بتاريخ 12 يناير 2010، نشرت الجريدة الأولى في صفحة الرأي (عدد: 506) مقالا لأحمد عصيد، تحت عنوان " أسئلة الإسلام الصعبة" ، قد يصدم الكثير من القراء والباحثين لجرأته، إذ يبدو لأول مرة بالمغرب تتم مساءلة النص القرآني بشكل صريح، وتحميله مسؤولية انتشار ثقافة العنف ومسلكيات الإرهاب التي تتمثلها مجموعات تتشبث بالمرجعية الإسلامية. وأحمد عصيد مثقف أمازيغي معروف بنزعته العلمانية المتطرفة، وبالرغم من تكوينه الفلسفي، فكثيرا ما تعوزه الموضوعية في نقده للإسلام السياسي، وانتصاره لما أصبح يصطلح عليه بالمرجعية الكونية. كما أنه يغلف مقالاته بالكثير من الاتهامات المجانية لناقديه، كما هو الشأن في المقال الأخير الذي نشرته الجريدة الإلكترونية "هسبريس" تحت عنوان "عودة إلى أسئلة الإسلام الصعبة". أسئلة الإسلام الصعبة: تتلخص الأسئلة التي يطرحها عصيد على الفاعل الإسلامي، مثقفا كان أو سياسيا أو مفكرا في محورين: الأول سؤال العلاقة مع الآخر، ودور النص الديني في تأجيج هذه العلاقة. فإذا كان الإسلام دين التسامح والوسطية والعدل كما يزعم معتنقوه، لماذا تتسم سلوكياتهم، فيما بينهم، ومع الآخر، بالعنف والهمجية والتخلف ؟! كلا الفريقين:المعتدلون والمتطرفون يغترف منه، ويستشهد به لتبرير مواقفه وسلوكياته.. ألا يطرح هذا إشكالية التعارض بين مكونات النص ذاته ؟! وما المانع من أن نتخلص من النصوص التي تسوغ إيذاء الناس والإضرار بمصالحهم ؟ تلك النصوص التي نشهرها في وجوههم حال القوة، ونخفيها عنهم حال الضعف. والثاني يسائل شعار " الإسلام صالح لكل زمان ومكان" : فهذا الشعار الذي يرفعه الإسلاميون اليوم، ويقفزون على التطور الهائل الذي أحرزته البشرية مئات السنين منذ نزول النص القرآني، ويحشرون الدين في معترك " السياسي اليومي" بصراعاته وتناقضاته، ثم يرفضون توجيه النقد لمضامينه ونصوصه التي يراد تطبيقها في حياة الناس ! كيف يستقيم هذا ؟ اللهم إذا كنا نمهد لإقامة " الدولة الدينية" التي تحكم بالحق الإلهي والتي تخلص منها الغرب بعد حروب وفتن ومطارحات دامت مئات السنين، حتى استقل العقل عن اللاهوت في تدبير الشأن العام وأحرز هذا التقدم الهائل الذي لا ينكره إلا ضرير أو مريض نفسيا ! ! . المقدمات الضرورية: وقبل الإجابة على هذه الأسئلة، نورد بعض المقدمات النظرية الضرورية، للعودة بالنقاش إلى أصوله الأولى. المقدمة الأولى : إن محمدا صلى الله علي وسلم صادق فعلا في دعواه أنه نبي مرسل من عند ربه، كان يأتيه بالوحي ملك موكل بهذه المهمة اسمه جبريل، كما هو الحال بالنسبة لسائر الأنبياء قبله، ثم بعد ذلك هو خاتمهم، استوفت رسالته مراد الله من عباده إلى يوم يلقونه فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته،وبالتالي لاخيار لنا معشر المسلمين إلا أن نتأمل في ماجاء به ولا نوليه ظهورنا. وهذه المقدمة سنبرهن عليها في آخر المقال بأدلة عقلية قطعية، نفترض حاليا صحتها، ونبني عليها أسئلة ونتائج . المقدمة الثانية: القرآن الذي جاء به هذا النبي وجسده في حياته من خلال سيرته في أفعاله وأقواله وتقريراته وسائر أخلاقه، مازال محفوظا لم يتغير فيه حرف ، بخلاف الكتب التي كانت قبله وطالها التحريف والتبديل،و ذلك بناء على المقدمة السابقة، إذ لو فرضنا ضياع الوحي أو تبديله أو تحريفه، لكان التكليف به من باب العبث، حتى يأتي من عند الله من يصححه كما فعل بالتوراة والإنجيل، ولما سبَقنا في المقدمة الأولى أن هذا النبي صادق في زعمه خاتم الرسل، سقطت فرضية التبديل أو التحريف. المقدمة الثالثة : نرى بعض التكاليف التي تعتبر أركان الإسلام التي يقوم عليها، لا ذكر لتفاصيلها في القرآن، وإنما جاءت مفصلة في السنة، كهيئة الصلاة وأنصبة الزكاة وصيام رمضان ومناسك الحج، والقرآن أكد على أهميتها. فعلمنا أن هناك أصلا مكملا لهذا القرآن وهو السنة، فلو ضاعت كلها لضاع هذا الدين، ورفع بذلك التكليف الذي هو المقصود من ابتلاء الناس بالإيجاد. يقول الإمام الشاطبي: إن حفظ الذكر أي القرآن في قوله تعالى : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} يقتضي حفظ بيانه وهو السنة، المذكور في قوله تعالى : {ونزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} ،فحفظ المبيَن أي القرآن يستلزم حفظ بيانه وهو السنة. المقدمة الرابعة: هناك مجالات لا يطالها التغيير أو التطور، يفهمها العقل كما فهمها السلف دون زيادة أو نقصان، لأنها خارجة عن متناول العقل بالاجتهاد، وإن كانت حكمتها أو آثارها النافعة للإنسان واضحة وهي أصول الدين، منها : أولا : ما يتعلق بصفات الله وأسمائه وأفعاله، والبعث والنشور والحساب والميزان والصراط والجنة والنار والملائكة والجن، وكل ما ذكر في القرآن وصحيح السنة من الغيبيات التي لا مجال لمعرفتها إلا بواسطة الوحي الصحيح،فهذه قديمة لايطالها التحديث،وقواعد السلف في فهمها سليمة لامزيد عليها.واختلاف الفرق قديما حولها من أسباب تخلفنا. ثانيا: العبادات المحضة، وهي طرق التقرب إلى الله بالقيام والسجود والركوع والنذر والصيام والنسك والحج ... إلخ مما لا تعقل كيفياته وأعداده وأوقاته،قد حددها الشارع، وكل إضافة في هذا المجال من البدع السيئة، وضياع للجهد الذهني فيما لا طائل وراءه،والإشتغال بتلك البدع فوت على الأمة فرصة الإبداع في ميادين العلم والأدب والفنون. المقدمة الخامسة: أمهات الفضائل كالصدق والعدل والشجاعة والحلم والصبر والحياء وما يتولد عنها، قيم ثابتة جاء بها الوحي فحسنها وصدقه العقل الصريح. وكذلك أضدادها وهي أمهات الرذائل كالكبر والكذب والظلم والجبن، وما يتولد عنها من فواحش، قبحها الشرع وصدقه العقل، وحكمها ثابت أيضا على مر الدهور والآباد لا تتغير ولا تتبدل ولا تتطور،والحداثة جاءت بما يناقض الفطرة في هذا المجال،فكانت من أسباب شقاء إنسان هذا العصر. المقدمة السادسة: كليات الدين ومقاصده، ومنها حفظ الضروريات الخمس، ثابتة باستقراء جزئيات الوحي، ولها حكم القطعي، ويمكن للعقل أن يضيف إليها كليات وقواعد ومقاصد أخرى تأخذ هي الأخرى صفة الثبوت والقطعية متى تم استقراؤها من جزئيات عدة،وهذا مجال للاجتهاد واسع. المقدمة السابعة: المقدمات الست السابقة عليها مدار الدين، وتمثل أصله وجوهره، بها يميز ميزان الشرع بين الضال والمهتدي، وبين المحق والمبطل الذي في قلبه زيغ ! . سؤال السياسة: أما السياسة والعمران ، فمجال العقل فيها أوسع من مجال النص، لأنها خاضعة لمتغيرات الواقع والخصوصيات الثقافية، ومن أدخلها في مجال الثابت فقد جنى على الدين وأهله، وظلم واعتدى، مثله مثل من أخرج تلك الثوابت إلى مجال المتغير. فالسياسة في الإسلام وسيلة لتحقيق بعض المقاصد الكبرى كإقامة العدل، ونشر الدعوة، وتعظيم شعائر الله ، فلها حكم الوسيلة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب... وإقامة الصلاة أهم من إقامة الدولة بالمعايير الدينية، فمن مات مقيما للصلاة على وجهها، جاهلا بالسياسة ودهاليزها كان من الناجين، ومن شغلته السياسة عن إقامة الصلاة كان من الخاسرين،وهذا مما لاخلاف حوله. والحاصل أن الاشتغال بالسياسة من فروض الكفاية، إذا قام به البعض سقط الإثم على الباقين... ولكن : هل معنى هذا أن نترك تدبير الشأن اليومي للعلمانيين الذين يفصلون الدين عن الدولة ؟! ونشتغل نحن الإسلاميين بإصلاح نفوسنا وأهلينا، ونولي وجوهنا شطر المسجد الحرام ؟! وكفى الله المؤمنين شر الاقتتال على المناصب !! . وهل ستتركنا السياسة وشأننا؟! أم أنها ستقتحم علينا بيوتنا ومساجدنا ومدارسنا وأسواقنا ؟! ألم يغير "أتاتورك"/ تركيا أب العلمانية الحديثة صيغة الأذان ولغته ؟! ألم يستبدل الحرف العربي بالحرف اللاتيني ليكون حاجزا بين المسلم التركي وفهم كتاب ربه ؟! ألم تفرض العلمانية في تونس وتركيا على نساءنا السفور ؟! ألم تقتحم علينا بيوتنا بإشهارها الفاسق، وأفلامها ومسلسلاتها الماجنة التافهة ؟! ألم يحرض العلمانيون ورؤساؤهم على الإفطار في شهر رمضان جهارا نهارا ؟ ألم تتدخل العلمانية بين المرء وزوجه من خلال تبديل وتغيير قوانين الأحوال الشخصية، وهي محسومة بنصوص قطعية ؟! ألم يطالب العلمانيون عندنا بتقنين الزنا والشذوذ الجنسي والتطبيع مع هذه الموبقات وبيع الخمور سرا وعلانية ؟ ! ألا نخاف على فلذات أكبادنا من هذا الطوفان الجارف باسم الحريات الفردية والحداثة ؟! ألا نخشى عليهم إن نحن تركنا السياسة وشأنها أن تقصي العلمانية النصوص الدينية من البرامج التعليمية بصفة نهائية ؟! أو تؤولها تأويلا فاسدا مفسدا، يخدم أجندتها، كما فعلت في دول قريبة منا ؟ !.ألم يستهزئ الحداثيون بالأنبياء والرموز الدينية باسم الحداثة ويجدون سندا من الساسة العلمانيين؟... إن خوف العلمانيين من " الدولة الثيوقراطية" التي تحكم بالحق الإلهي لا يوازيه إلا خوف الإسلاميين من " الدولة اللادينية " التي تحطم كل شكل من أشكال التدين ... ولنا في تركيا/ أتاتورك وتونس/ بورقيبة خير مثال... في ضبط علاقتنا مع الآخر إن النص الذي يضبط علاقتنا بالآخر في حالتي السلم والحرب هو قوله تعالى في سورة " الممتحنة" : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم. ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون } ( الآيتين: 7 و 8). فأي وضوح أكثر من هذا، وأي عدل أعظم من هذا ؟! الذي يعرفه عصيد وغيره أن المسلمين اليوم يعيشون ارتباكا شديدا في معظم أوجه نشاطهم الثقافي والسياسي والاقتصادي والعلمي لأسباب لا دخل للنص الديني في واحدة منها. السبب الأول : تخلفهم عن ركب الحضارة الإنسانية خصوصا في شقه التقني، وهو مصدر ضعفهم وتجرؤ الأعداء عليهم،وأسبابه التاريخية والحضارية معروفة ليس هذا مجال التفصيل فيها. السبب الثاني: تمزق إمبراطوريتهم إلى دويلات " سايس بيكو" تحكمها أنظمة ديكتاتورية بأصباغ ديموقراطية. السبب الثالث: كون بلادهم مصدر الطاقة والنفط الذي يعتبر شريان الاقتصاد العالمي، مما جعلها محط نزاع دائم بين قوى الهيمنة العالمية. السبب الرابع : غرس كيان غاصب في قلب بلادهم، الكيان الصهيوني الذي لم يأل جهدا في ضرب كل مقومات النهوض والوحدة والتفوق التكنولوجي، مسندا من أقوى دولة في العالم !. هذا المناخ العالمي المتسم بالظلم والاستعلاء وامتصاص خيرات هذه الأمة وضرب كل مقومات التفوق عندها، واحتلال أراضيها، أفرز اجتهادات متباينة في تقييمه وتغييره أ وإصلاحه ومواجهة تحدياته. فالمسلمون الذين يعيشون تحت نير الاحتلال البغيض يستدعون من النص الديني ما يسعفهم لمواجهة الاحتلال باستعمال العنف المشروع وهو سلاح المقاومة، والذين يعيشون في كنف أنظمة ديكتاتورية كليانية لا تسمح بأي شكل من أشكال الحرية في العمل السياسي أو النقابي أو المدني إلا في حدود تمجيد الحاكم المظفر، فإنهم يستدعون من النص الديني والسيرة النبوية فترة الدعوة السرية، فينتظمون في إطار سري غالبا ما يكون بعيدا عن أعين العلماء ، فيضعون النصوص في غير موضعها، ويفاجئون الدولة ورعاياها بما لم يكن في الحسبان ! والمسلمون الذين يعيشون في بلاد شبه ديموقراطية تسمح بأشكال من التعبير السياسي والنقابي وتفتح قنوات لحرية الصحافة، يستدعون من النص الديني ما يسعف اجتهاداتهم في المشاركة السياسية ويستبعدون العنف لعدم الحاجة إليه ، وهم في ذلك كله يصيبون ويخطئون، سواء في تقييمهم للواقع أو في تنزيل النص عليه. وهكذا تتباين الاجتهادات في فهم النص بتباين مواقع تنزيلها، فتناقضات الواقع هي التي تتحكم في اختيار النصوص التي تسعف في التعامل معه، وقد اختلف كبار الأئمة المجتهدين ونشأت المذاهب الفقهية والكلامية، ولم يخطر ببال أحد منهم أن هذا الاختلاف يطرح مشكل التعارض بين النصوص، بل إن الإمام الشافعي وهو أول من وضع أصول الاستنباط الذي سيعرف فيما بعد بأصول الفقه، كان له مذهب قديم بالعراق وجديد بمصر! وتجد في المسألة الواحدة في المذهب الواحد عدة أقوال، قد تصل أحيانا إلى سبعة أو أكثر! وهذا من حيوية وثراء الفقه الإسلامي. والاختلاف بين المذاهب السياسية اليوم يشبه الاختلاف بين المذاهب الفقهية التي اعتنت بالأحكام الشرعية. وكما هو مرفوض الاجتهاد في المجال الفقهي من عديمي الاختصاص، فإنه من باب الأولى أن يكون مرفوضا - باسم الدين – في المجال السياسي ممن لا إلمام له بقواعد الاجتهاد ومقاصد الشريعة وأحوال العالم، لأنه قد تترتب عليه أمور بالغة الخطورة فيما يتعلق بالأمن والاستقرار وأرواح الناس الأبرياء !! والأمن من أعظم مقاصد هذه الشريعة الغراء. قال تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف { إنني عندما أتأمل السلوك الهمجي للجندي الأمريكي أو الأوروبي في العراق أو أفغانستان أو الصومال أو غيرها من البلدان، وكذا عندما أتأمل سياسة الكيل بمكيالين تجاه قضايانا نحن المسلمين التي ينتهجها الغرب الصليبي، فيحاصر شعب أعزل في قطاع غزة، ويمنع عنه الدواء والغذاء والهواء، لأنه اختار باسم الديموقراطية حاكمه من حركة حماس التي تقاوم الاحتلال، لا أرجع ذلك إلى القيم النبيلة التي أنتجها الغرب وعلى رأسها الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان ! ولا أرجع ذلك إلى التناقض المفترض بين ثنايا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فأطالب بحذف نصوصه والتخلص منها ، لأن واضعيها استنبطوا منها همجيتهم في "أبو غريب" و"غوانتنامو". ولكني أميز جيدا بين نص الإعلان العالمي وبين السلوك الهمجي لمن يفترض فيهم احترامه أولا بأول، ذلك السلوك الذي أرجعه إلى غريزة التسلط وشهوة التجبر والاستعلاء واحتقار الآخر، وإذلاله من خلال اغتصاب أرضه وعرضه، تلك الشهوة التي كانت مكبوتة بين جدران البلاد التي تحترم الإعلان العالمي وتعاقب من يخرج عليه، فلما خرجت من القفص، عادت إلى طورها البدائي الذي تتحكم فيه الغريزة، كما حصل في البوسنة والهرسك وفي الشيشان، ويحصل اليوم في العراق وأفغانستان وغيرها !! وهنا يأتي دور الدين في تهذيب الغريزة وإعلاء شأن الروح، فلا طغيان ولا تجبر ولا استعلاء.المشكل لايكون دائما في النص،حتى وإن كان من صنع البشر،وهذه دول علمانية ترفع شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان،تكبت شعوبها وتحتقر رعاياها،فهل المشكل في المبادئ المعلنة أم في النفوس المريضة أم في الشعوب المستكينة أم في أنصاف المثقفين والشياطين الخرس؟ سؤال الإسلام صالح لكل زمان ومكان السؤال الثاني الذي يطرحه عصيد في أسئلته "الصعبة"، يتعلق بشعار" الإسلام صالح لكل زمان ومكان" الذي يرفعه الإسلاميون، ويقفزون على التطور الهائل الذي أحرزته البشرية مئات السنين بعد نزول النص القرآني، ويحشرون الدين في معترك "السياسي اليومي" مع ما يحمله من صراعات وتناقضات، ثم يرفضون توجيه النقد لمضامينه ونصوصه التي يراد تطبيقها على الناس ، فهل هذا إلا تمهيد لإقامة " الدولة الدينية" التي تحكم بالحق الإلهي، والتي تخلص منها الغرب بعد حروب وفتن ومطارحات دامت مئات السنين، حتى استقل العقل عن اللاهوت في قيادة الإنسانية فأحرز كل هذا التقدم الهائل في شتى المجالات ؟!. أولا لم تقم أي معركة في تاريخنا بين رجال الدين وعلماء الدنيا كالذي حصل في أوربا العصور الوسطى. ثم إن المسلمين أو الإسلاميين الذين يرغبون في المشاركة في الحكم وهذا حقهم، ليسوا ملائكة،ولا يزعمون أنهم سيحكمون بالحق الإلهي، بل لا يستحضرون دائما خشية الله عز وجل، إنما سيلجون ميدان السياسة مثقلين كسائر البشر بشهواتهم ومصالحهم ونزواتهم ورغباتهم الصغيرة، لكنني أجزم بأن الوازع الديني وحده المعول عليه في إضعاف شهوة الفتك بالمال العام الذي يعتبر أحد النقط السوداء في صحيفة من تحملوا تدبير الشأن العام من إخواننا العلمانيين !! وهذه هي القيمة المضافة التي سيحملها من يلج هذا الميدان باسم الإسلام. ثم إن صلاحية النص لكل زمان ومكان لا تعني صلاحية الاجتهادات السابقة لزماننا هدا،فقداسة النص الإلهي لا تنسحب على اجتهادات البشر. ومن قال أن الإسلاميين سيرفعون " الڤيتو" باسم " المقدس" في وجه من ينتقد سياساتهم، أو يجرهم للمساءلة ؟! إنهم بشر ممن خلق، يصيبون ويخطئون في اجتهاداتهم، وإذا كان الله قد تجاوز على المجتهد في كلا الحالتين، فهو يدور بين الأجر الواحد والأجرين، فإن حق الناس مبني على المساءلة، ورد الحقوق لأهلها، والمعاقبة بنزع الثقة من المخطئين والخطاءين على حد سواء.