محمد العربي المساري لأسبوعية " المشعل ":"انتهى دور (الهمة) وجاء دور الأحزاب" "" يرى الأستاذ محمد العربي المساري، الصحافي الدائم، والدبلوماسي ووزير الاتصال السابق، أن مسألة ذهاب فؤاد علي الهمة من المربع الضيق للحكم، مسألة محسومة، وأن الأمر يتعلق بإشارة قوية من الملك محمد السادس بالعودة إلى ما يسميه ذ. المساري ب " المنهجية الديمقراطية " كما يتوقع أيضا فوزا لأحزاب الكتلة، بأغلب المقاعد البرلمانية خلال الانتخابات التشريعية التي ستُجرى بعد بضعة أيام ... تفاصيل آراء ذ. العربي المساري، في هاتين المسألتين، وغيرهما في ثنايا الحوار التالي: تعددت تفسيرات استقالة الوزير المنتدب السابق في الداخلية، فؤاد عالي الهمة، فهناك مَن اعتبرها " إقالة "، وبالتالي تخلي الملك عن الرجل الذي كان بمثابة يده اليُمنى في تدبير شؤون المملكة، في حين رأى آخرون عكس ذلك تماما باعتبارها أي الاستقالة تمهيدا لموقع الوزير الأول القادم، بعدما يكون الهمة قد مرَّ من تحت حمَّام الانتخابات، أو وزيرا للداخلية.. أستاذ العربي إلى أي القراءات أنت أميل؟ أنا أميل إلى القراءة القائلة، بأن الأمر يتعلق برجل آخر من الدائرة الملكية قد نزل من العربة، على غرار الكثيرين غيره الذين نزلوا منها فيما قبل، هذا مع العلم أن العنصر الخبري الوحيد الذي بين أيدينا هو الاستقالة، فأنا ليست لدي أسرار في الموضوع،لكن ما نراه بأم أعيننا هو أن ثمة رجل نزل من عربة مركز السلطة، إن هذا الأمر بالنسبة إلينا إيجابي، لماذا؟ لأن هذه الدائرة المحيطة بصاحب القرار، إذا ما تسنى لها التجذر مع مر الزمن، يُصبح من الصعب جدا اقتلاعها، ونغدو كما أشرنا إلى ذلك في إحدى افتتاحيات جريدة العلم، منذ نحو عام ونصف أمام إدريس بصري، أو أوفقير، أو اكَديرة آخر.. إلخ، هذا بغض النظر عن العلاقة الوثيقة الموجودة بين المَعنيين ( يقصد الملك محمد السادس وفؤاد عالي الهمة ). نعم، صحيح إن القول بذهاب عالي الهمة عن دائرة السلطة يبقى من قبيل التكهنات، لكن ما يوجد أمامي لحد الآن، يفيد ذهابه، هذا مع العلم أن الأمر يتعلق برجل ذكي ( يقصد الهمة دائما ) قادر على أن يبقى دائما في الصورة، من خلال ولوجه للمؤسسة التشريعية، ثم يجب ألا ننسى أن لديه تجربة سابقة، وسيكون كما برهن على ذلك، سياسيا ناجحا ولامعا، بالفعل لقد عاينا أن لديه أفكارا خلاقة وهامة، مما يعني أنه رجل العمل الاستراتيجي، وبالتالي لديه ما سيفعله في المؤسسة التشريعية ( البرلمان ). لكن هناك بالمقابل قراءات أخرى لاستقالة فؤاد الهمة، منها أنه قد يكون الوزير الأول، أو وزير الداخلية في الحكومة القادمة؟ لا.. لا.. أعتقد إننا التزمنا أكثر بالمنهجية الديمقراطية، وبالتالي فالقراءة التي ذكرتُ هي السائدة عند الفاعلين السياسيين، فانطلاقا من خطب صاحب الجلالة، فإن الأمر واضح، حيث المطلوب مؤسسات وأحزاب قوية، وهو هنا لا يتكلم عن أفراد، والخطاب الملكي الذي كان واضحا في التركيز على هذه المسألة، جاء عقب ثلاثة أيام من استقالة السيد الهمة. هل هذا يعني منحى جديدا في المشهد السياسي المغربي، حيث سيعود للأحزاب أدوارها الأساسية على حساب الدائرة الضيقة المحيطة بالملك؟ إن الناس الفاهمين لأوضاع المغرب، سواء في الداخل أو الخارج، من الذين يعطفون عليه، ويشجعونه على المسار الذي يذهب فيه، يستحسنون وينصحون أن تأخذ بلادنا بالمنهجية الديمقراطية. لقد تم التخلي من قبل ضمن دائرة النفوذ، عن مدير ديوان الملك، ليعود إليها، لكن بدون الصلاحيات الكبيرة التي كانت له، ثم بعد ذلك رأينا كيف تم التخلي عن حسن أوريد، ليس فقط كناطق رسمي باسم القصر، بل أيضا كوال لجهة مكناس تافيلالت، وأيضا تم توقيف إشرافه على ملف الأمازيغية وفق المنظور الملكي، ثم بين هذا وذاك، ما أصبح يُعرف بفضيحة محمد منير الماجيدي الكاتب الخاص للملك، الذي استولى على ملك عمومي بطريقة غير مشروعة... إن المعنيين كانوا في قلب الدائرة المحيطة بالملك، فهل ما يقع يعني تفكك هذه الدائرة؟ لا أعتقد ذلك، إن صاحب القرار يكون محتاجا دائما إلى مستشارين أقوياء، والذين ذكرتهم في سؤالك، باستثناء الماجدي، لأنه قناة لا أفهم فيها ( يضحك ) برهنوا على أن لديهم أفكارا خلاقة، ومن المفهوم أن يكون الملك محتاجا إلى مستشارين أو مساعدين، ولهذا فإن الفصل التاسع عشر من الدستور، يمنحه وضع الضامن الأساسي للحريات والمسئول عن استمرار الدولة، وهو ما يعني أنه يجب أن يكون محاطا بمستشارين ومساعدين.. ( نقاطعه ) لكن هل من الضروري أن يكون هؤلاء من أصدقائه أو الذين درسوا معه؟ لا.. فبدون أن نذكر الأسماء، فإن ثمة كثير من المستشارين والمساعدين، المحيطين بالملك، ليسوا من أصدقائه، كما أنهم لم يدرسوا معه. هذا يقودنا للسؤال الموالي: هل يتعلق الأمر إذن بعودة نفوذ الرجال الأقوياء، الذين كانوا حوالي الحسن الثاني نظير، مزيان بلفقيه واندريه أزولاي.. وغيرهما ممن كانوا مهندسين لأهم القرارات في البلاد؟ إن هذا يجرنا إلى التكهن، فالمعطيات التي بين أيدينا لا تفيد بهذا على نحو واضح. ذهب البعض إلى القول، إن تعاطي دائرة القرار في المغرب، مع ملفات كبرى لسياسة البلاد شابها ضعف واضح، هل تتفق مع هذا الرأي؟ في الحقيقة لا يمكن أن نحصر الأمر في هذا النطاق، حيث المطلوب أن نتساءل عن حصيلة السنوات الثمانية من حكم محمد السادس، وهنا يمكنني أن أقول بأن كثيرا من المبادرات كانت نافعة. مثلا؟ الإسراع بوتيرة التنمية، محاربة الفقر والتهميش الاجتماعيين، لكن هناك بالمقابل أمور سلبية، مثل أننا نتجه في المغرب، إلى المنطق الليبي القائل بضرورة وجود اللجان في كل مكان، حيث نجد أن ثمة ملفات تقع في دائرة مسؤولية الحكومة، والتي تُحاسب عليها هذه الأخيرة أمام البرلمان، تنزل فيها قرارات من فوق، حيث نجد أن تلك اللجنة هي التي عملت مشروع ميناء طنجة، وأن اللجنة الأخرى هي التي اضطلعت بملف التنمية البشرية، وغيرها تتكفل باستقبال العمال المغاربة بالخارج، إلى غير ذلك، وهذا وضع غير سليم بالمرة، حيث المطلوب أنه كلما كان الأمر يتعلق بالتصرف في أموال عمومية، أن تكون هناك أدوات رسمية، من أجل أن تكون عليها محاسبة أمام البرلمان. ألا ترى أن هذا القول يطرح مسألة الاصطلاح الدستوري؟ طبعا، ولهذا هناك تلك الفكرة الجيدة القائلة بضرورة تقوية منصب الوزير الأول. إن هذا يعني، كما تعلم، تغيير الفصل التاسع عشر من الدستور، الذي يجمع السلطات التشريعية التنفيذية بيد الملك، وكذلك الفصل الرابع والعشرون، الذي يقضي بأن الملك، يعين الوزير الأول، وهذا الأخير يقترح على الأول، تشكيلة الحكومة؟ " إيه.. إيه ".. ولكن ما هو جدير فعله، هو تقوية صلاحيات المؤسسات الحكومية، ودور البرلمان، وهذا لا يتعارض مع الإبقاء على السلطات الموجودة في الفصل التاسع عشر من الدستور، ذلك لأنني أعتقد أننا ما نزال في فترة انتقالية، بكل أبعادها، وبالتالي، ما زلنا في أمس الحاجة إلى مؤسسة ملكية قوية، لكننا أيضا محتاجون بنفس القدر، أن تكون هذه المؤسسة مسنودة أيضا، بمؤسسات قوية وعلى رأسها البرلمان والحكومة والقضاء. أنت تعلم أن النص الدستوري واضح، في الفصل الرابع والعشرين، الذي يفرض أن الملك ليس ملزما بتعيين الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية، وبالتالي ألا ترى أن هذا لا يسمح بتقوية منصب هذا الأخير، وفي ركابه الأداء الحكومي؟ بطبيعة الحال، لكن هذا لا يمنع من أن يكون هناك نوع من " الأدب " ( اللياقة ) مع رئيس الدولة، فالمرحوم الحسن الثاني كان قد صرح ذات مرة لجريدة إيطالية، حينما زار روما، أنه لا وجود لأي نص دستوري، يُلزمه بتعيين الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية، لكنه أضاف بأن المنطق والنجاعة يفرضان، أن يكون الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية. لكن هذا لم يحدث من قبل، باستثناء حكومة الأستاذ عبد الله إبراهيم، في فترة بداية الاستقلال؟ لا.. لا حكومة الأستاذ عبد الله إبراهيم لم تكن نتيجة انتخابات، بل شكل حكومة، بصفته الشخصية، كما أن الذين كانوا معه شاركوا بصفتهم الشخصية كذلك، هذا للتاريخ، المقصود أن المرحوم الحسن الثاني كان يقول بأن المنطق والنجاعة، يفرضان أن يكون الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية، والآن أعتقد أن جلالة الملك سيأخذ، الآن بهذه القاعدة السليمة، أي تعيين الوزير الأول من الأغلبية البرلمانية.