في هذا الحوار يتحدث شكيب الخياري، رئيس الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، بكثير من التفاؤل عن مستقبل النقاش، الذي انطلق وسط النخبة السياسية المغربية حول تقنين زراعة هذه النبتة، مؤكدا أن المغرب انتقل حاليا من مناقشة مبدأ التقنين من عدمه، إلى الحديث عن تفاصيل هذا التقنين، والاستعداد للتعامل مع المؤسسات الحكومية، حتى يصبح للمغرب قانون حول الكيف متوافق بشأنه من طرف الجميع. الفاعل الجمعوي أكد، في حواره مع «المساء»، أن استغلال بعض الأحزاب السياسية لهذا النقاش على المستوى الانتخابي يبقى أمرا مشروعا، بشرط ألا يكون ذلك الاستغلال موسميا، حتى لا يصبح احتيالا على المواطنين، داعيا إلى إطلاق سراح المعتقلين على ذمة قضايا زراعة الكيف، حتى يشاركوا بفعالية في وضع الخطوط العريضة للقانون المرتقب لتنظيم زراعة الكيف بالمغرب. - ما رأيك في التحول الذي طرأ على مواقف الأحزاب السياسية من زراعة القنب الهندي، والذي توج مؤخرا بتنظيم يوم دراسي في البرلمان؟ بعد النقاش الذي طرحه الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف سنة 2008، على نطاق واسع عبر الإعلام المغربي، تم تسجيل أول تفاعل حزبي تجاه الموضوع من طرف حزب الأصالة والمعاصرة بكتامة في ماي 2009، عبر عنه آنذاك كل من فؤاد عالي الهمة والشيخ بيد الله. وبعد سنتين من ذلك تقريبا، أي في ماي 2011، وفي نفس المكان، طالب حزب الاستقلال في تجمع خطابي بتقنين الكيف، وكان ذلك على لسان كل من حميد شباط ونور الدين مضيان. وفي أبريل 2012 طرح البرلماني طارق القباج عن حزب الاتحاد الاشتراكي، ونور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي، فكرة تقنين الكيف في لجنة الداخلية بمجلس النواب. وسنة بعد ذلك، أي في أبريل 2013، طالب الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، في تعقيبه على وزير العدل، بإصدار عفو عام وشامل عن جميع المواطنين البسطاء الملاحقين قضائيا في قضايا مرتبطة بزراعة القنب الهندي بأقاليم الشمال. هذه التحركات الحزبية لا يمكن لنا في الائتلاف إلا تثمينها ودعمها، كما سبق أن قمنا بذلك مع فريقي الأصالة والمعاصرة أثناء تنسيقهما معنا للإعداد لليوم الدراسي الذي شهده البرلمان حول خلق بديل اقتصادي، عبر استغلال زراعة الكيف في المجالين الطبي والصناعي. - المعارضة الأساسية جاءت من بعض الأصوات داخل حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، ما هي في نظركم دواعي هذه المعارضة؟ حزب العدالة والتنمية لا يعارض الفكرة أبدا، بل يدعمها بشكل كبير للغاية، وقد اتصل بنا من قبل في نفس اليوم الذي اتصل بنا فيه حزب الأصالة والمعاصرة، وقد شكل فريقا من نوابه البرلمانيين، وكلفهم بتتبع الموضوع والتنسيق مع الائتلاف، وقد التقيت مرتين بالنائب عبد الحليم العلوي، وقريبا سنعقد اجتماعا مع الفريق البرلماني للحزب لدراسة الخطوات التي يمكن أن نقوم بها بشكل مشترك. لا يجب أن ننسى تصريحات كل من عبد العزيز الرباح ولحسن الداودي في أكتوبر 2011، من خلال تلفزة مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، حين صرحا بضرورة تقنين الكيف لأغراض طبية و صناعية. كما أن مداخلة سعيد خيرون في اليوم الدراسي بالبرلمان كانت إيجابية، إلى جانب عبد العزيز أفتاتي، الذي أكد دعمه للفكرة، وعبر عن تخوفه من أن تتم عرقلة تنفيذها، بالنظر إلى قوة ونفوذ بارونات المخدرات، وهو تخوف مشروع نتقاسمه معه. - ألا تخشى، باعتبارك فاعلا جمعويا مهتما بالموضوع، من الاستغلال السياسي والانتخابي لمسألة تقنين زراعة القنب الهندي في مناطق الريف؟ بالنسبة إلي، استغلال الأحزاب لهذا الملف لجلب أصوات انتخابية أمر مشروع، لأن الجميع يريد من الأحزاب أن تطرح قضايا ومشاكل المواطنين من أجل حلها. لكن أن يتم استغلاله ظرفيا من دون أن تكون هناك خطوات عملية، فهو أمر غير مقبول ويدخل في باب الاحتيال على المواطنين. لذا لا مجال للتخوف بالنسبة إلي، خصوصا أن الأحزاب التي تشتغل على الموضوع، ولو بطرق مختلفة، سبق لها أن نقلت هذه المشاكل ومقترحات حلولها إلى داخل قبة البرلمان. وعلى أي حال، فالمغاربة يعرفون من هي الأحزاب التي تتفاعل مع موضوع الكيف بشكل عملي، ونحن نؤيدها جميعها، ومستعدون للتعاون معها بدون أي تمييز. - لماذا يرفض السكان فكرة الزراعات البديلة ويصرون على الاحتفاظ بزراعة هذه النبتة، التي ما زالت موضوعا حساسا بالنسبة إلى المسؤولين؟ ليس المزارعون فقط من يرفضون، فحتى الدولة كانت وما تزال محتشمة في خلق اقتصاد بديل على أنقاض زراعة الكيف، لأن الهدف ليس خلق زراعة قانونية بدل الزراعة غيرالقانونية، بل هو كيفية خلق اقتصاد بديل بزراعة بديلة، والزراعة البديلة يجب أن تتوفر على شرط ضروري وكاف، وهو أن تكون مداخيل الزراعة الجديدة تساوي أو تفوق مداخيل زراعة الكيف، وهي من معايير الأمم المتحدة ذاتها، التي تراقب تنفيذ الدول للاتفاقيات الثلاث لمحاربة الاتجار غير المشروع في المخدرات. كما أن تقريرا سابقا للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، صدر سنة 2005، ذكر بشكل صريح أن محاولات خلق زراعات بديلة في عدد من دول العالم كانت نتائجها جد محدودة، وذكر من ضمنها الريف المغربي، ومن ثم فلا مجال، بالنسبة إلينا في المغرب، لاجترار تلك المحاولات ما دامت لم تؤت أكلها وباعتراف رسمي، لذا أصبحنا نتحدث عن خلق اقتصاد بديل بدون زراعة بديلة، عبر توجيه استعمالات الكيف لأغراض إيجابية في المجالين الطبي والصناعي. - ما هو السبيل إلى إقناع المسؤولين بتقنين زراعة القنب الهندي، وتحويله إلى ثروة وطنية بدل الاستمرار في ملاحقة زارعيه وتهديدهم بالسجن؟ المقاربة الحالية المتبعة من طرف الدولة هي أمنية بشكل أساسي، ومحاولات توطين زراعة بديلة، كما ذكرنا، فشلت. وقد واكب كل هذا حملات اعتقالات واسعة في صفوف المزارعين وأسرهم، منهم آلاف من الفارين من المتابعات في الجبال، مما جعل فئة واسعة من الشعب المغربي على امتداد مناطق زراعة الكيف تعيش حالة من الإرهاب، وهو ما عزز وضع بارونات المخدرات الذين زادوا من استغلالهم للمزارعين وأسرهم، حتى أصبحوا رهائن بين أيديهم. لكن الآن بدأنا نتحدث عن مرحلة جديدة، خصوصا مع الجواب الذي قدمه داخل قبة البرلمان وزير الداخلية عن سؤال للفريق الاستقلالي، يوم الثلاثاء 3 دجنبر الجاري،حيث أكد على أن سياسة وزارة الداخلية تعتمد على محاربة التهريب أمنيا، فيما يتم ذلك بشكل حبي مع المزارعين. وقد ألمح إلى انخراط وزارة الداخلية في جميع النقاشات، التي ستفتح حول مستقبل هذه الزراعة. لذا فمقاربة وزارة الداخلية بدأت تتجه نحو الواقعية، والاستجابة لمطالب السياسيين والمجتمع المدني. إضافة إلى هذا، نسجل كذلك بارتياح بالغ تصريح وزير الصحة الحسين الوردي للإعلام المغربي، على هامش انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس 5 دجنبر الجاري، حيث أكد على الاستعمالات الإيجابية لنبتة الكيف، مثمنا انعقاد يوم دراسي داخل قبة البرلمان حول الموضوع. الآن الطريق، بالنسبة إلينا، معبدة، والنقاش لم يعد حول مبدأ التقنين من عدمه، بل في القريب سننتقل للحديث عن تفاصيل هذا التقنين، وسنعمل في المرحلة القادمة حتى مع المؤسسات الحكومية، لأن هدفنا أن يكون لدينا في المغرب قانون حول الكيف، متوافق بشأنه من طرف الجميع. - وما هو دوركم، كفاعلين جمعويين في منطقة الريف، من أجل إيقاف سوء الفهم بين الدولة وسكان المنطقة، ونزع فتيل التوتر لتحويله إلى تعاون لمصلحة البلد؟ الأكيد أن للمجتمع المدني دورا رئيسيا، ويكفي للاستدلال على ذلك أن النقاش المفتوح حول الكيف جاء بمبادرة من المجتمع المدني، وقد سبق لنا أن نشرنا على نطاق واسع وثيقة تحمل عنوان «دعوة لفتح نقاش عمومي حول زراعة واستغلال القنب الهندي وتوجيه استعمالاته»، بتاريخ 25 أبريل 2008، ونعمل حاليا، بتنسيق مع الأحزاب، من أجل وضع حد لمتابعة الفلاحين والتماس إصدار عفو ملكي شامل حول المزارعين المتابعين والمعتقلين، ليشاركوا بنصيب الأسد في صياغة معالم السياسة الجديدة حول الكيف، وفي آخر المطاف هم من سيطبقون هذا القانون، خصوصا أن ذلك سينزع فتيل الصراع القائم بين الدولة وسكان تلك المناطق.