الجزء الثاني 5- المحاكمة الأولى لخيرت ڤيلدرس تمت متابعة خيرت ڤيلدرس قضائيا في الفترة ما بين 2010 و2011، بتهمة نشر والتحريض على الكراهية والتمييز.توبع ڤيلدرس قضائيا بناء على مقال كان قد نشره في جريدة الشعب « Vol Kskrant » بتاريخ 8 غشت 2007، اعتبر فيه الإسلام إيديولوجية فاشية، ودعا فيه إلى فرض حظر على القرآن في هولاندا.أثار هذا المقال ردود فعل قوية، وتقديم دعاوى وشكايات ضد ڤيلدرس لدى الادعاء العام. في مارس 2008، أنجز ڤيلدرس فيلما قصيرا، ينتقد فيه الإسلام ويعتبره دين الإرهاب، واضطهاد المرأة. تظهر في هذا الفيلم ممثلة وقد كتب على ظهرها بالحروف العربية، الآيات القرآنية التي تدعو إلى ضرب النساء لضمان طاعتهن. أثار هذا الفيلم ردودا أقوى، سواء داخل هولاندا أو خارجها. بحيث نظمت احتجاجات ومظاهرات كثيرة، في عدة مدن هولاندية، وكذلك في الكثير من دول العالم الإسلامي كإيران وباكستان وأفغانستان ومصر ودول الخليج. كما نتج عن عرض الفيلم، إصدار تهديدات من طرف حركة طالبان بالقيام بعمليات استشهادية ضد الجنود الهولنديين بأفغانستان، وذهب حزب التحرير إلى تأكيد رده القوي على إهانة الإسلام، كما فرضت إجراءات أمنية مشددة على المصالح والبعثات الدبلوماسية الهولندية في باكستان. كل هذا جعل الوزير الأول الهولندي آنذاك، يتحدث عن "حالة أزمة حادة". في هولاندا، رغم الاحتجاجات والمظاهرات، والشكاوي والدعاوى الكثيرة التي قدمت ضد ڤيلدرس، وحالة اللإاستقرار، قررت النيابة العامة في نهاية يونيو 2008 عدم متابعة ڤيلدرس عن تصريحاته سنوات 2006 و2007 لجريدة الشعب، وعن فيلمه "فتنة"، وعن مقاله. اعتبرت النيابة العامة آراءه عن المسلمين خشنة، هجومية، وساذجة، ولكنها لا تنطوي على إهانة يعاقب عليها القانون، ولا تدخل في إطار التمييز ونشر الكراهية، خصوصا وأنه عبر عن آرائه في سياق الحوار والنقاش الاجتماعي، ولذلك ففي الساحة السياسية، يجب أن تكون حدود حرية التعبير واسعة وغير مقيدة. على إثر قرار النيابة العامة عدم متابعة ڤيلدرس قضائيا، تحركت الكثير من الشخصيات، والجمعيات والمنظمات، التي لم تتقبل هذا القرار، عن طريق تقديم ملتمسات لدى المحكمة العليا بأمستردام، من أجل متابعة ڤيلدرس جنائيا. من بين هذه الشخصيات: المحامي وعضو حزب العمال "إلس لوكاس" « Els Locas »، والمحامي المعروف "جيرارد سبونغ" "« Gerard Spong » ومنظمة "هولاندا تعترف بالألوان" « Nederland Bekent Kleur »، التي تهتم بمحاربة العنصرية. قدمت هذه المنظمة 78 تصريحا لڤيلدرس وأعضاء من حزب الحرية، يمكن متابعتهم جنائيا عليها بناء على القوانين التالية: - الإهانة (المادة 266 من القانون الجنائي). - القذف (المادتين 261-262). - إهانة جماعة (المادة 137c). - التحريض على الكراهية (المادة 137d). - بيانات عمومية وتصريحات تحث على التمييز والتحريض على الكراهية (المادة 137e). - احتقار ديانة (المادة 147). وبتاريخ 21 يناير 2009، قررت المحكمة العليا بأن ڤيلدرس يجب أن يتابع قضائيا على الأفعال المنسوبة إليه، على اعتبار أن مواد القانون الجنائي المجرمة للتمييز والتحريض على الكراهية، تم تشريعها أصلا، في الثلاثينيات من القرن الماضي لتفادي ومعاقبة الحملات الدعائية، والتحريض على الكراهية بين مختلف التوجهات السياسية والدينية والعرقية ضد بعضها (اليهود – المسيحيون – الرأسماليون...). كما ضمنت المحكمة العليا قرارها، إحالة على قضية في التسعينات من القرن الماضي، حيث تمت إدانة سياسيين على تصريحات أقل حدة مما صرح به ڤيلدرس، وخصوصا قضية رئيس حزب الوسط الديمقراطي "هانس يانمات" « Hans Janmaat ». ورضوخا لقرار المحكمة العليا، قررت النيابة العامة متابعة خيرت ڤيلدرس بناء على ما يلي: - حوار في جريدة الشعب حول "تسونامي الأسلمة". - الدعوة إلى فرض حظر على القرآن ككتاب فاشي. - مقال لڤيلدرس حول الغزو الإسلامي لهولاندا. - تصريح بأنه لو كان محمد حيا، يعيش في هولاندا، لطالبت بطرده باعتباره متطرفا. - فيلم "فتنة". تولى الدفاع عن خيرت ڤيلدرس، أشهر محامي في هولاندا "برام موسكوڤيتش" « Bram Moszkovicz »، والذي طالب مرتين بتغيير القضاة. بعد عدد من الجلسات، طالبت النيابة العامة البراءة لڤيلدرس، على اعتبار أنه لم يعمل على إهانة المسلمين أو التحريض على الكراهية والتمييز، وإنما عبر عن رأيه عن الإسلام وليس عن أتباع الإسلام. بتاريخ 23 يونيو 2011، تم الحكم ببراءة ڤيلدرس من كل التهم الموجهة إليه، واعتبرت الكثير من وسائل الإعلام الدولية آنذاك هذا الحكم إعلانا بنهاية التسامح الهولندي، فيما اعتبرته وسائل إعلام أخرى انتصارا لحرية التعبير. 6- قضية هانس يان مات « Hans Jan Maat » توبع "هانس يان مات" عدة مرات في التسعينات من القرن الماضي بتهم التمييز والتحريض على الكراهية، من خلال "تصريحات وخطابات لا تصل في حدتها وعدائيتها لتصريحات خيرت ڤيلدرس. في 28 مارس 1995 حكم عليه بشهرين سجنا وبأداء 2000f كعقوبة على قوله: "هولاندا امتلأت"، يقصد بالأجانب. كما أدين سنة 1997 بتهمة التمييز، لكونه صرح أثناء مظاهرة بأنه إذا وصل للسلطة، فسيلغي المجتمع المتعدد الثقافات، وحوكم بأداء 7500f وبشهرين سجنا، كما فرضت عقوبات على حزبه أيضا. في سنة 1982، حصل هانس يان مات، على مقعد واحد في مجلس النواب، كرئيس "لحزب الوسط"، فأثار هذا الأمر مظاهرات حاشدة في المدن الهولندية، وخصوصا في لاهاي أمام مقر البرلمان الهولندي، كتعبير عن رفض الهولنديين لوصول حزب يميني متطرف إلى مجلس النواب للمرة الأولى، ولما شكل لهم ذلك من صدمة كبيرة. هذا الحزب الذي تحول فيما إلى "حزب الوسط الديمقراطي"، وحصل على 3 مقاعد في مجلس النواب فيما بعد. يعتبر هانس يان مات، أول من أشار إلى رفضه للمجتمع المتعدد الثقافات، لما تشكله الثقافات الأخرى من خطورة وتهديد للثقافة الهولندية. كانت تنظم مظاهرات باستمرار أمام مقر البرلمان لمنعه من الدخول، كما كان النواب والصحافيون ينسحبون عندما يلقي كلمة في مجلس النواب، فيبقى وحيدا في المجلس، يتحدث أمام مقاعد فارغة. تم تقديم دعاوى قضائية ضده لمرات متعددة، وأدين بموجبها 3 مرات، للتحريض على كراهية الأجانب والتمييز. فرض الكل حصارا على هذا السياسي، بما في ذلك المواطنون، الإعلام، السياسيون، والقضاء. من هنا يظهر، التغير الكبير الذي حصل على المجتمع الهولندي بمختلف مكوناته، على مستوى التعامل مع هذه القضايا، وهذا ما نلمسه بجلاء إذا قارننا طريقة التعامل مع هانس يان مات، وطريقة التعامل مع خيرت ڤيلدرس. ثالثا: الطبقة السياسية الهولندية وما يسمونه: "مشكل المغاربة" في هولاندا من يتابع الأخبار القادمة من هولاندا، ويقرأ الجرائد، ويعلم بخفايا الإعلام الهولندي، فسيعتقد بأن النقاش حول المغاربة هو وليد اللحظة، غير أن الحقيقة هي أن هذا النقاش قديم، وقد طفى على السطح منذ 1989، حينما سرب موظفان حكوميان آنذاك للإعلام، بعض التقارير والإحصائيات التي تعتبر المغاربة الأكثر ارتباطا بالإجرام في أمستردام وهولاندا بشكل عام. "مشكل المغاربة"، يتم بيعه للهولنديين، سنة بعد سنة وكأنه مشكل جديد، تم اكتشافه آنيا، لذلك يتم دائما تجديد نفس الموضوع وإعادة صياغته، تحت مسميات مختلفة، وكليشيهات متنوعة، من طرف السياسيين الهولنديين الذي يطلقون على أنفسهم ألقابا رنانة من قبيل: "المحذرون"، "ناطقو الحقيقة"، "الواقعيون"، "المدافعون على الثقافة الهولندية"... هؤلاء السياسيون يستعملون "مشكل المغاربة" لبيعه للطبقات الدنيا من الهولنديين، ولاكتساح الانتخابات، منذ 25 سنة، رغم أنه اكتسب في الوقت الحالي حضورا وقوة وانتشارا أكبر، بحيث أصبح موضوع السياسة والإعلام والمثقفين والمقاهي والشارع، فالمتتبع لما يجري في هولاندا، سيعتقد أنه لا مشكل لهولاندا سياسيا، واقتصاديا واجتماعيا، وثقافيا وأمنيا، سوى "مشكل المغاربة". والسؤال الذي يجب طرحه هو: ماذا تم تحقيقه والوصول إليه بعد سنوات من طبخ هذا الموضوع؟ الجواب: باستثناء الشقوق والاهتزازات على مستوى المجتمع، وفي حق مبادئه وقيمه، لا شيء تحقق. فحسب "فيمكا هيلسما" « Femka Helsema »، الزعيمة السابقة لحزب اليسار الأخضر، فلفي بداية التسعينات، كان المراهقون والأطفال المغاربة الذين نتحاور معهم، مواطنون هولنديون عاديون. فلم يكن هناك، من خلال تصرفاتهم وسلوكاتهم، وردود أفعالهم، ما ينم عن منظور اثني ثقافي أو عرقي. كانوا فقط نتاج طبقات دنيا من المجتمع، وكان ما يقترفونه من أفعال خارج القانون، يفسر فقط بسبب الفقر والهشاشة الاجتماعية. وتواصل زعيمة حزب الخضر، بأن عدم تراجع الإجرام والمشاكل التي تنسب للمغاربة، إنما ناتج عن عدم الاستثمار في تحسين الفرص الاجتماعية لهذه الطبقات الدنيا طيلة 25 سنة، لذلك لابد من إعادة النظر في السياسات، وفي استراتيجيات عمل الأحزاب والحكومات حيال هذه القضية، فلم يعد ممكنا ولا مقبولا مواصلة الإشارة والحديث عن ما يسمى بمشكل المغاربة. 1- خطورة الحديث عن ما يسمى ب "مشكل المغاربة" ڤيلدرس وأنصاره يريدون مغاربة أقل، وبالنظر لهذا الطرح العنصري، فالمدافعون عن هذا التوجه، ومن أجل التخفيف من حدته، يذهبون إلى القول بأنهم يعنون مجرمين مغاربة أقل. بعد الشكاوي والدعاوى التي قدمت ضد ڤيلدرس بعد تصريحاته الأخيرة، لدى النيابة العامة، رأى أنصاره أن يشنوا من جهتهم هجوما مضادا على خصومهم السياسيين، فدعوا إلى تقديم دعاوى لدى النيابة العامة ضد قياديي حزب العمال: « Hans Spekman » و « Diederik Samson »، باعتبارهما أول من دعا إلى إهانة المغاربة في تصريح عمومي، وثاني من تحدث عن خطاب إثني، ومقاربة إثنية لظاهرة الإجرام في هولاندا. غير أن Spekman و Samson، حسب المدافعين عنهما، كانا يقصدان المغاربة الذين لا يحترمون القوانين وقيم المجتمع، كما أن حديثهما عن المقاربة الإثنية ناتج عن التقاء وتفاعل مجموعة من الظروف والعوامل.أصبح إذن، جائزا ومقبولا وشرعيا، أن يصيح زعيم سياسي بأعلى صوته، في مكان عام: هل تريدون مغاربة أكثر أم مغاربة أقل؟ليرد عليه أنصاره بصوت مدوي: أقل، أقل، أقل، أقل...كل هذا إذا تعلق الأمر لمجرمين مغاربة. كما أصبح الأمر شرعيا وجائزا المطالبة بالقضاء على هؤلاء المغاربة إذا تعلق الأمر بمغاربة غير صالحين، مؤذون، لا يحترمون القوانين، رغم أنهم في الحقيقة مواطنون كاملي المواطنة، وفي وطنهم بموجب القوانين وبموجب الجنسية الهولندية التي يحملونها. وفوق كل هذا، يصبح الحديث عن مقاربة إثنية للمشكل، أمرا جيدا ومستحبا، إذا كان ذلك ناتج عن تفاعل والتقاء مجموعة من الظروف والعوامل.لا يمكن تصور، أن يدعو سياسي أمريكي في حوار أو تجمع خطابي إلى القضاء على السود المجرمين، وهم جزء من الشعب الأمريكي.ولا يمكن بتاتا تصور مرشح رئاسي أمريكي، يسأل أنصاره: هل تريدون سودا أكثر أو أقل؟ أو أن يصرح في أحد البرامج، أو لأحد الجرائد، بضرورة تسمية الأمور بمسمياتها، ولحديث عن "مشكل السود". في هولاندا يقع هذا فعلا في الوقت الراهن، فهذا « Jeroen Pauw » و« Paul Witteman » مقدما أشهر برنامج يهتم بالشؤون السياسية على القناة الهولندية الأولى، يؤيدان الحديث عن أن مشكل المغاربة يجب أن يشار إليه وأن يذكر. كما أن الكثير من الأكاديميين والجامعيين والمثقفين والإعلاميين يعتقدون بأن ڤيلدرس على صواب، ويشير بأصبعه للداء من خلال حديثه عن "مشكل المغاربة". كما يدعو أحد خبراء التواصل في هولاندا إلى ضرورة خلق وزارة تتكلف بمشاكل المغاربة. والمثير للاستعجاب، أن الكثير من المغاربة الهولنديين، استولى عليهم هذا الطرح، وتبنوا ما يمكن تسميته "بالمغاربة فوبيا"، ومنهم بعض المتحزبين، وقليل من الوجوه التي يسلط عليها الإعلام الهولندي بعض الضوء، فيسوقون لفكرة الخطأ الذاتي، بمعنى أن كل هذه المشاكل وهذا النقاش وهذا الوضع الغير المستقر، ناتج عن أخطاء المغاربة أنفسهم. هذا التأنيب والنقد الموجه للمغاربة، يعمل الكثير من المثقفين على شرعنته، ففي مقال لأستاذ جامعي في جريدة الشعب (Volks Krant)، يقول بأن الدعاوى المرفوعة ضد ڤيلدرس، لن تؤدي إلى متابعته قضائيا، لأن التمييز على أساس الجنسية لا يعاقب عليه القانون الجنائي الهولندي. مع أن الكل متأكد من أن ڤيلدرس تجاوز كل الحدود في توجهه العنصري الوقح، وفي برنامجه السياسي المبني أساسا على معاداة المغاربة. إن هذا الجو العام الذي يسود كل مكونات المجتمع الهولندي من طبقة سياسية ومثقفين وإعلام وحتى القضاء، سيكون له عواقب خطيرة، وهذا ما يغيب عن تصور ووعي النخب في هولاندا. فمؤخرا، وبعد تصريحات ڤيلدرس الأخيرة عن المغاربة أطلق تاجر مجوهرات الرصاص على مغربيان وأرداهما قتيلان في مدينة « Deurne » جنوب هولاندا. وآثار هذا الأمر مظاهرات حاشدة للمغاربة ومواجهات مع هولنديين متطرفين. وكان الهم، والشاغل الأول للمجتمع هو معرفة هوية هذان القتيلان، فلما تبين أن الأمر يتعلق بمغربيان، تقبل المجتمع ذلك بصدر رحب، بل وأقيمت الحفلات فرحا بذلك. كما تم اختراع لعبة تدعو إلى قتل المغاربة، أما في الفايسبوك والتويتر، فيتم بشكل مسترسل ومتواصل الدعوة إلى القضاء على المغاربة وقتلهم وإبادتهم... إلى غيرها من العبارات، كل ذلك ناتج بطبيعة الحال عن الحديث عن ضرورة تسمية الأمور بمسمياتها، والإشارة إلى ما يسمى "بمشكل المغاربة". إن السياسيين من أصل مغربي في الأحزاب الهولندية، مسؤولون من جهتهم عن هذا التوجه العام، نتيجة أنشطتهم وتصريحاتهم التي تفوق أحيانا تصريحات الهولنديين عدائية وإهانة لبني جلدتهم، خدمة لأجندات حزبية ضيقة، ومصالح شخصية رخيصة. وهذا ما أشار إليه « Peter Breed Veld » وهو صحافي وكاتب من الجامعة الحرة لأمستردام، مهتم بقضايا الهجرة والمهاجرين والتسامح، ومدافع قوي عن المجتمع المتعدد الثقافات، وهو من أشد معارضي حزب ڤيلدرس . فهؤلاء يقومون فقط بقول و فعل ما يريده و يطلبه منهم غيرهم ،و هم مهووسون بهذا الأمر بشكل مستفز. و هم بذلك لا يساهمون و لا يساعدون على حل مشاكل المغاربة ،بل بالعكس يعملون على تكريسها. 2- المغاربة المجرمون، والمجرمون المغاربة في هولاندا، يعيش المغاربة، ويعيش المجرمون، ويعيش غيرهم. بعض المجرمين مغاربة. ولكن ما العلاقة بين الإثنين؟؟ حسب علماء النفس والاجتماع والإجرام، فالسلوك الإجرامي يعود لعاملين أساسيين: عامل نفسي داخلي، يؤدي بالشخص إلى ارتكاب أفعال إجرامية ومخلة بالقانون. وعامل اجتماعي هو نتاج مجموعة من التفاعلات والظروف في المجتمع، قد تؤثر على الشخص سلبا، فتؤدي به إلى سلوك طريق الإجرام. إذن أن تكون مغربيا في هولاندا، فهذا ليس عاملا للإجرام ولا مسببا له ولا تفسيرا له، فالمغاربة المجرمون لا وجود لهم تأكيدا، وبالتالي فلا علاقة للإجرام بأي عامل إثني أو عرقي. فطفل هولندي أشقر، في منطقة محرومة اجتماعيا وتنمويا، ومعزولة أو في حي هامشي، قد يعاني نفس المشاكل التي يعانيها مراهق مغربي في غرب أمستردام، أو في الأحياء الهشة لمدينة أوتريخت أو لاهاي. عادة ما تستعمل الأرقام والإحصائيات من طرف الإعلام والسياسيين لإدانة المغاربة في هولاندا، فيقال مثلا بأن السجون مليئة بالمغاربة، وهذا الكلام يفتقد للمصداقية بشكل مستفز.تتحدث الإحصائيات مثلا عن نسبة 5% من المغاربة، من مجموع 10.000 عشرة آلاف سجين، هم عدد ما تحويه السجون الهولندية. فماذا تشكل هذه النسبة من مجموع السكان المغاربة في أمستردام والبالغ عددهم 70 ألف مغربي، ومن مجموع المغاربة المقيمين في هولاندا البالغ عددهم 370 ألف مغربي.من جهة أخرى، تتحدث الأرقام عن أن نصف عدد المغاربة في المرحلة السنية ما بين 16 إلى 23 سنة، يتواجهون مع الشرطة أو العدالة، مرة واحدة على الأقل في حياتهم. غير أن هذا المعطى أيضا له ما يفسره: فهذه الأرقام لا معنى لها، إذا لم يؤخذ بكل المعطيات المتعلقة بها، والحقائق المرتبطة بها، فما يقارب الربع ممن يتواجهون مع الشرطة هم من الأطفال المستقرين بمناطق هشة وذات كثافة سكانية عالية، ويعيش فيها عدد أكبر من المغاربة، ونتيجة لكل ذلك، فهؤلاء الأطفال يقعون أحيانا في الخطأ، فيجدون أنفسهم في قبضة الشرطة والعدالة. غير أن هذه المجموعة الصغيرة من المغاربة الذين يقعون في الخطأ، هي في جميع الأحوال، تساوي أو تنقص عن مجموع الهولنديين الذين يقعون في الخطأ. وهي ليست مجموعة كبيرة، صادمة، ومثيرة لكل هذا النقاش السياسي على أعلى مستوى في البرلمان والحكومة والأحزاب والإعلام.نقاش، بقدر ما له بعد غير مفهوم وغير مبرر، بقدر ما أن انعكاساته على نسيج المجتمع الهولندي على المستوى المتوسط والبعيد ستكون كارثية وخطيرة. إذن، هل مشكل الإجرام هو مشكل ثقافة وعرق؟ إن الأمر ليس كذلك، وإلا كيف نفسر أن الفتيات والمسنين والراشدين من المغاربة، لا حضور لهم على مستوى أرقام وإحصائيات الإجرام في هولاندا. ومن جهة أخرى ما المبرر لاتهام وإدانة الثقافة المغربية، ونحن نعلم أن هؤلاء الأطفال الذين يقعون في الخطأ هم نتاج صرف لهولاندا، فقد ولدوا على أراضيها، ودرسوا في مدارسها، ولعبوا في أزقة مدنها وحواريها، وشربوا من ثقافتها وقيمها. فأي ثقافة لها التأثير الأكبر على هؤلاء الأطفال؟ هل هي ثقافة وتربية الآباء؟ فهؤلاء الآباء، كما ذكرنا سابقا، لا تذكرهم الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالإجرام بأي سوء، وهذه شهادة حسن سيرة في حق ثقافتهم وهي الثقافة المغربية. ومن هنا، يمكننا القول أن التربية والثقافة الهولندية هي التي يجب أن توضع موضع اتهام وليس الثقافة المغربية. إن الإجرام لا عرق له، ولا لون له، ولا انتماء له، وما يقوم به السياسيون في هولاندا من ربط مباشر بين المغربي والإجرام، ليس له ما يبرره، وينم عن قصور وجهل مطبقين. في الأخير، أود أن أشير إلى رقم إحصائي آخر، فالمغاربة يمثلون 2% من مجموع سكان هولاندا، وإذا سلمنا بأنهم يقعون في المشاكل 4 مرات أكثر، فبعملية حسابية بسيطة، لن يكونوا مسؤولين إلا عن 8% من مشاكل هولاندا المتعلقة بالإجرام، وهذا يعني بأن 92% من هذه المشاكل يسأل عنها الهولنديون، ومنهم ڤيلدرس. إن هذا الخطاب المعقول، يصعب تصديره والترويج له سياسيا في هولاندا في الظروف الحالية، رغم أنه عين الحقيقة.