«حوارنا مع الإسبان كشف للآخر أن هناك في الضفة الجنوبية من يحلمون بالديمقراطية الحقيقية بدل تلك الديمقراطية التي يتخذها البعض «بابيون» يتزين به عندما يتوجه إلى بروكسيل، وأن هناك صراعا بين هؤلاء وأولئك، ومن تجلياته هذا الحكم الأخير ب612 مليونا.. وتساءلنا خلال هذا الحوار بدورنا: متى تكون لدينا حكومة وبرلمان وأحزاب حقيقية، بدل هاذ خربيطو اللي عندنا دابا». عبارات عفوية ومرتجلة نثرها محمد العربي المساري في ختام حفل تكريمه بمناسبة توقيعه لمؤلفه الأخير «محمد الخامس من سلطان إلى ملك» مساء الخميس الماضي؛ كلمات حاول من خلالها شكر من حضروا تكريمه ومن ألقوا كلمات نسجت بحرص فخرجت قصائد مدح وإطراء. فمحمد العربي المساري ممن تستهويك أصالة شمائله وسحر أخلاقه، وهو كالشمس التي كلما اقتربت منها صعب عليك أن تفتح عينيك أمامها، بتعبير تورية الهواري، رئيسة الجمعية المنظمة لحفل التكريم، والتي رأت فيه الشخصية التي أعادت إلى الثقافة دورها، أي ثقافة القيم وقيم الثقافة، والدبلوماسي الذي ظل طائرا خارج سربه، وآمن بأن الدبلوماسية رسالة القيم فلم يلجمه انتماؤه الحزبي، بل ظل «حصانا عربيا لا يقول إلا ما يؤمن به». الصحفية والمنشطة التلفزيونية مليكة مالك اعترفت في كلمتها بأنها بصدد محاولة جديدة لم تتعلمها، محاولة استعمال كلمات الحب والشكر؛ فيما جرت العادة في مناسبات التكريم على الطريقة المغربية، حسب مليكة ملاك، أن نعد الولائم وننوع في المأكولات تعويضا عن تنوع الكلمات، لأننا شعب ربما لا يحسن التعبير عن مشاعره. «في أحد الأيام الممطرة من سنة 1993، أدخل مقر النقابة الوطنية للصحافة وأنا العائدة لتوي من كندا، بعد لحظات دخل شخص أنيق يفوح منه عطر راق، سألت من يكون، فقيل لي إنه العربي المساري الكاتب العام للنقابة... كان نشيطا يملؤه التفاؤل، خاصة عندما يتحدث عن المناظرة الوطنية للإعلام»، تتذكر مليكة مالك التي رصدت في المحتفى به طريقته المميزة في الحكي والكتابة، واستعماله للسهل الممتنع والأسلوب الهادئ والمسالم، «ما مكنه من جمع مريدين مخلصين من أسرة الإعلام». بحلول سنة 1996، تواصل الصحفية السابقة بالقناة الثانية استرجاع شريط ذكرياتها، التي كانت «سنة شدلي نقطع ليك، اصطدمتُ خلالها بوزير الداخلية السابق إدريس البصري، فوجدت محمد العربي المساري يتخذ موقفا نبيلا لحمايتي أمام الوزير، وكان في جلسات التفاوض التي تمت تحت التهديد بمحاكمتي، يرد على الوزير بأن 100 محام سيقفون إلى جانب مليكة إذا كنت تنوي توكيل ثلاثة محامين، وعندما يهدد الوزير بإعادة تربية الصحافية يجيب المساري بأن النقابة دارها وحزبها وهي إلى جانبها في هذه المحنة». «تحل سنة 1998 وتتحقق له قيادة وزارة الاتصال.. فرحة عارمة في أوساط الإعلاميين وأنا أستعيد موقعي في القناة الثانية. لقد حان الوقت لتطبيق بنود توصيات المناظرة» تواصل مليكة مالك. فكان الوزير الذي يحرر ثلاثة أرباع المراسلات الصادرة عن وزارته بخط يديه، حسب طالع سعود الأطلسي، والوزير الوحيد الذي لا يحتاج إلى ديوان. وكان المثقف الذي يتنفس الإسبانية ويجد بعده الآخر في هويته الإسبانية، لكنه ظل يقف موقف الندية أمام المثقفين الإسبان. «الوزير الجديد في حكومة التناوب سرعان ما اكتشف أن التغيير سيكون عسيرا» تستدرك مليكة مالك، وتضيف أن العراقيل المالية والتشريعية والسياسية قد بدأت؛ وبلغ الأمر ذروته بتوقيف كل من «لوجورنال» و«الصحيفة»، فيما كان الوزير الوصي على الاتصال في مهمة بمدينة العيون، وتلقى النبأ من مسؤولي المنبرين الإعلاميين. «فبرزت التناقضات في صفوف الحكومة.. ولم يهدأ له بال حتى رفع البطاقة الحمراء لمرات عديدة.. وجاءه الخلاص في التعديل الحكومي؛ لكنه لم يصبح يتيما تائها، بل ظل صحافيا يكتب وينتقد ويتحرك وسط عائلته الإعلامية بكل رقة وجرأة». ولد محمد العربي المساري يوم 08 يوليوز 1936، أي في ذات الأسبوع الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية الإسبانية وسقطت فيه إحدى القنابل على مدينة تطوان. وعندما هم بالذهاب إلى القاهرة، اندلع العدوان الثلاثي على مصر، فغير الوجهة نحو إسبانيا، حيث كان على موعد مع تاريخ الأندلس. ف«خلفيته التاريخية لا تقتصر على الجانب الأكاديمي، بل تشمل حتى جانبه البيولوجي» يقول أستاذ التاريخ، عبد الواحد أكمير.