1- مساء أحد أيام الأسبوع الماضي، التقيت الصديق والزميل عمّار الخلفي، صاحب موقع "نبراس الشباب" الالكتروني، وحكى لي أنه تعرض، عشية نفس اليوم لاعتداء جسدي من طرف رئيس أحد المجالس البلدية بجهة سوس، والذي يشغل في نفس الآن منصب نائب برلماني. والسبب، هو أن سعادة النائب "المحترم" قام بتنظيم مسيرة تضامنية مع شهداء "قافلة الحرية" الذين سقطوا بالرصاص الحي لجنود الجيش الإسرائيلي. الزميل عمّار، طرح السؤال الأول والثاني على سعادة النائب البرلماني ورئيس المجلس البلدي، الذي أبدى تجاوبا في البداية، لكن هذا التجاوب سينقلب إلى انتقام، عندما نقل الزميل عمار الخلفي إلى السيد رئيس المجلس البلدي آراء بعض سكان المدينة التي يسيّر شؤونها، والذين يقولون بأن مدينتهم أولى بالتضامن والاهتمام قبل الاهتمام بمشاكل الشرق الأوسط، فما كان من السيد الرئيس إلا أن رفع يديه بعنف، وأسقط الهاتف المحمول الذي كان عمّار يسجل به الحوار، قبل أن يصفعه على وجهه، وعنّفه اثنان من رفاق السيد الرئيس، اللذين استولى أحدهما على الهاتف المحمول، قبل أن يسترجعه عمّار. وعندما سألت هذا الأخير عمّا ينوي فعله أجابني بأنه لم يقرّر بعد ما إن كان سيتابع هؤلاء الجهلة الذين اعتدوا عليه قضائيا أم لا، ومن حقه أن يتردد، بل أن يخاف من الإقدام على مغامرة محفوفة بالمخاطر كهذه ، ففي هذا الوطن الكئيب، حيث لا عدالة ولا قانون، عندما يدخل مواطن "عادي" في صراع أمام المحاكم مع ذوي السلطة والجاه والنفوذ، قد يتحول بقدرة بعض أصحاب الضمائر الميتة الذين يصدرون الأحكام الجائرة من خلف منصات المحاكم من مظلوم إلى ظالم، وقد يجد نفسه في السجن. هادشّي علاش بزاف ديال المغاربة مع الأسف كايكمدوها فقلوبهم، مفوّضين أمرهم إلى الله أن يأخذ لهم حقهم الضائع من هؤلاء الظالمين المعتدين في الدنيا قبل الآخرة. 2- بعد حكاية الزميل عمّار الخلفي مع شطط أصحاب السلطة، توصلت برسالة تحمل حكاية مشابهة تقريبا، هذه المرة من طرف الكاتب والشاعر المراكشي الشاب عبد الوهاب سمكان، يحكي فيها تفاصيل الاعتقال التعسفي والاحتجاز الذي تعرض له لأزيد من اثنتا عشرة ساعة كاملة داخل مقاطعة الحي حيث يقطن، لا لسبب آخر سوى أن عبد الوهاب، كان يزاول عمله المعتاد كبائع للوجبات السريعة، قبل أن يتوجه نحوه عناصر من القوات المساعدة، وقاموا بحجز الطاولة التي يبيع عليها المأكولات. وعندما طلب منهم أن يمنحوه وصْلا عن حجز عربته حجزوه هو أيضا، وأصعدوه إلى سيارة "الفارگونيط"، ومن هناك نقلوه إلى المقاطعة، بعد أن ألقوا بعربته في المحجز البلدي، ولم يتمّ الإفراج عنه إلا بعد أن اقترب الليل من الانتصاف. فالشعار الذي صار سائدا في هذا البلد هو "دْوي تْرعف". السؤال هو: ماذا يريد هؤلاء من عبد الوهاب أن يفعل؟ فهذا الشاب العصامي الذي يعمل بائعا في النهار وكاتبا بالليل أتمّ تعليمه إلى آخر مراحله، وكغيره من أبناء الشعب المتخرجين من المؤسسات التعليمية العمومية لم يجد شغلا، ولكنه لم يفعل مثلما يفعل أقرانه الذين يعتصمون أمام البرلمان ومحطة القطار في العاصمة طلبا للشغل، بل قرّر أن يخوض معركة الحياة اعتمادا على نفسه، ومع ذلك منعوه وحرموه من مصدر عيشه الشريف. منعوه حتى من تشغيل نفسه بنفسه. هو لا يستجدي أحدا، ولا يحترف السرقة في أزقة وأحياء مراكش، ولا يشكل عالة على الدولة، ومع ذلك احتجزوه لاثنتا عشرة ساعة كاملة، ودمروا مصدر عيشه الوحيد. 3- القاسم المشترك بين حكاية الزميل عمّار الخلفي والزميل عبد الوهاب سمكان، هو أن كلاهما ينتمي إلى خانة "أعداء المسؤولين"، لاعتبارهما يحملان أقلاما يتخذانها سلاحا ضد الظلم والظالمين، والفساد والمفسدين في هذه الأرض المغربية التعيسة. تكسير أقلام الصحافيين والمدونين وأصحاب الرأي الحرّ وترهيبهم وتكميم أفواههم، هو الخطر الأكبر الذي يتهدد مستقبل المغرب، أما الحاضر فلن نتحدث عنه، لأن الجميع لا يرى فيه غير السواد. وللأسف فالمستقبل أيضا، إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، لن يكون أقل سوداوية، هذا إذا لم يكن أكثر قتامة من الحاضر، ولعل أكبر دليل على ذلك هو هذه الحملة المسعورة التي تشنها الدولة على الصحافة والصحافيين "العاقين". فأيا كانت تبريرات هذه الحرب المجنونة، فالنتيجة واحدة، وهي أن بلدنا يسير بثبات، كي يصير بلدا شموليا، بعد سنوات قليلة بنينا فيها أحلاما جميلة تبيّن لنا في النهاية أنها لم تكن سوى وهما وسرابا. وأقصر الطرق المؤدية إلى الديكتاتورية المطلقة هو الإجهاز على الصحافة. 4- ما يحزّ في النفس ويصيب بالضغط الدموي، هو هذا التعامل الظالم الذي تُعامل به الدولة أبناءها. ففي الوقت الذي تكسر فيه قوات الأمن العمومي، أو الخوف العمومي على الأرجح أضلع وعظام أبناء الشعب الذين وصل بهم الحد إلى إحراق أنفسهم أمام البرلمان طلبا للشغل الذي يكفله لهم الدستور، ويتمّ حرمان حتى الذين يعتمدون على أنفسهم من مصادر عيشهم، ويحكمون على كل من يتجرأ على التعبير عن آرائه وأفكاره بصراحة بالسجن والغرامات المالية الثقيلة، نرى كيف أن هذه الدولة نفسها لا تتجرأ حتى على توقيف أبناء "الفشوش" اللي عندهم جداتهم فالعرس، حتى وإن مارسوا العربدة في الشراع العام، وفي منتصف الليل، ولا تسأل المقربين حتى وإن أطلقوا الرصاص من مسدّساتهم وسط الشارع العام، وعلى عناصر الشرطة، رغم أن "القانون" يمنع حمل حتى السلاح الأبيض فأحرى مسدسا محشوا بالرصاص، هذه الدولة الظالمة لا تسأل أبناء أصحاب النفوذ حتى عندما يصل الأمر بالبعض منهم إلى حدّ التعبير عن طموحاته، على أثير الهواء مباشرة، في تولي منصب رئيس الجمهورية المغربية.هادو كايْبان ليهم المساس بالأمن العام والمقدسات غير مللي كايديرها شي مزلوط بحالنا. إن الوضع الذي يعيشه المغرب اليوم لا يسرّ عدوا ولا حبيبا، ولا نملك غلا أن نضع ايدينا على قلوبنا خوفا من المستقبل الذي لا شكّ أنه سيكون أكثر سوءا، ولن أجد وصفا يليق بمغرب اليوم أكثر بلاغة من وصف "الأعمى في العتمة"، وهو عنوان إحدى قصص المجموعة القصصية "كلاب السوق"، التي ألفها عبد الوهاب سمكان. وإنا لله وإنا إليه راجعون! [email protected]