كثيرا ما تحدثت وسائل إعلامنا، وسال مداد صحافيينا ومحليلينا، وتكلم سياسيونا في الفترة الأخيرة ،عن خارطة الطريق بين الفلسطينيين والإسرائيليين لحل الصراع بينهما. ولا أحد طرح السؤال، أو حتى فكر في خارطة طريق بين المغاربة أنفسهم أو بين المغاربة ودولتهم، لحل هذه الوضعية المتردية التي يتخبط فيها المغرب سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا، هذه الوضعية المتشابكة والمتشعبة في الوقت نفسه والتي تزداد حدتها يوما بعد يوم. خارطة الطريق أو البرنامج المرحلي، والاستراتيجي ،هو في البداية تشخيص موضوعي وحيادي لوضعية الدولة على كافة الأصعدة والمستويات، لرصد مكمن الخلل ليأتي بعد ذلك وضع خطط و حلول من أجل الوصول إلى الطموحات الكبرى المنشودة، وهذا ما لن يتأتى إلا بتحليل دقيق ، و وضع خطط مرتكزة أساسا على ثلاث نقط : -الإصلاح السياسي : ويعني ذلك إصلاحا دستوريا، فلا يمكن الحديث عن أي إصلاح اقتصادي واجتماعي ،ولا يمكن التحدث عن انتخابات نزيهة تعبر عن رأي المواطنين، ما دام القانون الأسمى والأعلى في الدولة و هو الدستور غير مرتكز على إصلاح .فالإصلاح الدستوري الذي يحتاجه المغرب هو بطبيعة الحال تبني دستور ديموقراطي من حيث الشكل أساسا ، ودلك بتشكيل جمعية تأسيسية يعهد إليها صياغة الوثيقة الدستورية، تتشكل بالإضافة إلى المؤسسة الملكية من كل الهيأت السياسية و المدنية والحقوقية، كيفما كان حجمها أو توجهها الفكري والايديلوجي، لتبني دستور ديمقراطي من حيث المضمون يفصل بين السلط التشريعية والقضائية والتنفيذية، ويجعل البرلمان يتمتع بكامل صلاحياته ،ومنتخب من طرف الشعب، وحكومة منبثقة عنه ،يحتكمان إلى قضاء مستقل عن الحكومة ،وعن الأجهزة الأمنية، وعن اللوبيات الاقتصادية والسياسية. وكذا دستور يعترف بالجهوية بناء على المعطيين السياسي والثقافي، ويعترف بهوية الشعب المغربي، ويضع حدا لاحتكار الدين من أي جهة ويفصله عن السياسة، ويجعله ملكا للمجتمع، باعتبار الغالبية العظمى من المغاربة تدين بالإسلام لأن فصل الدين عن السياسة ،لا يعني فصله عن المجتمع.إن هدا الشكل يمثل قمة الديمقراطية التوافقية التي تعبر بوضوح عن رأي الشعب، أكثر من الديمقراطية بالأغلبية، التي لن ترضي بأي حال من الأحوال فئة من المجتمع ،وهدا الشكل من التوافق ستنبثق عنه لا محالة حكومة وحدة وطنية تعمل على برنامج يحضى بالإجماع الوطني . -الإصلاح الاقتصادي: إن ما يمكن أن توصف به المنظومة الاقتصادية بالمغرب ،كونها منظومة غير واضحة المعالم. إن الدستور المغربي في بابه الأول الذي يتحدث عن المبادئ الأساسية للدولة، نجده ينص في فصله الأول على نظام حكم اجتماعي، وهنا الاجتماعية الاقتصادية قيمة مستمدة من المذهب الاشتراكي، و في الفصل السادس ينص على أن الإسلام دين الدولة، والإسلام كشريعة يتوفر على منظومة الاقتصاد الإسلامي، التي تحدد العلاقات الاقتصادية داخل الدولة، أما الفصل الخامس عشر فينص على حق الملكية وحرية المبادرة، واللتان تعدان من صميم المذهب الليبرالي. من هنا ادن فالاقتصاد المغربي من الناحية المذهبية، ما هو باقتصاد اشتراكي ولا إسلامي ولا ليبرالي، وهذا ما يتجلى بالملموس في الواقع الاقتصادي المغربي، حيث سيادة الفوارق الطبقية، وضعف نسب النمو الاقتصادي، وتدني مؤشرات التنمية البشرية ،والارتفاع المستمر لنسب التضخم، والعجز المتلاحق للميزانية العامة، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، وتدني الاستثمارات، وملامسة ما يمكن تسميته باقتصاد الريع، حيت اعتماد الاقتصاد المغربي بشكل كبير على الفلاحة التي تعتمد بدورها على الزراعة التقليدية، هي نفسها تعول على التساقطات المطرية التي غالبا ما تنقطع باستمرار ،من هنا فالاقتصاد غير مبني على أسس متينة. إن تحديد المرجعية المذهبية للاقتصاد الوطني ستحد من حالة الارتجالية التي يشهدها القطاع، فقد تبنت الدول العصرية لمنظومات اقتصادية ليبرالية بالأساس، لكنها تتسم بالمساواة ،والعدالة الاجتماعية ،وتخليق العلاقات الاقتصادية. كما أن المغرب بحاجة لوضع إستراتيجية اقتصادية على المدى القصير والبعيد ،عكس ما يحصل الآن حيث توضع مخططات متفرقة، ومشتتة، وغير متكاملة فيما بينهما، مما يجعل نتائجها لا تحقق الأهداف الاقتصادية المسطرة. الإصلاح الاجتماعي: استحضار الإصلاح الاجتماعي داخل الدولة، لا يعني القيام بحملات لمحو الأمية، أو التطبيب، الغير منطلقة من استراتيجية .إن الإصلاح الاجتماعي الحقيقي هو الذي يكون مبنيا على محوري المعرفة والثقافة أولا، والتربية بمختلف مستوياتها ثانيا. وهذا ما وصلت إليه نظريات الاقتصادية والاجتماعية. إن تحقيق الإصلاح الاجتماعي داخل المغرب، يقتضي تعبئة كافة الوسائل وكل مكونات المجتمع، فالدولة مسؤولة على توفير الوسائل الممكنة واثبات الإرادة السياسية، وهيئات المجتمع والمواطنين مسؤولون على توظيفها لتحقيق ذلك الإصلاح. إن أي إصلاح سياسي واقتصادي غير مقترن بإصلاح اجتماعي، لنلا معنى له، فما جدوى دستور ديموقراطي لشعب جائع ،أو لشعب لا يجيد القراءة والكتابة ،ولا يعرف حقوقه وواجباته الدستورية. مما سبق فإن خارطة الطريق لتحقيق مغرب "ممكن"، لا يمكن أن نعيشه إلا بإصلاح مرتكز على ثلاث أسس: سياسية، اقتصادية، واجتماعية. لا إصلاح مبني على الارتجالية و استنزاف الطاقات والموارد، أو إصلاح يعالج الملفات بشكل متفرق، إن تحقيق دولة عصرية هو الأمل المنشود لكل المغاربة ليعيشوا في دولة ديموقراطية سياسيا ومزدهرة اقتصاديا ومستقرة اجتماعيا. *باحث سياسي