تظل قضية «المراجعات» لدى المعتقلين في إطار ما يسمى ب«السلفية الجهادية» تثير الكثير من الغموض والتساؤلات حول مدى وجود «حركة تصحيحية» فعلية لمراجعة المواقف الفكرية «المتطرفة»، أم أن ما يسمى ب«المراجعات» لا يعدو أن يكون إلا مناورة للانعتاق والخروج من السجن، هدفها الأبرز نيل الرضى والتعاطف، دون أن تكون مبنية على قناعات شخصية. من مراجعات الشيخ أبو حفص، في وثيقته الشهيرة «أنصفونا»، ومراجعة حسن الخطاب في وثيقة «المصالحة الوطنية هي طريق المواطنة»، ومقالات الشيخ محمد الفيزازي، ووثائق أخرى للشيخ محمد الكتاني، تبقى مناقشة «المراجعات» لدى ما يسمى «السلفية الجهادية» محفوفة بالمخاطر، في ظل تعدد التيارات داخل الحركة الواحدة، ووجود قراءات وتأويلات مختلفة للنص الديني الواحد. البيان الأول للشيخ أبو حفص رفيقي يشكل أحد أشهر هذه «المراجعات»، على قلتها، والذي أدى إلى ردود فعل مضادة ومنتقدة من داخل السجن، من طرف معتقلين يعتبرون أكثر تشددا في مواقفهم، ويرفضون بشكل قاطع مسألة المراجعات. لكن الشيخ أبو حفص ذهب أبعد من ذلك وأصدر بيانه الشهير المعروف باسم «أنصفونا». ومن أبرز ما حملته وثيقة «أنصفونا»، التي عمم مضامينها منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، استنكار الشيخ أبو حفص للعمليات المسلحة في بلاد المسلمين، وعدم معارضة النظام الملكي في المغرب، ورفض تكفير المسلمين، وتقدير كل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، والدعوة للتواصل مع الفعاليات المدنية. لكن في ظل هذه «المراجعات»، التي تبقى مبادرات فردية في عمومها، يظل تيار داخل السجن متشبثا بمواقف التكفير وسفك الدماء، ولعل من أبرز الداعمين لهذا التيار نجد «خلية يوسف فكري» ومن أدينوا بالتورط في تنفيذ تفجيرات 16 ماي 2003 الإرهابية، الذين ظلوا متشبثين بمواقفهم وغير مبالين بأي مبادرة لمراجعة مواقفهم التكفيرية والإجرامية، جاعلين من تأويلاتهم المتطرفة للنص الديني مرجعا لتكفير الآخر. وما يبرز تعقد قضية «المراجعات» داخل تيار «السلفية الجهادية» هو تسجيل حالات العود بعد الاستفادة من العفو الملكي، والتي كان أبرزها المتهم الرئيسي في خلية «أنصار المهدي»، حسن الخطاب، الذي سبق أن استفاد من العفو الملكي، في إطار استفادة حوالي 315 من السلفيين من العفو في مناسبات مختلفة. حسن الخطاب، زعيم خلية «أنصار المهدي»، المحكوم عليه ب30 سنة، أعلن مبادرة من داخل زنزانته أطلق عليها اسم «المصالحة الوطنية هي طريق المواطنة». في هذه المبادرة، التي تدخل في إطار ما يسمى ب«المراجعات»، وردت مجموعة من المواقف نذكر منها تنديده بالتفجيرات التي شهدها مقهى أركانة بمدينة مراكش. بالنسبة لوزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، فإن موضوع المراجعات يحتاج إلى دراسة دقيقة لتفادي السقوط في بعض المشاكل، حيث سجل أن التقارير تقول إن 48 شخصا من الذين أنهوا العقوبة أو خرجوا بعفو سجلت لديهم حالة العود. لكنه عاد ليؤكد، في لقاء سابق داخل لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، أن ملف السلفية الجهادية شائك لكنه سيتعاطى معه بالرغم من أنه ليس اختصاصا حكوميا، وذلك لمعرفة الأشخاص البريئين من الأشخاص المتشبثين بالإرهاب. في السياق ذاته ، يرى عبد الحكيم أبو اللوز، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، أن «القاموس السلفي مازال يتعلم المفاهيم السياسية الأولى للقانون الدستوري، ومازال يتعلم أساسيات العمل السياسي، أما الحديث عن المراجعات فإذا كانت مرتبطة بمواقف سياسية فهذا ما تريده الدولة، لأنها لا تطالب بمراجعات فكرية عميقة، بل تطلب فقط التبرؤ من العمليات الإرهابية، وبالتالي فالمراجعات الفكرية لا توجد وربما قد تأتي في المستقبل، أما تغيير الموقف السياسي فهو موجود». ويوضح أبو اللوز أنه «لوحظ اقتراب ما بين السلفيين والإسلاميين في المغرب، وبعد انفتاح الآفاق وفتح دور القرآن لوحظ تقارب ما بين الأصالة والمعاصرة والسلفيين، وكل هذه المواقف تدل على براغماتية سياسية لهذا التيار، الذي يجيد ممارستها ويحسن تدبير اللحظة السياسية، ولكن على مستوى المراجعات لا أظن أن هناك بالفعل مراجعات، فصحيح أن هناك وثائق وتقارير ولكن المراجعة بالمعنى الفكري والتنظيري لا توجد، بقدر ما هناك مواقف جديدة، وهذا ما تريده الدولة». وفي رده على سؤال حول مدى اعتبار المراجعات مجرد مناورة أو تكتيك للخروج من السجن، اعتبر أبو اللوز أن المناورة في القاموس السياسي مطلوبة، لأن العمل السياسي يقوم على المناورة والتوافق والقطيعة والتكيف مع الظرفية، وبالتالي فتغيير الموقف مع تغيير الظروف السياسية ينم عن ممارسة سياسية بالشكل المتعارف عليه، لكن القفز من هذا المستوى السياسي إلى اعتبار التعبير عن بعض المواقف مراجعات فكرية ونظرية فهذا يتطلب الشيء الكثير، من قبيل وجود أشخاص توفر لديهم نوع من الاستقلالية للبحث في المسائل النظرية، وهو ما لم تصل إليه الحركة الإسلامية المغربية، فما بالنا بالسلفية». وفي خضم مناقشة جدلية المواقف الظرفية والمراجعات الفكرية العميقة، يبقى موضوع «المراجعات» يحمل الكثير من الغموض، ويجعل من إمكانية الاعتماد عليها كمعطى أساسي في تصفية هذا الملف الشائك يحمل في طياته مجموعة من التساؤلات حول مدى وجود قناعات وإرادة شخصية لدى الطرف المتراجع، وأيضا مضمون وطبيعة الموقف أو الفكر المتراجع عنه.