طلع علينا في هذه الأيام، في سابقة هي الأولى من نوعها، فريقان عتيدان من أحزاب المعارضة البرلمانية الحالية، بمقترحات قانون لها علاقة بزراعة نبتة القنب الهندي أو ما يعرف عند المغاربة ب"الكيف" الذي يصنع منه مخدر "الحشيش". ويتعلق الأمر أولا بالفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية الذي تقدم بمقترح قانونه إلى مجلس النواب والذي ستشرع لجنة القطاعات الإنتاجية خلال هذا الأسبوع في مناقشته، وبهذا يكون فريق "حميد شباط" قد بر بوعده الذي قطعه على نفسه زعيمه في تجمعه الجماهيري منذ شهور المنظم بمنطقة إيساكن (كتامة) بإقليم الحسيمة، والقاضي بتقنين زراعة الكيف وجعلها عشبة طبية تصدر إلى الخارج وتستعمل لأغراض إنسانية. أما فريق الأصالة والمعاصرة فقد آثر طرح الموضوع من زاويتين مختلفتين ومقترحي قانون، ؛ يهدف الأول إلى إصدار عفو برلماني عام على مزارعي عشبة الكيف، بينما يقترح الثاني تقنين هذه الزراعة، وجعلها منظمة وفق معايير وإجراءات منسجمة مع التزامات المغرب في مكافحة تجارة المخدرات. وبهذه المبادرة التشريعية يكون حزب الأصالة والمعاصرة مر من القول إلى الفعل بعد ما التزم أمام مناصريه بمنطقة الريف بتصفية هذا الاشكال والعمل على حله. من الظاهر شكلا أن الفريقين كليهما تقدم بهذه الخطوات الاقتراحية في إطار إنساني، من أجل وقف معاناة ومأساة الآلاف من المزارعين الذين يعيشون تحت رهبة الاعتقال جراء التهم الموجهة إليهم من قبل النيابة العامة، أو الذين فقدوا قوت يومهم بعد اجتثاث هذه الزراعة في عدد من الأقاليم الني تم إعلانها بدون قنب هندي، وقد فصل كل من رئيسي الفريقين المعنيين بما نتحدث عنه، ونقصد السيد "نور الدين مضيان" والأستاذ "حكيم بن شماس" طويلا في إظهار هذه المعاني النبيلة التي لا يناقش عاقل في ظاهرها أثناء عرضهما لهذه المقترحات القانونية. لكنه بنفس المنطق الارتيابي الذي تتعامل به المعارضة مع الحكومة، يحق لنا أن نطرح أسئلة عديدة بشأن هذه المبادرات التشريعية التي تتحدى نصوصا وردت في القانون الجنائي والتزامات دولية استفاد المغرب من خلالها من مساعدات مهمة تم توظيفها في إطار مشاريع للنهوض بمنطقة الريف. فكيف سيتم تنظيم زراعة وتسويق الكيف في ظل اقتصاد هش يغلب عليه الطابع غير المهيكل؟ وكيف سيتم ضمان التحكم في زراعة الكيف ليستخدم لأغراض طبية فقط وعدم انزلاقها في غياب ثقافة الالتزام بالقانون والمواطنة الحقة؟ كيف سيتم اصدار العفو العام على شريحة مهمة من المزارعين؟ مع اختلاف التهم الموجهة إليهم والتي تختلف عقوبتها الحبسية وغراماتها المالية بحسب الكميات المحجوزة أو المقدرة لهؤلاء المزارعين من منتوج القنب الهندي، لا سيما أن العديد منهم له أموال طائلة، وحصل أرباحا خيالية تم تبييضها بشكل فج في مشاريع تجارية يعرفها العام والخاص خصوصا بمناطق الشمال. وكيف نضمن ألا يستفيد من هذا العفو علية القوم دون ضعافهم، ولنا في تجارب العفو الملكي على المساجين العاديين انزلاقات خطيرة كشفت تلاعبات بعض الأطراف في ملفات العفو آخرها قضية المغتصب "دانييل". ولم لا يكون كل هذا مجرد مناورات سياسية مكشوفة مرتبطة بالانتخابات المحلية لسنة 2015 والتشريعية لسنة 2016. خصوصا إذا علمنا أنه كان يستغل هذا الملف بشكل فج من قبل بعض المرشحين بتعاون مع بعض مسؤولي السلطة المحلية للتصويت عليهم قسرا أو معاقبتهم بتقديمهم للعدالة. ولا زلنا نتذكر عملية انتخاب الأستاذ عباس الفاسي الرئيس السابق لحزب الاستقلال عن دائرة العرائش سنة 2007 بشكل سافر على حساب مرشح معروف بزراعته لنبتة الكيف بمناطق زعرورة وبني عروس، وأرغم المسكين على ابتلاع لسانه خشية إيداعه السجن. والأخطر من كل هذا أن يكون أباطرة تجارة المخدرات وراء هذا السيناريو البئيس، والذي إن خرج إلى النور، سيجر المال الحرام ليستعمل بشكل بشع في المحطات الانتخابية المقبلة، جزاء شكر وعربون تقدير لما بذله السياسيون لتخليص "البزناسة" من براثن السجون. إن مقاربة ملف زراعة الكيف يجب أن تكون من زاوية أوسع مما تم طرحه من طرف الفريقين المذكورين سابقا والمشكورين على جرأتهما إن كانت النوايا غير انتخابية بطبيعة الحال، وإلا فهما أشبه بغيرها ممن يتجر بالمرجعية الدينية أو يزايد بإسقاط النظام.... من حق المغاربة أن يستمعوا إلى نقاش عمومي حول هذا الاشكال المستعصي حله وأن يأخذ رأيهم، وأن يستشار أصحاب الاختصاص من أطباء ومعالجي الادمان، واقتصاديين وخبراء تربويين، لا أن ينفرد الفاعل السياسي بالمبادرة، ويحتكرها داخل قبة البرلمان، ليخرج إلينا بقوانين ليس عليها إجماع مما سيدفع في انقسام الشارع وتأليبه وتكريس التفرقة بين عموم الشعب المغربي، ولنا في مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية تجربة مريرة تم تجاوزها بذكاء من ولي الأمر آنذاك. من يحاول مقارنة المغرب بهولندا فهو أبله لا يستحق أم يلج قبة البرلمان أصلا، ومن لم يبتل في عائلته بفرد مدمن على المخدرات، فليغامر بتذوق لفافة حشيش عله يعود عن غيه ويعرف حقيقة ما يقدم عليه، وإلا سيكون المغرب قد ابتاع فرو الدب قبل اصطياده، والتحق بأفغانستان وكولمبيا في سلم الدول المصدرة للمخدرات ذات الأصل النباتي، نجانا الله وإياكم منها.