تبث القناة المغربية الأولى، مشكورة، يوم الثلاثاء والأربعاء، على شاشاتها أشغال مجلس النواب ومجلس المستشارين، من أجل تدارس القضايا المجتمعية والسياسة للدولة المغربية. هذه القضايا تكون مرتبطة بالشعب أساسا، من خلال الوقوف على مشاكله ومتطلباته. الأحزاب المحترمة الموجودة في المعارضة تبحث عن مشاكل الشعب وتحاول أن توصلها إلى الحكومة من أجل البث فيها وحلها، وطبعا تقوم بنقد عمل الحكومة في حالة عدم قيامها بعملها كما يجب، هذا هو الدور الأساسي الذي من المفروض أن تقوم به الأحزاب المعارضة المحترمة. كنت في الأيام القليلة الأخيرة قد حضرت إحدى جلسات مجلس المستشارين، إلى جانب بعض الزملاء من كلية الآداب بالرباط. وطبعا وجودي داخل هذه القبة المحترمة لم يكن سهلا. إجراءات قانونية وغير قانونية كثيرة. التزامات من الكلية ووثائق شخصية متنوعة من أجل الحضور في البرلمان لساعة أو ساعتين. إلى جانب هذه الوثائق كان لابد لي من لقاء أحد النواب الذي تربطه علاقة قرابة بأحد أساتذتي بكلية الآداب بالرباط من أجل تيسير عملية ولوج القبة المحترمة. طبعا هذه القبة محترمة ولا يمكن أن نشكك في ذلك. كل المغاربة يحترمونها أحب من أحب وكره من كره، ولكن السؤال هو لماذا نحترم هذه القبة ؟ قبل أن أدخل للقاعة المخصصة بجلسات مجلس المستشارين، جلست لدقائق معدودة في إحدى الصالات العجيبة المخصصة للصحافة. لا أريد أن أصف هذه القاعة لأن الجانب الخيالي عندي لا يستطيع وصفها الآن. أتأسف. دخلت إلى القاعة المخصصة بالجلسات، وأخذت مكاني بجانب الصحفيين، طبعا الصحافة لها مكانها الخاص في هذه القبة ولا يمكن أن تتجاوز حدودها وإلا سيتم طردها مثلما وقع في هذا اليوم حيث تم طرد أحد الصحفيين الذي ينتمي لإحدى الجرائد الحرة، لأنه تجرأ وحضر جلسة إحدى الأحزاب في جلساتها الخاصة قبل أن تدخل إلى القاعة الخاصة بالأسئلة. شيأ فشيأ بدأ السادة النواب في الدخول إلى القاعة، وبعد دقائق أخذ النواب مكانهم. بالصدفة هذا اليوم كان الحضور مكثفا. وأنا كنت مصدوما من شدة اندهاشي بهذا المشهد الكاريكاتوري الجميل. قبل أن تبدأ الجلسة تبادرت إلى دهني أسئلة كثير ومتنوعة. قلت في نفسي هل فعلا هذا هو المكان الذي تتدارس فيه قضايا المجتمع المغربي؟ هل فعلا كل القضايا التي تمس المجتمع المغربي تصل إلى هذه القبة الجميلة ؟ هل المغاربة يعرفون ما يدور في هذه القبة وكواليسها ؟ وهل يعرفون خلفية هذه الجلسات المتنوعة؟ يفتتح السيد الرئيس الجلسة لتبدأ المسرحية. السيد الرئيس يذكر بسرعة ببعض بنود القانون الداخلي للمجلس ويدعو جميع المستشارين إلى الالتزام بالوقت المحدد لكل مداخلة. السيد المستشار يبدأ في طرح السؤال وأول شيء يخرقه هو القانون الداخلي للمجلس. لا يلتزم بالوقت المحدد لأسباب معينة، حيث يبدأ في عرض مجموعة من الأحداث التي لا تخدم السؤال في الغالب ويترك السؤال الجوهري حتى ينتهي الوقت وبالتالي يخرق القانون فتبدأ الصراعات الكلامية بين المستشارين ورئيس الجلسة. ينتهي هذا المستشار من مداخلته ويبدأ السيد الوزير المسؤول بالإجابة على مداخلة السيد المستشار. طبعا الوزير الذي يجيب لا يخرق القانون الداخلي ولا يتجاوز المدة الزمنية المخصصة له، وذلك لغاية في نفس يعقوب. ثم يأتي مستشار آخر في مداخلته ويخرق المدة الزمنية المخصصة له، فيطلب منه السيد الرئيس التوقف ولكنه يرفض أن يتوقف لأن المستشار السابق هو أيضا خرق المدة الزمنية المخصصة له، وهكذا تستمر الجلسة وأشياء عجيبة أخرى تحصل. تقدم أحد المستشارين من حزب الأصالة والمعاصرة، الجديد والقوي بنفوذه، بمداخلة ورفض أن يتكلم وهو واقف، فطلب منه الرئيس أن يقف ولكنه رفض وقال أن القانون الداخلي للمجلس لا يرغمه على أن يطرح السؤال وهو واقف، ثم أضاف وقال إذا أردتم أن أقف فيجب أن يكون هذا الجهاز طويلا، وأشار بيده إلى جهاز الصوت. ونطق أحد المستشارين من مكان آخر وقال " لي عندو شي حساب إصفيه في مكان آخر". وأنا من فوق أسمع وأشاهد هذه الأشياء العجيبة، وطبعا كنت أسجل كل الأشياء التي تدور في هذه القاعة. قضية أخرى أثارتني وأنا أستمع لهؤلاء المستشارين المحترمين، وهي قضية اللغة التي يتكلمون بها. طبعا هي لغة عربية فصيحة ولكنها مشلولة. لماذا مشلولة؟ لأن أغلب المستشارين يتكلمون بلغة عربية خاطئة وكأنهم ليسو عرب. يرفعون وينصبون ويكسرون كما يريدون، يؤنثون ويذكرون تبعا لهواهم، لا مجال لمراقبة اللغة. كنت أفضل أن يتكلم كل المستشارين باللغة الدارجة والأكيد ذلك كان سيكون مفيدا. باستثناء وزير الثقافة بنسالم حميش صاحب ديوان كناش إيش تقول الذي كان يتكلم بلغة عربية أنيقة وقوية. إلى جانب هذه القضية المتعلقة باللغة أثارتني قضية عجيبة أخرى تتعلق برنات الهاتف. السادة المستشارين يتركون هاتفهم المحمول مفتوحا، يرن في أي وقت دون وجود أي احترام لهذا المجلس. أخلاقيا نغلق هواتفنا كلما جلسنا في مجلس معين احتراما له، فما بالك بمجلس سياسي كبير كمجلس المستشارين ومجلس النواب. هؤلاء يمثلون الأمة، يمثلون الشعب المغربي، وبتالي يجب أن يكونوا قدوة لهذا الشعب، ولكن الواقع يؤكد العكس. كل السادة الوزراء الذي أجابوا عن أسئلة السادة المستشارين، كانوا يجيبون بطريقة فضفاضة لا وجود فيها لأرقام وإحصائيات دقيقة. وقد كانت أغلب مداخلات السادة المستشارين تتعلق بالبادية وكل الوزراء يجيبون ويؤكدون أن العالم القروي تحسن بشكل كبير على جميع المستويات، سواء الاقتصادية أو الثقافية أو الصحية أو غيرها. حينئذ تذكرت بلدتي التي أنتمي إليها والتي تبعد عن مدينة تازة بحوالي 45 كلومتر، هذه البلدة مند أكثر من 20 سنة لم تتغير أبدا، ربما لأنها توجد في تازة وتازة من المدن المغضوب عليها. هي تنتمي لمدن المغرب غير النافع، لذلك من الطبيعي جدا أن لا نسمع بهذه البلدة الجميلة طبيعيا. أحسست بإرهاق كبير وأنا أستمع لهذا النفاق السياسي، وكنت مضطرا للبقاء في المجلس إلى أن أتى السيد وزير التشغيل جمال أغماني. كنت أعلم سابقا أن السيد الوزير سيسأل هذا اليوم سؤالا يتعلق بالمعطلين المتواجدين بالرباط حاملي الشواهد العليا. السيد أغماني أجاب عن وضعية المعطلين بطريقة سريعة، أشار فيها إلى أن الوزارة وظفت السنة الفارطة عددا مهما من المعطلين وفي هذه السنة السيد عباس الفاسي يؤكد أنه سيلتزم بتفعيل نسبة 10 في المئة من الميزانية التي وعد بها المعطلين، وقد أشار أيضا الوزير أغماني إلى اللقاء الذي عقد في ولاية الرباط والذي جمع مكاتب المجموعات المعطلة بمستشار الوزير الأول والكاتب العام لولاية الرباط وبعض الشخصيات الوزارية الأخرى، كما أكد أغماني أن توظيف هؤلاء الأطر لن يتجاوز أواخر ماي. أحسست برعشة كبيرة عندما سمعت بهذا التاريخ، بعدما كان قد وعد الكاتب العام للولاية ومستشار الوزير الأول بتوظيف الأطر العليا المعطلة في تاريخ أقصاه 15 ماي. انتهت المدة الزمنية التي قدمها مستشار الوزير الأول والكاتب العام للولاية وجاء التصريح الحكومي للسيد الوزير الأول في مجلس المستشارين ومجلس النواب ولكنه لم يتحدث عن توظيف هؤلاء المعطلين، مما يجعلهم في وضعية نفسية واجتماعية متدهورة أكثر من السابق. وقد كان طبيعيا أن ترد المجموعات المعطلة على هذا التماطل، وتجسد ذلك في الكارثة الإنسانية التي خلفها صمود مجموعة التجمع ومحاولتها اقتحام قبة البرلمان أثناء تصريح الوزير الأول أمام مجلس النواب. هذا الغضب والصمود الذي جسدته مجموعة التجمع المغربي هو ما ستقوم به باقي المجموعات المعطلة بشوارع الرباط، خصوصا مجموعات الشعلة والإتحاد والصمود، في حالة تماطل الدولة في بحر هذا الأسبوع. أعود فأقول أن جلسات مجلس المستشارين ومجلس النواب لم تكن منصفة، خصوصا لفئة المعطلين. لذلك يبقى أمل هؤلاء المعطلين موجودا كما أن ألمهم سيظل موجودا إلى حين أن يتحقق الإدماج المباشر والشامل والفوري في أسلاك الوظيفة العمومية.