قصة هزت أكبر مدينة ملاه في العالم إنها قصة حجاب هزت أكبر مدينة ملاه في العالم (ديزني لاند في ولاية كاليفورنيا). القصة انفجرت قبل أسبوعين عندما أصرت ايمان بو دلال الأميركية من اصل مغربي على التحدي، في مخالفة صريحة لنظام العمل في المدينة، فاصرت الادارة على صرفها من العمل. وما حصل أن القضية اليوم أمام القضاء وحجاب إيمان لا يزال على رأسها. إيمان التي حصلت على الجنسية الأميركية قبل شهرين قررت أنها لن تنزع حجابها هذه المرة عندما تقصد مقر العمل. وعندما اقترحوا عليها «حلاً عقلانياً» يقضي بمواصلة العمل لكن في الخلفية المغلقة من مطعم المجمع، بعيداً عن عيون الزائرين، ردت بقوة: الاقتراح مذل... إنهم يقترحون هذا لأني عربية مسلمة، مغربية ومسلمة، إنهم لا يريدون رؤيتي. والقصة من أولها أن ايمان (26 سنة) كانت تعمل في الدارالبيضاء مساعدة مدير قسم التنظيفات وإعادة توضيب الغرف في أحد فنادق المدينة، لكنها هاجرت إلى الولاياتالمتحدة «بحثا عن العدالة الاجتماعية، فلما اختبرتها افتقدتها» على حد ما قالت من ستوديو تلفزيوني لإحدى المحطات التلفزيونية التي كانت تعد معها مقابلة. وروت إيمان أنها لم ترتد الحجاب طوال وجودها في الولاياتالمتحدة التي هاجرت إليها قبل 5 سنوات، ولا حتى في مدينة الدارالبيضاء التي أبصرت فيها النور منذ 26 سنة “لكنني قبل شهرين تأثرت بفتوى سمعتها في إحدى المحطات، حيث ظهر داعية إسلامي وبدأ يشرح أهمية الحجاب وأن المرأة المسلمة تتحدى دينها إن لم تقم بارتدائه، فتأثرت بما قال وقررت التحجب”. وذكرت إيمان أنها تعمل منذ عامين ونصف العام في مطعم “ستوري تيللرز” في ديزني لاند في مدينة مناهيم في جنوب الولاية، وهو المطعم الذي طلبت إدارته منها التوقف عن العمل أو نزع حجابها إذا هي أرادت الاستمرار كملبية للطلبات في مقدمة الواجهة التي تتصل عبرها مباشرة مع الزبائن. وقالوا ان في امكانها الاستمرار في العمل إذا أرادت، ولكن في موقع خلفي من المطعم وبعيدا عن الزبائن “وهو ما أثار حفيظتي وجعلني أشعر بالمهانة التي جرحت إحساسي وعقيدتي الدينية” كما قالت. وكانت ايمان بو دلال درست السياحة والفندقة في معهد في الدارالبيضاء قبل هجرتها واستقرارها في مدينة ماناهيم حيث تقيم في شقة تتقاسمها مع زميلة لها فلسطينية واخرى مكسيكية. وذكرت انها اختارت الهجرة الى الولاياتالمتحدة “لظني انها بلاد حقوق الانسان والعدالة والقوانين التي تسري على الجميع، لكن الامور اصبحت فيها مختلفة على المسلمين بشكل كبير في المدة الاخيرة” وفق تعبيرها بلهجة فلسطينية اكتسبتها على ما يبدو من صديقتها. ليس شلتون المتحدثة باسم نقابة “اتحدوا هنا” التي تنتمي اليها بو دلال والتي تضامنت معها في شكواها قالت: “منذ بداية عملها هنا، تخلع ايمان حجابها قبل التوجه الى العمل، لان ارتداء الحجاب، يتعارض مع النظام الداخلي لديزني لاند”. لكن مؤخراً، مرت الشابة باختبارات عدة، فتحت عينيها، وقررت الاعتراض على النظام الداخلي للمجمع، لانه غير قانوني، وغير عادل، وتقدمت قبل اشهر بطلب للحصول على الجنسية الاميركية، وقد حصلت عليها في حزيران (يونيو) الماضي، وقامت بتبديل وجهة نظرها حيال ارتداء الحجاب، بعد الدروس التي تلقتها، في شأن الدستور الاميركي الذي يدافع بشكل اساسي، عن حرية المعتقد. وفي حوار تلفزيوني، قالت ايمان ان عائلتها اتصلت بها، من الدارالبيضاء، عبر الهاتف، لمساندتها في معركتها مع اكبر مدينة للملاهي في العالم، كما تساندها نقابة “اتحدوا هنا” الاميركية التي قالت في بيان لها: “ان ارتداء الحجاب يتعارض، فعلاً، مع النظام الداخلي لديزني لاند، لكن ايمان تغيرت في المدة الاخيرة، وقررت الاعتراض على نظام المجمع، بعدما درست الدستور والقوانين الاميركية”. وردا على السؤال حول ما ستفعله اذا اصر المجمع على نزع حجابها، اجابت انها سوف تصر ايضا على ارتدائه، وقد تقاضي ديزني لاند على عدم احترام ايمانها وممارستها لمعتقدها الديني. وقالت: “لقد اصبح عمري 26 سنة، وانا ابحث عن عريس. فلو كان الى جانبي زوج لما فعلوا بي ذلك. وانا سأتحداهم وحدي وبحجابي، ولن انزعه لقد هاجرت الى الولاياتالمتحدة بحثا عن العدالة الاجتماعية، فلما اختبرتها افتقدتها”. من جانبها، اصدرت منظمة “كير”، اي “المنظمة الاسلامية الاميركية للدفاع عن الحريات المدنية”، بيانا جاء فيه: “وسط الجدل الحاصل، على الصعيد الوطني اليوم بشأن بناء مسجد جديد في نيويورك، تم فصل بودلال من عملها ثلاث مرات، منذ 15 آب (أغسطس)، بسبب ارتدائها الحجاب. واليوم تقدمت بودلال بشكوى بتهمة التمييز العنصري ضد ديزني لاند، امام اللجنة الاميركية لتكافؤ الفرص في العمل. وقد قررت بودلال تحدي القانون الداخلي للمجمع السياحي، بعدما حصلت على الجنسية الاميركية في حزيران (يونيو) وتعرفت الى حقوقها الدستورية المتعلقة بحرية المعتقد الديني. تجدر الاشارة هنا، الى ان بعض المطاعم، والمنتجعات العربية، بدأت، مؤخرا، ترفع شعار “ممنوع دخول المحجبات”. وتعليقاً على ذلك، قال احد المحللين الاجتماعيين العرب، الذي رفض الكشف عن هويته: نحن نستنكر بشدة عندما تعمد اوروبا الى منع منقبة من المشاركة في بعض الانشطة، او عند حرمان طالبة محجبة من الدخول الى مدرج الجامعة. لكن الغريب ان هذه العنصرية اصابت بعض الدول الاسلامية. فقد منع احد المنتجعات السياحية في مصر، مؤخرا، استقبال المحجبات بشكل قاطع. وبعدما قررت مجموعة من السيدات اقامة حفل عشاء في احد المطاعم “خمس نجوم” فوجئن بسؤال من موظف الحجز في المطعم، عن وجود سيدة محجبة بين المدعوات. وبعد استفسارهن عن السبب، اجابهن قائلاً: “المطعم لا يستقبل المحجبات”. انه الحجاب انه الحجاب الذي يشغل الغرب كله في السنوات الأخيرة ويشكل هاجساً ضاغطاً على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء، وفي تقدير المراقبين أن الغرب أدرك أن حجاب المرأة المسلمة – المسلمة فقط- رمز للتحدي يشكل خطراً على ايديولوجية العلمانية فقرر “حجبه”. ويقول الاسلاميون ان الغرب لا يرى في الحجاب مجرد قطعة قماش على رأس امرأة، وانما رمزاً للثقافة الاسلامية التي تغزوه في عقر داره، وربما رمزاً للتشدد الذي ضرب نيويورك في 11/9/2001 ولا يزال يضرب المصالح الغربية على امتداد العالم كله. يقول أحمد ادريس الطعان (كلية الشريعة- جامعة دمشق) :إن الغرب لا يرى في الحجاب الإسلامي مجرد قطعة قماش تستر شعر المرأة أو رأسها أو وجهها وإنما يرى في الحجاب اختزالاً للحضارة الإسلامية تغزوه في عقر داره. إن الحجاب يعني في المنظور الغربي أن الإسلام كله بقرآنه ومحمده وكعبته يتجسد في قطعة القماش هذه ، وفي هذه المرأة المحجبة التي تخطر في شوارع باريس أو لندن. وإن هذه الصورة تمثل بالنسبة اليه أخطر ألوان التحدي، إنها تذكره بطارق بن زياد وموسى بن نصير وعبد الرحمن الغافقي على تخوم باريس. كما يرى الغرب في المرأة المحجبة وهي تتبختر في شوارع باريس أو غيرها كأنها ترفع راية الإسلام وتدوس قيم الغرب، وتتحدى شعاراته البراقة، وتهزأ بحضارته المبهرجة، وتترفع عن مدنيته الزائفة، إنها تتشبث بأصالتها في وسط المعمعة، وتلتف حول دينها وعفتها وشرفها في وسط تيار جارف من الإغراء واللذة. إن منظرها مثير جداً فهو يشبه منظر الجندي المستميت في وسط المعركة حين يرفع اللواء والرماح تنوشه من كل مكان فيظل ممسكاً به حتى تتقاسمه شفرات السيوف وأسنة الرماح. ويضيف: إن الغرب لا يرى في المرأة المحجبة امرأة بل يرى الإسلام يتحداه في عقر داره ، وقد حاول جاهداً أن يصمت لسنوات محافظاً على قيمه في الحرية، ولكن ضغط الحجاب ودلالاته التاريخية والحضارية، وإيحاءاته الاستفزازية لمظاهر التعري، جعل صبره ينفد فانتهك القيمة الأساسية التي يقف عليها وهي قيمة الحرية وذلك ليوقف هذا المد الإسلامي الخطير. ويضيف من هنا فالمرأة المسلمة في الغرب تؤدي بحجابها دور الداعية الصامتة، إنها ترفع شعار الكيان المستقل وتمثل أمام المرأة الغربية دور “العالم المتميز” فهي كيان مستقل عن عالم الرجال وعالم انثوي متميز عن عالم الذكور. ان المرأة المسلمة بحجابها تحتكر أنوثتها وتمتلكها ولا تبددها في عالم الرجال، إنها تنطوي في داخلها على سر يجب أن يظل مطمحاً لعالم الرجولة تهفو اليه الرجولة فلا تنال منه غلا بقدر ما يتحقق من سعادة وكرامة إنسانية مشتركة. وبصرف النظر عما يقوله العلمانيون وما يقوله الاسلاميون وما يمارسه المتشددون، فإن الحجاب تحول في المرحلة الأخيرة الى رمز وسلاح سياسي في حالات كثيرة، وهو أقرب الى جدار عال على مستوى التفاعل الحضاري المأمول بين الغرب والاسلام. *منشور بمجلة الكفاح العربي