عودتنا القناة الثانية أن تكون نشرات أخبارها مخصصة لحوادث السير و أمراض السكري و السرطان و القصور الكلوي، كما أن القناة لا تبخل علينا بأخبار المعاقين جسديا وذهنيا وحتى فكريا، مع أن الأمر يتعلق بالدرجة الأولى بمن هم معاقين إعلاميا! في بعض الأحيان تتكسر العادة فتأتي النشرة من أولها لآخرها تنير عقولنا بأنشطة الجمعيات النسوية المتخصصة في تعليب الصبار أو تربية الماعز و الأبقار وحتى الدينصورات ...المهم أنه في كل نشرة حيوانات جديدة ونساء جديدات! في الحقيقة مثل هذا النمط من الأخبار يعبر عن وعي كبير لدى العاملين في القناة، فهم يهتمون بما يشغل المواطن، وهم يوجهون لنا رسالة بدون قصد (ولا يفهمونها) مفادها أنه إذا لم تكن مصابا بداء السكري أو السرطان فمصيرك هو حادثة سير ستحطم ضلوعك التي تأبى الانكسار، و ربما يكون مصيرك أفضل بأن تربي بقرة لتلد عجلا وتجلس أنت تراقب بكل حبور كيف ينمو العجل لتبيعه فتصير من الأغنياء! فإذا لم يعجبك هذا العرض المغري فما ينفعك إلا أن تعلب الصبار مع النساء. وهنا قبل أن أواصل عندي سِؤال يؤرقني فخذوه:هل رأيتم وقاحة أكثر من هذه؟ قبل الإجابة عن السؤال أدعوكم لتروا ما هو أوقح، نشرة أخبار الأربعاء الأخير من رمضان، قبل الإفطار، فإليكم الحكاية : على غير العادة يطل علينا المذيع دون أن يذكرنا بمراكز تصفية الدم و مرضى الظهر و البطن وذلك لوجود ظرف طارئ ألم بالوطن، قد يكلفنا إعلان الحداد وتنكيس الأعلام! على إثر وقوع حادثة سير لسياح أجانب.....المهم هو أن النشرة لا تخلو من الحوادث! العنوان الرئيسي للنشرة يقول: بضعة سياح برتغاليين غادروا الحياة على إثر انقلاب حافلة في شمال المغرب... بطبيعة الحال ما أصاب هؤلاء الأجانب ليدمي القلب ويحز في النفس وهذا مما ليس فيه شك، لكن أن يكون هذا الحادث هو الموضوع الرئيسي للنشرة فهذا يبعث على كل شك. كيف ذلك ؟ إليكم التفاصيل: يلقننا المذيع الخبر بنوع من الحزن والحسرة ثم يرمينا بريبورتاج مكتمل الأركان من حيث الشرح والتدليل،الكاميرا في عين المكان وتصريح كاف وشاف للقائد الجهوي للوقاية المدنية... كاميرات أخرى موزعة على المستشفيات التي أقامت الدنيا لإغاثة بضعة جرحى مع تصريحات مفصلة للأطر الطبية وتنويه لافت لحضور المسئولين... دون أن ننسى الكلمات المقتضبة للجرحى المستلقون على أسرة نظيفة. بعد هذه التغطية الشاملة يصيبنا المذيع بخبر آخر لم يكن في الحسبان، وبما أنه تافه بالنسبة إليهم فقد أغفلوا ذكره في العناوين كخبر السياح . الخبر يقول: لقي خمسة أفراد من عائلة واحدة مصرعهم في حادثة بين سيدي بنور و الجديدة (رزق الله ذويهم الصبر والسلوان)، خبر يجلب الحزن ويجعل المشاهد متلهفا لاستعراض ريبورتاجا حول الحادث الأليم...هذا ما لم يحصل، كل ما فعله إعلاميونا الأشاوس أن عرضوا علينا خارطة المغرب وحددوا بالألوان منطقة الحادث، ولا أعرف كيف نسوا رسم خطوط الطول والعرض لنعرف منطقة سيدي بنور من العالم! لم نرى كيف تم التكفل بالضحايا ولم نسمع طبيبا ولم يتم استعراض مستشفيات على غرار ما رأيناه في الحادث الأول. خبر ثالث مصحوب بريبورتاج عقيم تم طرحه بشكل هامشي كذالك - وكأنهم يستفزوننا لنقذف التلفاز بأقرب كأس فارغ - الخبر هو: أن مجموعة من الدور السكنية الترابية سقطت على ساكنيها في إحدى القرى تاركة مجموعة من العائلات مشردة في العراء .الصور المختصرة تظهر امرأة تلملم أغراضها من تحت التراب وتصريحات لبعض المواطنين تم إدراجها بعد التهذيب، ولم نسمع القائد الجهوي للوقاية المدنية يعلق على الحادث ولا هم يحزنون. في خضم هذه الدموية المشمولة بالعنصرية من حيث التعاطي مع الأحداث يزف لنا المذيع خبرا للترويح عن النفس مرفوقا بتقرير يقول فيه: أن وزيري الداخلية والتعليم عاقدان العزم والنية الصادقة لجعل الموسم الدراسي الحالي ناجحا... كيف ذلك؟ العلم لله! فكل ما فهمناه من العبارة هو أن الموسم الدراسي السابق كان فاشلا! وتنتهي الأخبار بعد نهاية النشرة المهزلة هذه، إذا كنت إنسانا فطنا ستجد نفسك أمام حلين ثانيهما أشجع من الأول: إما أن تقنع نفسك باجترار الواقع كأن تقول: إن لله و إن إليه راجعون في موتانا وإعلامنا الذي يصر على احتقارنا.... وإما أن تتأبط عصا من الحجم الغليظ وتتجه إلى عين الشق لتبحث عن المسئول على هذه الأخبار... وبطبيعة الحال عندما تجده لن ترمي العصا وتعانقه بل عليك إنجاز المهمة. فإذا اعتقلوك سنبني لك تمثالا قرب مقر القناة ونعتبرك بطلا أراد تخليص البشرية! فأي الحلين ستختار؟