزاني الى تجسيد طموحات الشعب الكردي ويقدم نفسه على أنه الشخصية القادرة حاليا على تحقيق هذا الهدف. لكن لا يمكن لهذا الامر في ظل التركيبة الحالية للعراق، ان يحصل من دون موافقة بغداد، ما دفع بالحكومة العراقية إلى قطع الأوصال الاقتصادية المهمة عن إقليم كردستان عقب الاستفتاء، وصولا إلى التقدم عسكريا والسيطرة على جميع المناطق المتنازع عليها. ويقول سويل "في ظل عمل حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني وغوران (التغيير) مع بغداد، فإن الأمل الوحيد للحزب الديموقراطي الكردستاني حاليا هو أن تفقد بغداد الدعم الدولي". لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن ذلك لا يعني أن "في الامكان القول إن بارزاني فقد كل شيء سياسيا، لأن إقليم كردستان ليس نظاما ديموقراطيا، ولا وسيلة لضمان أن الانتخابات المقبلة ستكون نزيهة". في هذا السياق، يوضح المحلل السياسي في معهد الشؤون الدولية والإستراتيجية في فرنسا كريم بيطار أن "الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي بأسره، باستثناء إسرائيل، ملتزمون بوحدة العراق". ويضيف لفرانس برس "سيتعين على بارزاني الآن أن يعيد النظر في موقفه المتشدد وأن يعيد فتح قنوات التفاوض". ووفق المحلل المختص بالشؤون الكردية موتلو سيفير أوغلو، وضع بارزاني الأكراد في موقف صعب: أولا من خلال جمع دول متخاصمة أصلا ضدهم، وصولا إلى خلافات داخل البيت الكردي، معتبرا أنه "أخطأ في قراءة الموقف وتفسير الرسائل". ودعت حركة "غوران" (التغيير) الاحد بارزاني الى الاستقالة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تتولى الحوار مع بغداد وتنظيم انتخابات. ويقول سيفير أوغلو لفرانس برس إن "الولاياتالمتحدة واضحة جدا في دعم عراق موحد يلعب فيه الأكراد دورا موازنا (…) ربما كان (بارزاني) يعتقد أن (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان لن يعارض استقلال الأكراد لأنه فضل أربيل على بغداد في السنوات الأخيرة، لكنه لم يتنبأ برده القوي على الاستفتاء والاستقلال". وتبدي الحكومة الكردستانية حاليا استعدادا للتفاوض مع بغداد من دون شروط، لكن العبادي يضع إلغاء نتائج الاستفتاء شرطا لبدء الحوار. ولهذا، قد يضطر بارزاني إلى تجميد أو إلغاء نتائج الاستفتاء، في حال فشل سعيه لتأمين دعم غربي من خلال دعواته إلى أكراد الشتات بالتظاهر في دول أوروبا. وعزز الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 "الرؤية الكاذبة" بأن البلاد ليست إلا فسيفساء من هويات عرقية وطائفية، بحسب بيطار الذي يضيف ان "هناك اتجاها مشتركا مؤسفا بين العديد من المحللين وصانعي السياسات للتقليل من القومية العراقية". ويؤكد، مستشهدا بالكاتب الأميركي الساخر مارك توين، "يمكننا القول إن أحداث الأيام القليلة الماضية تشير إلى أن +تقارير وفاة العراق+ مبالغ فيها إلى حد كبير". تفاقم الانقسامات منذ الاستفتاء كان استفتاء أكراد العراق على الاستقلال برعاية زعيمهم مسعود برزاني مقامرة ربما جعلت حلمه بإقامة دولة صعب المنال أكثر من أي وقت مضى. وجاء التصويت في الاستفتاء الذي أجري يوم 25 سبتمبر أيلول لصالح الاستقلال بأغلبية ساحقة لكنه أثار احتمال نشوب حرب أهلية جديدة في العراق قد تجر قوى إقليمية. وتقول بغداد إن التصويت غير مشروع. وقبل بضعة أشهر فحسب كان المقاتلون الأكراد المعروفون باسم البشمركة والقوات الشيعية المدعومة من إيران يعملون جنبا إلى جانب لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل. لكن هذا التعاون لم يدم طويلا إذ انتزعت القوات العراقية يوم الاثنين السيطرة على كركوك، وهي مدينة نفطية مهمة للبلد المصدر للنفط يعتبرها الأكراد أيضا قلب دولتهم. وتعارض إيرانوتركيا استقلال الأكراد وتكتسب الفصائل الشيعية التي تمولها طهران نفوذا في جميع أنحاء العراق. في الوقت نفسه تفاقمت الانقسامات بين الحزبين في الائتلاف الكردي الحاكم. وقال جاسم البهادلي وهو محلل مقيم في بغداد وخبير في شؤون الجماعات الشيعية المسلحة إن الأكراد يديرون هذه المناطق منذ سقوط الرئيس الأسبق صدام حسين في 2003 وإن تغيير هذا الوضع في طرفة عين قد يجعل الوضع برمته بمثابة الغرق في رمال متحركة. وذكر أن وجود الفصائل الشيعية في المناطق التي كان يسيطر عليها الأكراد سيساعد في خلق توترات قد تؤدي إلى صراع طويل الأمد. وقال إن الحساسيات قد تتطور إلى عداوات قد تؤجج شرارة حرب أهلية. *أزمة قيادة دافع برزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني عن الاستفتاء. وقال المتحدث باسمه فاهال علي "كان التحرك الصحيح. لا أحد سيمنعنا من تحقيق الاستقلال". لكن لم تحظ الفكرة بدعم من كل أكراد العراق الذين خاضوا حربا أهلية دموية فيما بينهم خلال التسعينيات من القرن الماضي الأمر الذي أثار شكوكا بشأن إدارة أي دولة مستقلة. وقال حزب الاتحاد الوطني الكردستاني إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يعرض الأكراد للخطر بسبب المعارضة الشديدة للاستفتاء من جانب أطراف دولية بينها الولاياتالمتحدة الحليف الوثيق للأكراد. واتهمت القيادة العامة للبشمركة في أربيل معقل الحزب الديمقراطي الكردستاني إيران وهي حليف تاريخي للاتحاد الوطني الكردستاني بمساعدة القوات العراقية في شن الهجوم في منطقة كركوك. وقالت القيادة العامة في بيان "للأسف تعاون بعض مسؤولي الاتحاد في هذه المؤامرة ضد شعب كردستان وارتكبوا خيانة تاريخية كبرى ضد كردستان … (عندما) أخلوا بعض المواقع الحساسة لقوات الحشد الشعبي والحرس الثوري الإيراني بدون مواجهة". وأضاف البيان "من غير الممكن كسر إرادة شعب كردستان والسماح بانتصار خصوم شعب كردستان من خلال تنفيذ هذه المؤامرة". ونسبت وكالة تسنيم للأنباء إلى علي أكبر ولايتي وهو مستشار كبير للزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي قوله إن إيران لم تلعب دورا في عمليات كركوك. ونفى دبلوماسي غربي كبير أيضا أن يكون لإيران دور في العمليات. وقال "هذه خرافة. سبق أن حمل برزاني آخرين مسؤولية أخطائه بما في ذلك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. لكن هذه خرافة تستهدف الحصول على دعم من الأمريكيين". وتوفي زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني بعد أسبوع تقريبا من الاستفتاء مما زاد من ضبابية المشهد أمام الأكراد. وقال شوراس شيركو جدي وهو مسؤول في حركة كوران أكبر حركات المعارضة الكردية إن الأكراد الذين بنوا تدريجيا إقليما يتمتع بالحكم الذاتي في الشمال بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة في عام 2003 يواجهون الآن أزمة قيادة. وأضاف "قد تندلع حرب أهلية بسبب كركوك. آمل ألا يحدث ذلك. إذا حدث ذلك فسيشجع هذا إيرانوتركيا على التدخل". *مطامح طهران لكن إيران مثل تركيا يساورها القلق من أن التصويت سيشجع الأقلية الكردية التي تعيش على أراضيها على الضغط من أجل إقامة وطن خاص بهم ولم تخف مطامحها المتنامية في العراق. والشخصية الإيرانية الأبرز في العراق هو الميجر جنرال قاسم سليماني قائد العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني الذي يقدم التدريب والسلاح للجماعات الشيعية التي تدعم الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد. وقال فاهال علي إن سليماني ظهر في كركوك قبل ليلتين من هجوم قوات الأمن العراقية. وأكد مصدر إيراني في العراق هذه الراوية وقال إن سليماني ظهر لمدة "ساعتين هناك لتقديم التوجيه العسكري". وقال مسؤول مقرب من الرئيس الإيراني حسن روحاني "لم تعد المساعدة العسكرية التي تقدمها إيران سرا. يمكنك العثور على صور للجنرال سليماني في العراق في كل مكان". وأضاف "الآن وبجانب القضايا السياسية فإن نفط كركوك عنصر مهم للغاية لإيران وهي بلد عضو في منظمة أوبك. سيطرة أعداء إيران على حقول النفط هذه سيكون كارثيا بالنسبة لنا. لماذا ينبغي أن نسمح لهم بدخول سوق النفط؟" ويسعى الأكراد لإقامة دولة مستقلة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى على الأقل عندما قسمت القوى الاستعمارية الشرق الأوسط بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية الأمر الذي أدى لتقسيم الأراضي التي يسكنها الأكراد بين تركياوإيرانوالعراق وسوريا. وكثيرا ما يتهم الأكراد الغرب بعدم مساعدتهم خلال فترات محنتهم. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن الولاياتالمتحدة لن تنحاز لأي جانب في الصراع الحالي بين الأكراد والحكومة المركزية. ويخشى البعض من أن الاستفتاء، الذي منح رئيس الوزراء حيدر العبادي فرصة لتعزيز سلطته، أبعد حلم الاستقلال عن متناول أيديهم. وحظرت بغداد الرحلات الدولية للمطارات الكردية وفرضت إجراءات مالية عقابية. وقال جدي "كنا نسيطر على مطاراتنا. كنا نسيطر على حدودنا. كنا ندير إقليمنا بشكل ذاتي. الآن ليس لدينا شيء. وبرزاني هو المسؤول عن ذلك". العبادي من صاحب «أصعب مهنة في العالم» إلى صانع "الانتصارات" عقب ثلاث سنوات من وصوله إلى السلطة في بلد على شفير الانهيار، فاجأ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المشككين برفعه الروح المعنوية لقواته ما ادى الى استعادة أراض شاسعة من تنظيم الدولة الإسلامية ومناطق متنازع عليها من الأكراد. لم ينفك العبادي في إعلان "انتصارات" متتالية خلال الأشهر الأخيرة، فأصبح الرجل الذي يظهر تارة ببدلة رسمية وتارة أخرى ببزة عسكرية، المحتفى به على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما كان محط تعليقات ساخرة لفترة طويلة. بدا ابن الموظف الحكومي، الوزير والنائب السابق، أنه ورث في العام 2014 "مهمة مستحيلة" عندما أصبح رئيسا للوزراء، فبدأ بممارسة "أصعب مهنة في العالم"، وفق ما يقول سجاد جياد، مدير مركز "البيان" العراقي للأبحاث. في ذلك الحين، كان تنظيم الدولة الإسلامية سيطر على ما يقارب ثلث مساحة البلاد، والجيش في حالة فوضى، والمال العام مثقل بالفساد، إضافة إلى انهيار أسعار النفط. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المرتقبة في ربيع العام 2018، رفع هذا السياسي الشيعي الذي ولد في العام 1952 في حي الكرادة الراقي ذي الغالبية المسيحية وسط بغداد، من مستوى التحدي. تمكن العبادي، صاحب الشخصية المحببة والمرحبة، ذو الجسم الممتلئ والشعر الخفيف، من إعادة تعبئة عشرات الآلاف من الرجال بمساعدة مدربين أجانب عادوا لإعادة بناء قوة عراقية يمكن أن تقضي على تنظيم الدولة الإسلامية. تحت قيادته، تمكنت القوات العراقية من طرد تنظيم الدولة الإسلامية من أكثر من 90 في المئة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، كما استعادة السيطرة على مناطق استولت عليها قوات البشمركة الكردية خارج حدود إقليم كردستان الشمالي الذي يتمتع بحكم ذاتي. تلك العملية الأخيرة، فصلها مؤخرا خريج كلية الهندسة في جامعة مانشستر البريطانية في مقالة مطولة بصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية. بعدما كان يوصف بالرجل "غير القادر على الحسم، والضعيف والتصالحي بالنسبة للساحة السياسية العراقية"، وفق ما يقول الباحث في معهد الشرق الأوسط فنر حداد، فإن العبادي أصبح اليوم في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، القائد الجديد الذي انتظره العراق. غداة تقدم القوات العراقية في مواجهة الأكراد، نشر أحد الناشطين على فيسبوك صورة للعبادي كتب عليها "تريدون أرجعلكم الكويت؟"، في إشارة إلى البلد المجاور الذي غزاه صدام حسين في العام 1990. لا يصور "أبو يسر" على أنه بطل عسكري فقط، بل أيضا كحامل على سنوات من الفساد وسوء الإدارة وضد مسؤولين فاسدين سرقوا ملايين الدولارات من البلاد وأثاروا غضب العراقيين. سياسة الخطوات الصغيرة تلك، التي قام بها عضو حزب الدعوة، وهو أقدم الأحزاب المعارضة لصدام حسين، أتت بثمارها، وهو ما تؤكده تعليقات 2,5 مليون متابع لصفحته على فيسبوك. يقول أحد المعلقين إن العبادي "أفضل رئيس وزراء في تاريخ العراق، قليل الكلام لكنه كثير الأفعال". يوضح حداد لوكالة فرانس برس أن "هدوءه وأساليبه التصالحية وانفتاحه على الحوار مع شريحة واسعة من الأطراف، تظهر التناقض القوي مع سلفه" نوري المالكي، الذي يتهمه منتقدوه بالاستبداد والتعصب الديني. خلال السنوات الطويلة التي قضاها في المنفى للنضال ضد نظام صدام حسين الذي سقط في العام 2003، نسج العبادي علاقات مع زعماء آخرين، خصوصا من الأكراد. وهو الذي خسر شقيقيه بعدما أعدما لمعارضتهما للنظام السابق. هذا الرجل الراسخ في حزب الدعوة والشيعية السياسية، تمكن من أن يكون موضع تقدير لدى جزء من الأقلية السنية، وهو أمر نادر في العراق حيث لا تزال التوترات الطائفية قائمة، وفق ما يشير جياد. ويلفت إلى أن استطلاعات للرأي أجريت مؤخرا، أظهرت أن "أكثر من 75 في المئة من العراقيين" يدعمون سياسته. وصل الأمر بالعبادي إلى لفت أنظار الخارج، ويصفه دبلوماسيون في بغداد بأنه محاور تمكن من النجاح في كل شيء. يوضح جياد أن رئيس الوزراء العراقي تمكن من "وضع العراق على الساحة الدولية"، ما جعل له حلفاء أعداء في ما بينهم. ونجح في المهمة المحفوفة بالمخاطر المتمثلة في استئناف الحوار مع الرياض بدون تهميش طهران، في "خطوة لا يمكن تصورها في عهد سلفه"، بحسب حداد. لكنه يوضح أن "هناك حدودا لما يمكن أن يفعله"، مشيرا إلى ثلاثة ملايين نازح عراقي، والمسألة الكردية، والإصلاحات الاقتصادية والأجهزة الأمنية. ويؤكد حداد أن "هذه التحديات الضخمة تتجاوز سيطرة شخص واحد". ويضيف أن "هناك نوعا من الهالة تتشكل حول العبادي"، والخطر يكمن في حال "سقط العبادي في فخ الغرور. في عامي 2008 و2009 كان المالكي في الموقع نفسه". ولكن بعد سنوات قليلة، حين تركه حلفاؤه الأميركيون والإيرانيون وأعضاء من حزبه، وأصبح أيضا مسؤولا عن تمدد تنظيم الدولة الإسلامية وتصاعد التوتر مع السنة، تنازل المالكي لصالح حيدر العبادي. القوات العراقية محت صورة الجيش الضعيف استطاعت القوات العراقية بمواجهتها المقاتلين الأكراد وسيطرتها السريعة خلال الايام الاخيرة على مناطق متنازع عليها مع إقليم كردستان، وأبرزها كركوك، وبعد طردها تنظيم الدولية الإسلامية من مناطق واسعة في شمال العراق وغربه، قلب ميزان القوى بشكل جذري في البلاد، وفق ما يؤكد خبراء. خلال 14 عاما، وفي مواجهة جيش حكومي ضعيف، سيطرت قوات البشمركة بشكل منهجي على مناطق متنازع عليها بين بغداد وأربيل. لكن الأوضاع انقلبت تماما خلال الأسبوع الحالي، إذ لم يستغرق الأمر سوى 48 ساعة كي تستعيد القوات المركزية العراقية السيطرة على جميع تلك المناطق من دون أي مقاومة تقريبا. ورحب المتحدث باسم التحالف الدولي بقيادة واشنطن الكولونيل راين ديلون بهذا التطور، قائلا إن القوات العراقية حسمت معركة الموصل التي "تعد من أصعب المعارك منذ عقود، ثم سيطرت على تلعفر والحويجة". وأضاف "يقال إنهم الآن، من أوائل قوات الأمن في المنطقة". وتطلب الأمر سنوات لإعادة تشكيل القوات العراقية بمساعدة العديد من جيوش الدول الغربية. بعيد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، أقدم الحاكم المدني الأميركي حينها بول بريمر على حل القوات الأمنية العراقية التي اعتبرها آنذاك أداة بيد نظام صدام حسين. وفي ذلك الوقت، كان أكثر من نصف القوات العراقية عبارة عن "جنود أشباح"، أي أسماء وهمية يتلقى أصحابها رواتب من دون أي تواجد لهم على الأرض، وفق ما يقول أحد المدققين. كانت القوات العراقية في أسوأ حالاتها خلال الهجوم الواسع لتنظيم الدولة الإسلامية في يونيو 2014، عندما سيطر التنظيم المتطرف على نحو ثلث مساحة البلاد. ويقول الباحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إميل حكي م إن "معنويات (القوات) كانت متدنية جدا"، وكانت "تعاني من الفساد والمحاباة في القيادة". في عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، أقدمت الحكومة على إصلاحات في المؤسسة الأمنية، مستعينة بمدربين أجانب كانوا غادروا البلاد في العام 2011. ويؤكد التحالف الدولي أنه درب منذ العام 2015، 119 ألف عنصر من القوات الأمنية بينهم 43900 عسكري، 20700 شرطي، 14400 من قوات مكافحة الإرهاب، و22800 من البشمركة. ويوضح حكيم أن الإصلاحات "المهمة" التي قام بها العبادي والمصحوبة ب"جهود أميركية واسعة لتسليح ودعم" العراق، أثمرت "قوة أكثر انضباطا والتزاما وأفضل (مستوى) في التماسك الذي أظهر قدراتها العسكرية في ساحة المعركة". ويرى رئيس تحرير مجلة "جاينز" الأسبوعية المتخصصة بشؤون الدفاع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بأن القوات العراقية اليوم هي ثمرة ثلاث سنوات من تدريب وتسليح من جانب التحالف. لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن "العراقيين أيضا حسنوا على الأرجح أسلوبهم في مواجهة مشاكل الفساد والضعف اللوجستي وفي كيفية رفع المعنويات المتدنية" للقوات. في المقابل، حصلت القوات الحكومية على دعم قوات الحشد الشعبي التي تضم فصائل ذات غالبية شيعية مدعومة من إيران، تعد أكثر من 60 ألف مقاتل وتشكلت في العام 2014 بعد فتوى جهادية من أكبر مرجعية شيعية في البلاد لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. وتخضع تلك الفصائل حتى الساعة لقيادة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي. في المقابل، انعكست صورة قوات البشمركة التي كانت تتغنى بمقاتليها الأشداء، خصوصا أنها لم تكن القوات الرئيسية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. ولم تشارك البشمركة في معركة استعادة الموصل، وكانت تقف على بعد ثلاثين كيلومترا إلى شرق المدينة، ولم تخض أيضا معارك لاستعادة تلعفر أو الحويجة ولم تشارك في أي من معارك محافظة الأنبار في غرب البلاد. وعندما تقدم تنظيم الدولة الإسلامية باتجاه مدينة اربيل، كان حال البشمركة حال القوات العراقية آنذاك، ومستعدة للفرار، لولا الدعم الذي قدمته لها إيران المجاورة. ويرى حكيم بأن تقهقر القوات الكردية في كركوك "سببه انعدام التوافق السياسي"، موضحا ان "الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية غطى على خلل الإدارة الكردية منذ سنوات". من جهة أخرى، لا تزال صورة مقاتل البشمركة القديم الواقف على جبل بشاربين طويلين ووجه أسمر مجعد وكوفية تقليدية على رأسه وسروال عريض مدافعا عن أرضه في ظروف قاسية، قائمة. ويعتبر حكيم أن الجيل الجديد من البشمركة "ليست لديه القسوة والتماسك اللذين يمتلكهما القدامى"، لأن "الاستقرار والتطور الاقتصادي لكردستان العراق منذ العام 2003، أثرا على العقلية العسكرية للمجتمع الكردي". في المقابل، لم يعد مقاتلو البشمركة يتسلمون إلا نصف رواتبهم منذ العام 2005، بسبب الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل، ما ينعكس سلبا على معنويات هؤلاء المقاتلين.