أخيرا أعلن عن ميلاد الهيئة المغربية لحقوق ( الإنسان ) من طرف التيارات والتنظيمات التي انسحبت من أشغال المؤتمر الثامن للجمعية المغربية ل ( حقوق الإنسان )وهي ( حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ) ، ( اليسار الاشتراكي الموحد ) ، ( المستقلين ) وفرع الجمعية المغربية ل ( حقوق الإنسان ) الذي كان محسوبا على تنظيم ( النهج ) الدي ( مقرا طي ) في فاس ، متهمين قيادة الستاليني أمين ومن معه بالاستحواذ على الجمعية وتحريفها عن أهدافها ( النبيلة )التي نشأت من اجلها في بداية السبعينات من القرن الماضي . وللإحاطة علما فان العمل في ميدان حقوق الإنسان كان يعتبر من قبيل التنظيمات اليسارية والتنظيمات القريبة منها عملا برجوازيا يمينيا يخدم المخططات الامبريالية الأمريكية في حربها ضد ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي السابق ، من خلال التأثير على مواقف تلك الكتلة باستعمال ورقة حقوق الإنسان بخصوص قضية المنشقين وعلى رأسهم العالم ساخاروف ، والضغط لتسهيل عملية هجرة اليهود السوفيت الى فلسطينالمحتلة . واستعمل سلاح حقوق الإنسان من طرف الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية لمواجهة النظام السياسي الماوي في الصين الشعبية ، خاصة بعد أحداث ساحة تين يانمين التي تظاهر فيها الطلاب والمنفرين من سياسة بكين . وبقدرة قادر وبعد الإفلاس المدوي الذي أفضى الى انهيار المعسكر الاشتراكي ، بحيث لم يبق للرفاق عظم ليكديدوه ، وجدوا في حقوق الإنسان عظما جديدا ينسيهم الهزائم ، ويمكنهم من مواصلة الحصول على المساعدات المالية السخية من طرف الغرب الذي رغم تلك المساعدات فانه يأتي على رأس الأجندة التي تحظى بانتقادات من طرف تيارات حقوق الإنسان العاملة بالجمعية المغربية لحقوق ( الإنسان ) ، وهو ما تجلى في موقفهم المتخاذل من الاسلامويين المعتقلين بخلاف دفاعهم المستميت على كل ما يناقض الخصوصية والهوية وثوابت الأمة . الأمر الذي يجعل تحركهم باسم حقوق الإنسان مسخرة فطنت لها جل التيارات والهيئات التي تهتم بعمل الجمعية المغربية ل (حقوق الإنسان ). لقد أدى انسحاب التنظيمات السياسية من أشغال مؤتمر الجمعية ، ثم من الجمعية ، وتأسيسهم لإطار جديد خاص بهم الى طرح جملة من التساؤلات حول سبب الانسحاب ، وحول ما إذا كان الانسحاب وتأسيس إطار جديد يضيف قيمة مضافة لعمل حقوق الإنسان ، ام انه ، أي الانسحاب يبقى مجرد رقم لا يختلف عن عدد فقاعات حقوق الإنسان التي تزخر بهم ساحة حقوق الإنسان الوطنية ؟ ان السؤال الذي نطرح هنا . اذا كانت الأقلية المنسحبة من الجمعية لم تستطيع الدفاع عن مكانتها داخل الجمعية ، فكيف لها ان تبرع في ما فشلت فيه لما كانت تناضل داخل الجمعية ؟ وهو ما يعني ان الانسحاب وتأسيس إطار جديد لا يمكن اعتباره قيمة مضافة في عمل حقوق الإنسان ، بقدر ما هو رقم من الأرقام التي تعج بها الساحة . ومن ثم فان سبب الصراع داخل الجمعية لا يرجع الى اختلافات تنظيمية او مذهبية باعتبار ان الجمعية تعمل في ميدان الحقوق التي من المفترض ان يكون لها معنى واحد وفهم واحد ، كما ان سبب الصراع لا يرجع الى اختلاف الموقف من قضية الصحراء المغربية حيث يناصر النهج الدي(مقراطي) الاستفتاء لتقرير المصير المغلف بتعبير الحل ( الديمقراطي ) ،لكن ان أصل الصراع هو بين الأقلية التي تطالب بنظام المحاصصة أي الكوطة لتوزيع مقاعد المسؤولية ،وهو الطرح الذي يتنافى حتى مع مبدأ النسبية التي يمكن كل فصيل من تمثيلية تناسب قوته وعدده لإصدار التقارير واخذ المواقف بصيغة تشاركية ، وبين الأكثرية المتشبعة بروح الهيمنة ، والتي لا تردد في تحكيم صناديق الاقتراع والتصويت بدعوى احترام الأغلبية ، ما دام ان هذا الأسلوب الديمو-ديكتاتوري يخدم مخططاتهم الآنية والمسقبيلة . ان أصل الصراع هو من اجل الهيمنة والاستحواذ والتفرد بالمسؤولية بين دكتاتوريين قوميين بعثيين ماركسانيين عروبيين ( حزب الطليعة ، اليسار الاشتراكي الموحد ) وبين دكتاتوريين ستالينيين النهج ( الديمقراطي ) ، وهو ما يعتبر امتدادا للصراع الذي كان يدور في رحاب منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منذ المؤتمر الوطني الثالث عشر الذي عرف بروز النواة الماركسية الأولى التي انسحبت من حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، الى المؤتمر الرابع عشر الذي سيطر فيه نفس الحزب على النقابة ، الى المؤتمر الخامس عشر الذي عرف وصول الجبهة الماركسية اللينينية الى القيادة ، ثم المؤتمر السادس عشر والمؤتمر السابع عشر الذي عرف أزمة تنظيمية لا تزال آثارها جلية للعيان الى اليوم . كل هذا الصراع كان بسبب حب الهيمنة والاستحواذ والسيطرة ومن ثم إضعاف الطرف الآخر بجعله تابعا عبدا يختص بتمرير التقارير بالتصفيقات . الآن كيف سيكون الوضع بالنسبة للجمعية المغربية لحقوق ( الإنسان ) مستقبلا ، على ضوء الانسحابات ، وعى ضوء تأسيس المنسحبين ل ( الهيئة المغربية لحقوق الإنسان ) ؟ بالنسبة للجمعية المغربية : لقد تعرت وضعيتها أمام الجميع حكاما ومحكومين ، بحيث ضاعت منها التغطية القانونية والسياسية التي كانت تضفيها عليها المكونات المنسحبة ( حزب الطليعة واليسار الاشتراكي ) .فرغم حصول النهج( الديمقراطي )على ترخيص وزارة الداخلية بالعمل ضمن قانون الحريات العامة ، فان الدولة عادة ما تتجنب محاورة النهج بسبب الموقف العدمي من الصحراء المغربية ، وبسبب المواقف المتطرفة من الثوابت ، بحيث لا يختلفون هنا عن جماعة العدل والإحسان إلا في خصوص المرجعية ( اسلاموية تنادي بالخلافة – عبدالسلام ياسين- والجمهورية – نادية ياسين ) و( ماركسية تنادي لجمهورية ديمقراطية شعبية) . لذا فالدولة كانت تفضل المنتسبين الى ( حزب الطليعة واليسار الاشتراكي ) في إجراء الحوارات . وعليه ومن منطلق هذه الحقيقة ،لم تعد الجمعية المغربية لحقوق ( الإنسان ) جمعية وطنية تتشكل من مختلف التنظيمات التي توظف مادة حقوق الإنسان في عملها الدعائي ومن اجل ابتزاز الدولة ، بل أصبحت جمعية للنهج (الديمقراطي) تتحرك باسم حقوق الإنسان المفترى عليها في الخطابات التي تعمل على الاصطياد في المياه العكرة . ومن ثم فان حرمان جمعية الرهج من التغطية الحزبية التي كانت توفرها التنظيمات المنسحبة ، جعل الجمعية ومن خلال الرهج تكون جمعية سياسية وليست حقوقية ، وهذا سيجعل وضع الجمعية والرهج جد مرتبك وغير محسود عليه . الآن ومن هذه الحقيقة فان أي تهور من طرف حركة الرهج او من طرف جمعيته السياسية التي تتحرك باسم حقوق ( الإنسان ) بخصوص التعامل مع الثوابت والمقدسات خاصة الاستمرار في تدعيم أطروحة الانفصال في الصحراء والتخندق الى جانب أطروحات الجزائر والبوليساريو ، والاستمرار في تأييد الانحرافات التي تتعارض مع إسلام الدولة ..لخ سيجعل المواجهة مباشرة بين الدولة وبين الرهج وجمعيته السياسية وليس الحقوقية . ان النتائج السلبية التي ترتبت عن رفع شعار تقرير المصير في الصحراء في المؤتمر الوطني الخامس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد في 11 غشت 1972 والذي أدى إلى منزلقات توجت بقرار حظر ( ا و ط م ) في 24 يناير 73 تلقي بظلالها وبشكل أكثر تأكيدا في علاقة الرهج وجمعيته مع الدولة . ان أي خطا ستكون نتائجه جد مكلفة . اما عن ( الهيئة المغربية لحقوق الإنسان ) فسوف لن تختلف عن الجمعيات المختلفة التي تتحرك باسم حقوق الإنسان ، أي ان الهيئة لن تضيف قيمة مضافة للعمل الجمعوي في ميدان حقوق الإنسان ، بل ستكون هيئة من سائر المنظمات والمراكز والجمعيات تابعة لتنظيمات سياسية وليس إطارات مستقلة هدفها الأول والأخير خدمة حقوق الإنسان .