اتهم الدكتور محمد المعزوز، القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، مؤسسة "رئيس الحكومة" بأنها تشتغل على هامش الدولة، وخارج الدستور المغربي، لأن الشرعية الوحيدة التي تؤمن بها هي شرعية حزب العدالة والتنمية التي تمثله، وتسعى إلى مصادرة شرعية حزب الأصالة والمعاصرة بالدعوة إلى استئصاله". وقال المعزوز، في مقال خص به هسبريس ردا على دعوات سابقة لرئيس الحكومة بأن يحل حزب "الجرار" ذاته، إن حزب العدالة والتنمية كانت أمامه فرصة تاريخية لو استقال من الحكومة بسبب شكاويه من الدولة العميقة، غير أنه غير قادر على تقديم الاستقالة من الحكومة لأنه ألف غواية الحكم". وهذا نص مقال المعزوز كما ورد إلى الجريدة: مؤسسة رئيس الحكومة وسؤال الشرعية ليس يخفى أن بنية الحكومة اليوم، تستفز "أفق انتظار" المواطن من حيث تمثله للمدلولية الفيزيقية والمعنوية لمنزلة "رئيس الحكومة" ، من جهة ما ينبغي أن يكون متوفرا فيها من سمو المعنى المختزل، لدلالة القيادة السياسية المنضبطة لمفهوم الدولة، كنسق سياسي أو "تاريخ كلي" يفترض فيه كثيرا من التعالي الإيجابي عن عصبية المذهبيات أو الإيديولوجيات المنساقة إلى وهم امتلاك الحقيقة، وتلك صفة أساس تتحدد من خلالها " بروفيلات" رجل الدولة، لأن علاقته بالدولة من خلال دور " رئيس الحكومة" هو حمايتها وبناء الكيان السياسي من منظور "الكلية" المبني على أسس الوحدة الوطنية وانسجام المنظومة المجتمعية من داخل تنوعها ومن الاختلاف الإيجابي لمكوناتها، هنا تتحدد دلالة القيادة السياسية باعتبارها مفهوما له صلة بقوة الدولة بتعضيد أدوارها الحيوية في التنمية وترسيخ انسجامها مع المجتمع . كل خروج عن هذه الصفة، هو إخلال بين بمؤسسة "رجل الدولة"، أو قل هو نفس صريح "لأسس الدولة " بلغة ماكس فيبر، لأن الوقوع في خطأ ممارسة دور " رئيس الحكومة" قد يسبب مباشرة في إحداث ارتجاجات للكيان الموضوعي للدولة، وفي خلق احتقانات، ليس ما بين الدولة نفسها والمجتمع،فقط، ولكن في داخل النسيج الإجتماعي ذاته. هذا يعني أن الإطار المرجعي والقصودي لسلوكيات رجل الدولة هو خدمة الأهداف الكبرى للدولة ممثلة في مصلحتها من جهة اعتبارها أعلى تعبير مؤسساتي لمنفعة الجماعة الوطنية . يعلمنا التاريخ، وكان حريا بفاعلينا السياسيين أن يتعلموا منه،أن "الكاردينال ريليشيو"الذي كان رئيسا لوزراء فرنسا (1622) زمن لويس الثالث عشر، وكان كاثوليكيا، قد ميز في مواقف كثيرة ما بين قناعاته السياسية ومعتقداته الدينية، انضباطا لمواصفات "رجل الدولة"، إذ انتصر تكتيكيا وسياسيا، خدمة للدولة،إلى البروتستانتية، وهي غير عقيدته الدينية بإبرام معاهدة مع ملك السويد ضد ألمانيا التي كانت تهدد فرنسا، بدعوى انقاد الدويلات البروتستانتية، لقد تمكن أمام هذه النازلة من خلع عباءة رجل الدين وارتداء جبة السياسي، بالرغم من تخوينه القاسي من طرف السلطة البابوية المطلقة في فرنسا بتهمة الخروج عن العقيدة الكاثوليكية . لقد أصر "ريشيليو" على استكمال مهامه السياسية كرجل دولة خدمة لفرنسا، ولمقتضيات الدولة وحساباتها الخاصة، وهاهنا تمكن من نحث مفهوم سياسي انزاح إلى صفة التاريخانية والكونية،لأنه وضع دليلا مرجعيا لسلوكيات السياسي، إنه مفهوم « raison d'Etat والذي يترجم ب"الأسباب الخاصة للدولة، أصبح هذا المفهوم رديفا "لرجل الدولة" المحنك الذي يترفع عن المصلحة الحزبية الضيقة وعن المرجعيات الأخلاقية خدمة لمصلحة الدولة في علاقاتها بالمجتمع، وتلك أعلى درجات السمو السياسي والأخلاقي . بالانعطاف على سلوكيات رئيس الحكومة في المغرب، يستنتج من التتبع والمعاينة المباشرة أنه لا يتوفر على صفة رجل الدولة، ليس لأنه لم يستطع أن يميز ما بين كونه رئيس الحزب وبذي مرجعية دينية وما بين كونه رئيسا للحكومة فقط، بل لأنه عجز عن إدراك قواعد ممارسة السياسة حيال ظواهر سياسية حاضرة ومتجددة من حوله، ومنها انبثاق دينامية حزبية جديدة قد تكون ممثلة في حزب الأصالة والمعاصرة أو في غيره، لم يدرك رئيس الحكومة فكر الإنسياب السياسي والتحول برؤية شاملة لأسباب تكون حزب الأصالة والمعاصرة وحضوره كحساسية تعبر عن استنهاضها بحمل مشروع فكري ومجتمعي ، مع كل الاختلافات التي قد تثيره وما يترتب عنها من اتفاق أو معارضة . فلما يدعو رئيس الحكومة إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة استتباعا لخرجات غير متزنة في الغرفتين البرلمانيتين، كالتعبير عن استعداده للخروج إلى الشارع والإستقواء المغلوط بالشعب وبادعاء مفرط، فإنه بذلك لا يخل بشرط القيادة ولا يقدم الدليل على العجز عن صوغ خطاب سياسي تراعى فيه « la raison d'Etat « مقرون برؤية للقيادة وبحنكة رجل الدولة الذي يحسن إقامة التوازنات في سياق الشرعية المتوافق عليها من داخل المجتمع عبر الدستور الجديد للبلاد، وإنما نلفيه يؤسس من خلال مؤسسة "رئيس الحكومة" إلى "نفس الأسس" بلغة الأنتربلوجيا، للدولة وللدولة الوطنية، لأنه يؤسس لكوكبة من التناقضات في علاقته بالدولة باعتباره الرجل الثاني فيها (رئيس الحكومة)، وفي سلوكياته وخطاباته التي تنقض الدولة نفسها وتسفهها يوصف هذه الدولة التي يمثل فيها قمة هرمية تشتغل بمحاذاة دولة أخرى تلك التي لم يتعب من وصفها ب "الدولة العميقة". نحن هنا أمام إبهام انطولوجي لمؤسسة رئيس الحكومة، إذ أنها بالمعنى الذي أصبحت تعبر عنه اليوم، فهي تنحو إلى طمس الدولة والاعتداء غير المحسوب على وحدة المجتمع،وحرية التفكير والتعبير. هذا يعني أن مؤسسة "رئيس الحكومة" تشتغل على هامش الدولة، وخارج الدستور لأن الشرعية الوحيدة التي تؤمن بها هي شرعية حزب العدالة والتنمية التي تمثله، بدليل أنها تسعى إلى المصادرة على شرعية حزب الأصالة والمعاصرة بالدعوة إلى استئصاله دونما أي اعتبار لكثير من أفراد المجتمع الذين فضلوا الالتحاق بصفوف هذا الحزب وآمنوا بالاشتغال فيه كحساسية لها حقها في الوجود فكريا ودستوريا. إن إلغاء الشرعيات المنافسة، والتمركز حول الشرعية الوحيدة أسقطت "رئيس الحكومة" في شخصنة ظروف الحزب المنافس واعتماد" خطاب الذبيحة" لطقسنة فوبيا الضحية وهيستيريا المظلومية . كان الأمر مفهوما لما كان حزب العدالة والتنمية في المعارضة، أما أنه اليوم وهو يحكم، ويجتر "اللازمة نفسها" فهذا دليل آخر على أن رئيس الحكومة لم يستوعب الدور الدولتي المنوط به ولا تحكمه ضوابط "رجل الدولة" والوعي بدور المستوعب والمدبر للاختلافات والتدافعات مهما كان مصدرها ونوعها انسجاما مع « la raison d'Etat » ومقتضيات الدستور. أما أنه قد فضل ممارسة غواية الشخصنة، فكان عليه أن يدفع بهذه اللعبة إلى أبعد مداها أن يسمي عرابوا من وصفهم بالدولة العميقة، وأن يكشف عن وجوههم، أن يذكر "غريمه" الأصالة والمعاصرة بالواضح وأن يدبر خلافه معه في نقاش عمومي عادل، أما أن يتخفى في " حفل تنكري" منعما بحبوحة السلطة راضيا أن يكون ملحقة للتنفيذ فقط، ومستعدا للعب أي دور استرضاء للقصر، وفي ذات الوقت يشكك في كل شيء مثله كمثل " من يأكل الغلة ويسب الملة" فهذا أشبع مشهد في "كوميديا سوداء" تعطي الانطباع بأن هناك "نحرا قربانيا" للسياسة كفكر وأخلاق. لقد كان أمام حزب العدالة والتنمية فرصة تاريخية لارتياد مصاف الأحزاب الكبرى المتصفة بالانتصار الواضح لمبادئها ومواقفها، لو استقال من الحكومة شارحا للمغاربة أن هناك دولة عميقة متحكمة ومستبدة، وأن هناك من يفرمل عجلة إعمال الدستور وأن هناك حزبا اسمه الأصالة والمعاصرة وأن هناك ... لو فعل ذلك لكان بحق حزبا يستحق كل الاحترام والتقدير، ولأقام الدليل على صدق نيته وصفاء طويته ونبل سعيه لخدمة الشعب والانتصار للشرعية والمؤسسات ولثقة الناخبين الذين بوئوه المرتبة الأولى في الاستحقاقات الأخيرة . لو أقدم حزب العدالة والتنمية على الاستقالة انسجاما مع أطروحة دعاواه، لحقق انعطافا سياسيا ايجابيا وتاريخيا يؤسس لمرحلة جديدة للممارسة السياسية والحزبية في بلادنا. لكني أجزم صادقا، أنه لا يستطيع، لأنه اختار غواية الحكم!