ذات يوم من سنة 2012 خرج من السجن بعد تسع سنوات غيّرته تماماً من فقيه متشدد في الدين بارك هجمات 11 شتنبر الإرهابية، إلى مقدم برنامج وناشط في حزب سياسي وداعية عصري يؤمن أن تلك الهجمات ما كان يجب أن تكون. أبدى إعجابه يوماً ما بأغنية "جانجام ستايل" وأكدّ أنه يحب الصوت واللحن الجميل، كما أيّد أن تكون خطبة الجمعة بالأمازيغية في المناطق المغربية التي لا تنتشر فيها الدارجة. تعرّض لاتهامات بالتشيّع وب"بيع الماتش"، وجعل من "الفيسبوك" منبراً لصور تظهر رجلا أنيقاً ببذلة وربطة عنق بدل الصورة التقليدية عن الفقيه. تغيّرت الأزمنة وتغيّر معها محمد عبد الوهاب رفيقي، أحد المعتقلين في فبراير سنة 2003، ثلاثة أشهر قبل أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، فمن اتهامات تتعلق بتحريض الشباب على التطرف وإقامة خلية تدريبية، إلى اتهامات جديدة بعشق الموسيقى والإيمان بالسياسة، في حاضر نفى فيه المعني بشكل قاطع أن يكون سلفياً، وإنما داعية إسلامي، أو لنقل تحديداً مفكراً إسلاميا، ما دام عضواً للأمانة العامة لمنتدى المفكرين المسلمين. يقول أبو حفص عن تجربة سجنية كان محكوما خلالها بثلاثين سنة، قبل أن يخرج بعفو ملكي:"إحساسي عن التحوّل من إمام وخطيب لمعتقل، هو الشعور بالقهر ومرارة الظلم وعدم تقدير لطاقة واعدة كانت مستعدة لتخدم بلدها، أحسستُ بالمرارة وأنا الشاب في مقتبل عمره وأولاده حديثي عهد بولادة، فبدل أن أكون في المنتديات والندوات والمحاضرات، كنت حبيس زنزانة مظلمة سوداء." من مواليد الدارالبيضاء سنة 1974، ابن داعية إسلامي معروف هو أبو حذيفة أحمد رفيقي، حصل على الإجازة من الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة، وأخرى في القانون الدولي بفاس، وشهادة الماستر من المدينة ذاتها في "فقه الأموال في المذهب المالكي"، وهو حالياً في طور الإعداد لشهادة دكتوراه خاصة بالنظام المالي في الإسلام. لا ينفي أبو حفص أنه كان متشدداً في وقت من الأوقات، ولأجل ذلكِ يؤكد أنه قام بمراجعات كثيرة، أهمها وثيقة "أنصفونا" التي صدرت عنه عندما كان في السجن، والتي نادى من خلالها بفتح أبواب الحوار مع مختلف الأطراف والجهات من سلطة عمومية وصحافة ورجال الفكر والمناضلين السياسيين والحقوقيين، كما أكدّ فيها تبرؤه من العنف ومن تكفير المجتمع وكذا معارضة النظام الملكي. غير أن المراجعات التي قام بها أبو حفص، لم تجد صداً طيباً عند بعض المحسوبين والمحسوبات على "السلفية الجهادية"، فقد انتقدته الملقبة بأم آدم المجاطي المعتقلة الإسلامية السابقة، وقالت إنه انتقص من الشهداء والمجاهدين بمبادرته، وعرض نفسه على الدولة بكل شهامة ونخوة، ولم يطلب ردّ الاعتبار ولا جبر الضرر، ولا محاسبة الجلاد الذي طغى وتجبر. قيل عنه إنه متشيع، ونُشرت مقالات كثيرة تتهمه بذلك، دليلها أنه بالغ في مدح علي بن أبي طالب، وأنه انتقد بشكل كبير للغاية معاوية بن أبي سفيان وبعض الصحابة، إلا أن أبو حفص ردّ في برنامج إذاعي أن مناهضته لبني أمية في تاريخ الإسلام، لا تعني أنه ينتمي إلى الشيعة، فضلا عن أن لا صلة تجمعه بمن ينعتون الصحابة أو زوجات النبي (ص) بنعوت غير لائقة. لم يكف أبو حفص عن إثارة الجدل منذ خروجه إلى السجن، فبعد أن كان يرفض التحزب، انتمى إلى حزب النهضة والفضيلة، ليس كمجرد عضو عادٍ، بل كنائب الأمين العام للحزب، كما غزت صور جولاته وزياراته لعدد من الأقطار العربية والإسلامية حسابه على فيس بوك، وتحوّل إلى ضيف إعلامي مرغوب فيه حتى في قناة كالجزيرة، بل إن أبو حفص، لم يكتفِ بالظهور في الإعلام، بل صار فاعلاً فيه، حيث يُنشّط حالياً برنامج "في العمق" لإذاعة إم إف إم. يقول المعتقل السابق في هذا السياق: " منذ أن غادرت الأسوار وأنا منفتح على وسائل الإعلام لما أعلم لها من دور كبير في التأثير وما تمنحه من التواصل وما تعطيه من مساحات لتبليغ الافكار، لذلك لما عُرض عليّ تنشيط البرنامج، استجبت بسرعة، وأنا جد مستمتع بهده التجربة الحياتية الجديدة". يقدم أبو حفص مثالاً فصيحاً على تطور نحو الأمام، ليس تناقضاً بين قناعات الأمس والحاضر، ولكن الأمر يتعلق بفكر يتطور، وبأخطاء صُححت.. وعندما يتذكر المغاربة في هذه اللحظات ما وقع من آلام قبل 11 سنة بالتمام والكمال في الدارالبيضاء، عندما أُزهقت أرواح بريئة في تفجيرات إرهابية، يتذكر كذلك أبو حفص ما قاسه في السجن داخل زنزانة انفرادية، وعوض الركن إلى الوراء وانتقاد من وضعوه في السجن بتهمة أكدّ أكثر من مرة أنه منها براء، اختار أبو حفص أن يطلق صوته على الأثير، كي يتحدث عن الوسطية والاعتدال في دين رب العالمين.