كان الكاردينال "مازاران" يفكر منذ 1655 في إنشاء شركة تجارية في جزر المزمة الواقعة تحت سيادة المغرب، فعين القنصل لامبير لمناقشة الموضوع مع المملكة المغربية. وفي سنة 1666 قدم السفير الفرنسي رولاند فريجيس من المزمة على السلطان المولى الرشيد، وقدم له رسالة من ملك فرنسا. وأتى جواب المولى الرشيد سريعا، ومما جاء فيه: "وبعد فقد بلغنا كتابك وفهمنا ما فيه من طلبك. الأمن لمن أراد من رعاياك التجارة في بلادنا، فقد أعطينا الأمان لكل من أتى من بلادنا ومن سيأتي من جهتك بقصد التجارة...". وأشار ألفريد بيل في كتابه "نقوش عربية بفاس" إلى بعثة القنصل رولاند فريجيست لدى السلطان المغربي المولى الرشيد، وعن الاتفاقية التي تمت معه باسم ملك فرنسا لويس الرابع عشر، كما أشار إلى العلاقات التي ربطت بين صهر المولى الرشيد، وبين شركة تجارية ضمت شخصيتين فرنسيتين وأخرى إنجليزية. بداية المفاوضات بعد إنشاء هذه الشركة استمر المولى الرشيد ولويس الرابع عشر في تبادل المراسلات. هكذا جاءت رسالة من ملك فرنسا في فبراير من سنة 1672 إلى المولى الرشيد، يوصيه فيها بمبعوثه روى صامويل الذي كلفه بالمفاوضة في شأن تبادل الأسرى، لكن الموت كان أسرع من هذه الرسالة إلى المولى الرشيد الذي توفي بمراكش في أبريل من سنة 1672. ما جعل لويس الرابع عشر يحرر كتابا مماثلا إلى السلطان الجديد المولى إسماعيل، يهنئه فيه بالتربع على العرش ويجدد فيه اعتماده لصامويل روي للتفاوض حول الأسرى. اللين الذي وجده لويس الرابع عشر في المولى الرشيد لم يجده في خلفه المولى إسماعيل، حيث تعنت هذا الأخير أمام أول طلب له من ملك فرنسا، فكان من أولى ردود أفعال فرنسا أن أصدرت التعليمات من "سان جيرمان أن لي" سنة 1680 إلى القبطان دو شاطو رونو ليضرب بأسطوله الحصار على مدينة سلا، ويطارد المجاهدين المغاربة، وذلك في محاولة لفرض شروط السلام المقترحة من ملك فرنسا. وكانت خطة فرنسا هي الضغط على قائد المدينة حتى يقبل الشروط، ثم يعقد اتفاقا ثنائيا باسمه. بعد كل هذا، حرر القائد بن حدو رسالة إلى القبطان دو شاطو رونو يخبره بأن فصول الهدنة قد قبلت من طرف العاهل المغربي، ولكنها لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد مضي خمسين يوما، إلا أن هذه المماطلة لم ترق فرنسا، فأعطى لويس الرابع عشر تعليماته لدو شاطو رونو بمطاردة المجاهدين المغاربة ومواصلة حصار الميناء. وغيرت رسالة من ملك فرنسا إلى المولى إسماعيل الأحداث، وساهمت في انفراج الأزمة، فلقد اعتمد لويس الرابع عشر مبعوثه لوفيفر دولابار الذي حل بالمغرب في الثاني عشر من أبريل سنة 1681. ونتيجة لذلك عقدت هدنة بين القبطان شاطو رونو، والقائد عمر بن حدو في الفاتح من يوليوز. وكنتيجة للهدنة عقدت اتفاقية بين الدولتين، وقعت من طرف القائد بن حدو ولوفيفر دولابار، اتفاقية ضمت ستة عشر فصلا وحررت باللغتين الإسبانية والفرنسية. بعد هذا الاتفاق مباشرة كتب المولى إسماعيل رسالة إلى لويس الرابع عشر أكد له فيها إفراجه عن الأسرى الفرنسيين، كما أخبره بتكليفه للقائد بنحدو بمواصلة المفاوضات مع الضابط الفرنسي رونو. وفي نفس الرسالة أخبر المولى إسماعيل ملك فرنسا توصله برسالة منه حملها إليه القائد بنحدو، لكنه استغرب في نفس الوقت من الأسلوب الذي اتبعه ملك فرنسا، وهو يراسل ملكا مثله، إذ كان من الواجب أن يبعث بشخصية سامية يعهد إليها بنقل الرسالة إلى السلطان المغربي، وزاد المولى إسماعيل في نفس الرسالة أنه سيقوم بإرسال سفير إلى البلاط الفرنسي، من أجل الوقوف على النوايا الحقيقية لملك فرنسا. حفيد هرقل في الخامس عشر من شتنبر سنة 1681 بعث السلطان المغربي المولى إسماعيل رسالة إلى لويس الرابع عشر، أثار فيها موضوعا غريبا ظل حديث المعلقين منذ ذلك التاريخ. لقد أخبر المولى إسماعيل نظيره الفرنسي في هذه الرسالة بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أرسل بخطاب إلى هرقل يدعوه فيه إلى الإسلام. وبعد أن ردد السلطان المغربي ما جاء في الرسالة النبوية، سأل الملك لويس: هل ما إذا كانت هذه الرسالة ماتزال موجودة في أرشيف البلاط الملكي الفرنسي، نظرا لما كان يعتقده السلطان المغربي من أن لويس من حفدة هرقل. بعد فشل المفاوضات أرسل السلطان المغربي مبعوثا رسميا إلى فرنسا، وهو الحاج محمد تميم بديلا عن القائد بن حدو، حيث أبرمت اتفاقية بين الطرفين في سان جيرمان. وفي أعقاب هذه الزيارة كتب الملك لويس إلى السلطان المغربي يهنئ نفسه بإنشاء علاقات السلام بين بلاده والمغرب، كما أخبره في نفس الرسالة عن نيته في إرسال سفير إلى المغرب. لكن بامتناع فرنسا عن تسليم الأسرى المغاربة واستمرارها لغزو الثغور المغربية، لم تجد هذه الاتفاقية طريقها نحو التنزيل، رغم إرسال المولى إسماعيل لعشرين أسيرا واقتراح تبادل الأسرى رأسا برأس، وهو الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين من جديد. السلطان يطلب مصاهرة لويس في سنة 1691 بعث لويس الرابع عشر إلى مبعوثا إلى المولى إسماعيل، لكن السلطان المغربي امتنع عن التفاوض مع المبعوث لأنه مجرد تاجر وليس شخصية سامية. ما جعل ملك فرنسا يرسل مبعوثا جديدا. اقتنع الطرفان بفتح المفاوضات من جديد فانتدب المغرب عبد الله بن عائشة لمناقشة بنود الاتفاقية مع فرنسا فنزل المبعوث الجديد بفندق السفراء بباريس مرفوقا ب 18 شخصية دبلوماسية. وفي خضم المفاوضات طالب ابن عائشة بترجمة بنود اتفاقية 1682 إلى اللغة العربية. وخلال هذه الفترة التي كان فيها ابن عائشة سفيرا في فرنسا تقدم المولى إسماعيل لخطبة الأميرة الفرنسية دوكونتي. لقد ذكر بن عائشة للمولى إسماعيل وهو يتحدث عن مهمته بفرنسا، ابنة ملك فرنسا وأوصافها وحسن أدبها، وهو ما جعل المولى إسماعيل يكلفه بخطبتها له. وكانت العلاقات المغربية الفرنسية آنذاك تمر بمرحلة دقيقة جدا، ولو أن خطبة المولى إسماعيل تمت لكان لها أثر كبير على توطيد العلاقات. ومع تعيين القنصل الفرنسي الجديد جان بيريليي سنة 1703 ظهرت بوادر انفراج جديدة في العلاقات بين المغرب وفرنسا. وبعد أن أخذت المفاوضات طريقها بعث المولى إسماعيل برسالة إلى ملك فرنسا يعرب له فيها عن رغبته في إنشاء اتفاقية سلام بين البلدين وافتداء الأسرى الفرنسيين. وبعد وفاة المولى إسماعيل استمرت المفاوضات مع المولى عبد الله إلى أن تمكن من عقد اتفاقية سلام بين المغرب وفرنسا في الثامن والعشرين من ماي سنة 1767 على عهد لويس الخامس عشر.