من بين كل الأديان القائمة في العالم المعاصر، يَفْرِض "الدين-الإسلام" نفسه بصفته أشد الأديان "عقلانية" و"عَلْمانية". لكن مثل هذا التأكيد سيَصْعَق كثيرا من "العَلْمانيين" (الذين يَزعُمون أن كل الأديان غير عقلانية) و"الإسلامانيين" (الذين يدَّعون أن "الإسلام"، كما يفهمه ويعيشه أحدهم، هو "الدين" لا غير)، لأنه تأكيد يَنقُض ٱدِّعاءاتهم فيُناقِض بذلك أهواءهم. فأما أدعياء "العَلْمانية"، فَتَراهُم -لِظنِّهم أن "العقلانية" حِكْر عليهم- يُصرُّون على نفيها عمّن سواهم و، بالأحرى، عمّن يستند إلى "الإيمان"، كما لو أن "العقلانية" نوع واحد بِوُسْع المرء أن يَسْتَحوِذ عليه دون شريك، وكما لو أنها تستطيع أن تَقُوم في الأصل دون "إيمان" يُحقِّق جدوى وقيمة "العقل" نفسه! ولهؤلاء أن يتأملوا بضع آيات من "القرآن الكريم" مثل قوله تعالى: «قُل: "هاتُوا بُرهانكم، إن كنتم صادقين!» (البقرة:111 ؛ وأيضا الأنبياء: 24 ؛ القصص:75)، «ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم! إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولا.» (الإسراء:36)، «أفلا تعقلون؟!» (فاصلة-لَازمة كُرِّرت في أكثر من عشر آيات) و«لعلَّكم تعقلون!» (فاصلة-لَازمة كُرِّرت في ثماني آيات)، «لِقَوْمٍ يعقلون!» (فاصلة-لازمة كُرِّرت في ثماني آيات). تُرى، هل يُستساغ عقلا أن يكون دينٌ يُخاطِب كِتابُه المقدس الناس بمثل هذه النصوص دينا غير عقلاني؟! وهَلَّا يَأْتِنا أدعياء "العقلانية" من "العَلْمانيين" بما يُضاهِي تلك النصوص من كُتب أصحاب الأديان الأخرى؟ وأما "الإسلامانيون" الذين يتبرَّأون من "العَلْمانية" مطلقا، فلهم أن يتأملوا آيات مثل قوله تعالى: «لا إكراه في الدِّين، قد تبيَّن الرُّشد من الغيّ.» (البقرة:256)، «أَفَأنت تُكْرِه الناس حتى يكونوا مؤمنين؟!» (يونس:99)، «فذَكِّرْ، إنمّا أنت مُذكِّر. لست عليهم بمُصيطر!» (الغاشية:22). تُرى، هل يُستساغ شرعا أن يكون دينٌ يُخاطِب كتابُه المقدس الناس بمثل هذه النصوص دينا قائما على الإكراه ومُقيما لمحاكم التفتيش ومُتسلِّطا على الناس في اعتقاداتهم وسلوكاتهم؟! هلَّا يَأْتِنا أدعياء "الإسلامانية" ببيِّنات على جدارتهم باغتصاب حَقِّ أن "الدين" كله لله؟ يبدو، إذن، أن "الدين-الإسلام" واقعٌ تحت تَلاعُب نوعين من المُتطرِّفين: أولئك الذين يُنكِرون عليه أن يكون دينا يدعو إلى "المعقولية" كأساس ل"المسئولية" ؛ وهؤلاء الذين يُنكِرون عليه أن يكون دينا يدعو إلى "حرية الاعتقاد" و"التعبُّد" و"واجب التسامُح". وإذا كان أدعياء "العقلانية" من العَلْمانيين يَخلِطون بين "الدين-الإسلام" (الأصول الكُبرى والمُثْلى) و"واقع التديُّن" في حياة المسلمين ماضيا وحاضرا، بحيث يُلصقون عيوب وآفات هذا "الواقع" الرديء بذلك "المِثال" السامي، فإن أدعياء "الإسلامانية" من مُتطرفي السلفية بالخصوص لا يُميِّزون بين تديُّنهم الخاص الذي لا يَنْفَكّ عن النقص وبين "الدين-الإسلام" الذي أُكمِل مِثالا خاتمًا رحمةً للعالمين، بحيث تتوهَّم كل جماعة منهم أنها التجسيد الحق للإسلام في الأرض. ذلك بأن المتطرف "العَلْماني" يُريد أن يتخلَّص من "الدين-الإسلام" بِرَدِّه إلى مظاهر "اللَّاعقلانية" في تديُّن كثير من المسلمين، في حين أن المتطرف "الإسلاماني" يُريد أن يَتملَّص من "العقلانية" ليتمكَّن من فرض تديُّنه الخاص باسم "الإيمانية" كطريق للخلاص، وحيد ومُلْزِم لكل الناس. فالمتطرف "العَلْماني" يتلاعب ب"العقلانية" لِيفْرِض فهمه الخاص ل"العقل" ك"دين" مُتنكِّر، والمتطرف "الإسلاماني" يَتَّكِئ على "الإيمانية" لِيَفرِض تأويله الخاص ل"الدين-الإسلام" ك"عقل" مُتسلِّط. ولذلك، تجد أن التعارُض القائم بين التطرُّف "العَلْماني" والتطرف "الإسلاماني" ليس سوى تعارُض ظاهري، إذ كلاهما يقوم ضد "العقلانية" كما تتحدّد في الواقع الموضوعي الذي يُوجب النظر إلى ما يكتسبه الناس في هذا العالم -سواء أَسُمِّيَ تعقُّلًا أم تديُّنًا- في نسبيته الضرورية، لأنه يبقى مشروطا من الناحية الاجتماعية والتاريخية بحيث لا يَملِك -بصفته هذه- أن يفرض نفسه ك"حق مُطلق" يُلزِم الناس كافة ؛ وإلّا، فهذا هو واقع الاختلاف الذي كان ولا يزال يجعل الناس في تدافُع دائم بَغْيًا وظلما فيما بينهم وابتلاء من لدن ربهم العزيز الحكيم. ومن هنا، تأتي ضرورة تجاوُز ذَيْنِك التطرُّفين اللَّذين يتجه أحدهما نحو التَّدْيِِين "العَلْماني" للعقل ويميل الآخر إلى التعقيل "الإسلاماني" ل"الدين-الإسلام"، لأنهما كليهما يُغفِلان أن الِارتفاع عن "الدنيا" ليس مُعطى قائما بين أيدي الناس ك"حق" نهائي، وإنما هو حصيلة مُجاهَدة تُعرَف فقط في "الآخرة" يوم الحساب الذي هو يوم "الدين الحق". وفيما وراء ذلك، يبقى الرِّهان مُتعلِّقا بالاجتهاد المعقول في كيفية تدبير أشكال الِاختلاف بهذا العالَم الدنيوي لجعل "الدين" كله لله، بحيث تنتهي الفتنة به (وفِيه) فلا يكون ثمة إكراه لأحد على عبادة أي أحد، لأن ذلك هو مَناط "الرُّشد" كاستقلال عن وِصاية من يَتَّخذون أنفسهم أربابا من دون الله، فيُريدون أن يستعبدوا الناس كَرْهًا وقد تعبَّدهم خالِقُهم طَوْعًا. إن كثيرا من المُسلمين لَيَرَوْن في "العَلْمانية" (« secularism/laïcisme ») العدو اللَّدُود للإسلام، من حيث إنهم لا يفهمونها -في معظم الأحيان- إلا ك"نَفْي مُطلَق للدين" (من هنا ترجمتها الشائعة ب"اللَّادِينيّة"). وحقًّا، ف"العَلْمانية" يَحرِص أدعياؤُها على تقديمها -في الغالب- كفَصْل مُطلَق (ومُطلِّق) للدين عن مَناحي الحياة العامّة (مجال السلطة والسياسة بالخصوص) بشكل يَحصُر "ما هو ديني" في الحياة الخاصة والشخصية، كما لو أن "الدين" ليس له من "المعقولية" (ومن الفائدة) إلا ما يَدخُل في إطار "الإيمان" (أو "الاعتقاد") الخاص، بحيث لا يستطيع أن ينتقل إلى مستوى "المعرفة" الموضوعية أو العلمية (ومن هنا الخلط العربي بين "العَلْمانية" بالمعنى السابق، و"العِلْمانية" بمعنى «النُّزوع نحو إعطاء الأفضلية للعِلْم على كل ما سواه» في مُقابل « scientism/scientisme »، وهو خلط يَصُبّ في صالح "العَلْمانية" بإعطاء الِانطباع بأنها مؤسسةٌ فعلا من الناحية العلمية!). لكن "العَلْمانية" تتحدَّد، خارج توهُّمات أدعيائها، في تَحْيِيد "الدولة" (كسلطة سياسية) على مستوى الِاعتقاد والسلوك الدينيَّيْن لتفادي النزاعات والحروب ذات الصبغة الدينية و، من ثم، تجنُّب كل أنواع الإكراه الديني كما عُرِف بالخصوص على أيدي الكنيسة ومحاكم تفتشيها الرهيبة. وتحييد "الدولة" وإلزامُها الحياد من الناحية الدينية (في مجال الاعتقاد والسلوك الدينيين) هو الذي يفهمه بعض المُتطرفين من "العَلْمانيين" كتحييد أو تعطيل للدين نفسه، كما لو أن "العَلْمانية" تَعني بالتحديد الإلغاء الفعلي للدين من الحياة العامة. وبما أن "العَلْمانية" تُقدَّم بهذه الصورة (يُقال عنها، في الغالب، إنها فصل ل"الدين" عن مجال "الدولة" أو عن عالَم "الحياة")، فإنها تُثِير "المُتديِّنين" الذين يُؤمِنون بأن "الدين" ليس مجرد شأن خاص، بل يندرج في نطاق "الشأن العام" بفعل الأهمية البالغة للاعتقاد والسلوك الدينيَّيْن في الحياة العامة للناس، بشكل يجعل "التديُّن" أقرب إلى أن يكون في الواقع "كلّ الشأن العام". ومن هنا، تأتي مُعارَضة المسلمين (والإسلاميين) للعَلْمانية التي تُفهَم كتحييد للدين يَؤول إلى إلغائه من الحياة العامة. وهذا الاعتراض هو الذي يُظهِر أن "العَلْماني"، مهما بلغت عقلانيته، لا يستطيع أن يُثبِت انفكاكه الفعلي عن كل "إيمان"، بما في ذلك إيمانه بأهمية "العقل" و"العَلْمانية"، على نحو يَرجِع إلى كشف نوع من "التنكر الديني" على الأقل في بعض ما يدَّعيه! من البَيِّن، إذن، أن هناك سوء فهم بشأن "الدين" في المجال العمومي يُكرِّسه، في آن واحد، المتطرفون من "العَلْمانيين" و"الإسلامانيين". فتحييد الدولة دينيا غايتُه تفعيل المبدأ الإسلامي "لا إكراه في الدين" لضمان التعدُّدية والحرية الدينيتين بالنسبة لكل الناس تحت مِظلّة "الدولة" التي يُفترَض فيها أن تقوم كمجال مَدَني وسياسي محايد حيث تُحفَظ الحقوق والمصالح بعيدا عن أي تمييز ديني (أو غيره). وهذا التحييد السياسي للدولة ليس تحييدا مَدنيّا للدين باسم "العقل"، لأن فَهْم "التحييد" بهذا المعنى يَرتدّ إلى جعل "العَلْمانية" -وهي بِنت "العقل"- بمثابة "دين عقلي" مُتنكِّر تَسهر على فرضه "الدولة" في المجال العمومي (كما هو الحال في النموذج الفرنسي حيث يتم تقديس "العلمانية"). ذلك بأن "المُساواة المدنية" بين المُواطنين ليست فقط أساسا عقليا ووضعيا، بل هي أيضا أساس طبيعي وديني لأبناء آدم من حيث إنه لا فضل لأحدهم على آخر إلا من ناحية "الفضيلة الأخلاقية" التي هي، في الآن نفسه، "فضيلة مدنية" تُؤسِّس ل"الإخاء" و"العدل" بين الناس كأصلَيْن عقليين مُقَوِّمَين لكل شرع ديني بصفته الشرع "الوضعي" عينه وقد ٱتَّخذ لباسا عقليا. لذلك، فإن التعارُض المُفترَض بين "الديني" و"المدني"، الذي ما فَتِئ يُعرَض (ويُفرَض) كتناقُض بين "العقلي" و"الإيماني"، ليس سوى تضليل من جانب المُتطرفين -في هذا الاتجاه أو ذاك- مِمَّن يتوهمون إمكان تأسيس "العقل" من دون "الإيمان" أو أن "الإلزام المدني" لا يشترك في شيء مع "الإلزام الديني". وكون هذين النوعين من التطرُّف يلتقيان ك"لغوى" تزدوج ب"فوضى" (لغوى "العَلْمانيين" نهايتها القُصوى أن تُؤدي إلى تَسيِيب "العقل"، وفوضى "الإسلامانيين" غايتها أيضا تسييب "الإيمان") يجعل إمكان تجاوُزهما نحو التأسيس الواقعي للعقلانية رهينا بتجاوُز كل إكراه مُتسلِّط (سواء أَتَّخذ شكل "الإيمان" أم "العقل") نحو إلزام طوعي وإرادي (فهي، إذن، عقلانية "مدنية" و"دينية")، وذلك من خلال بناء فضاء دُنيوي لتدبير الشأن العام على أساس المُساواة الطبيعية والمدنية بين كل المواطنين من أجل التمكُّن من التوزيع المُنصف لمختلف الموارد والخيرات (المادية والرمزية) من دون أي تمييز أو تحيُّز (وهذا هو المثل الأعلى في "الدين" كدعوة إلى "القسط" و"العدل"). ومن ثم، فإن "الدين-الإسلام"، لقيامه ك"شرع معقول"، لا يَقبَل أن يُفرَض على الناس بالإكراه كما يَتوهَّم "الإسلامانيون" ولا أن يُلْغى من الحياة العامة كما يُريد له "العَلْمانيون" بدعواهم الباطلة عن الاستقلال المطلق ل"العقل". فمجموع التجربة المعيشة للناس ليست مجرد اعتقادات وتصرُّفات خاصة خارج كل معقولية، وليست -في الوقت نفسه- تنزيلا آليا لأوامر نهائية وقطعية خارج كل تحديد ضروري من الشروط الاجتماعية والتاريخية المُتحكِّمة في الوجود والفعل البشريين بهذا العالم. ولذا، فلا إمكان لقيام "المعقولية" و"المسؤولية" إلا على أساس التدبير المدني والسياسي للشؤون العامة كمجال لنوع من التدبير التفاوُضي والتشارُكي بين مجموع المُواطنين الأحرار والمُتساوين من أجل ترشيد آليات الإلزام المدني والأخلاقي بعيدا عن سُبُل الإكراه المُتسلِّط باسم "العقل" أو "الإيمان". ويقتضي ذلك، بالتأكيد، قيام فضاء من المُؤسسات المدنية للنهوض بالشؤون العامة في إطار "دولة راشدة" محكومة ب"شرعية قانونية" ضابِطة (وليس ب"أهواء" من يظنون أنفسهم معصومين من دون كل الناس) ومستندة إلى "مشروعية سياسية" ضامِنة (من "المجتمع المدني" كمجموع ل"المواطنين" الأحرار والمُتساوين الذين أمرهم شُورى بينهم). وحينما تُفهَم "العقلانية" و"العَلْمانية" في تلك الحدود، يُمكن إدراك أن "الدين-الإسلام" لا يقوم لا دون العقل ولا ضدّه. ولأنه يتجلى بصفته كذلك، فهو دين "عقلاني" و"عَلْماني" على الرغم من أُنوف المتطرفين من "العَلْمانيين" و"الإسلامانيين". ويُعَدُّ فقه الشريعة في الإسلام، بما هو مجالٌ لتحديد الأحكام الشرعية المُحدِّدة لأفعال المسلم المُكلَّف، المجال الذي يُظهر ذلك التَّجلِّي العقلاني والعلماني ل"الدين-الإسلام". فالحُكم الفقهي كفتوى ليس أُحاديا (الاجتهاد حق لكل عالِم)، ولا يَفرِض نفسه إلا مُعلَّلا تعليلا عقليا على نحو يجعله لا يُفرَض بواسطة سلطة معينة (حتى لو كانت سلطة "الدولة"، إذ حكم الدليل هو الحجة في الأخذ به). ومن هنا، كان الاجتهاد الفقهي عبر التاريخ اجتهادا حُرّا ومُتعدّدا (مِحَن "الفقهاء" و"القضاة" مع أصحاب السلطان معروفة). ولا يُصار إلى جعل الحكم الفقهي مُلْزِما إلا في المدى الذي يُعبِّر عن "الإرادة العامة" للأمة على أساس التعاقُد والتشاوُر فيتحول، بذلك، إلى "حُدود" يَسري أثرُها على الجميع ما دامت تُحقِّق مصلحتهم (حيث إن "الحُدود" تبقى قابلة لأن تُدرَأ بأدنى شُبهة، ومُعرضة للتعليق إذا لم تتوافر شروط إقامة العدل في تطبيقها، على نحو يُؤكّد أنه لا مجال لإكراه الناس على شيء إلا بالحق، وهو الحق الذي يُوجِب جعل مجال الإلزام تفاوُضيا وتشارُكيا لإقامة العدل بين الناس كافة دون تمييز أو امتياز). ومن أجل ذلك كله، فإن "الدولة الراشدة" ليست دولة دينية بالتحديد، وليست إسلامية بالضرورة كما يَدَّعي "الإسلامانيون"، بل هي "دولة مَدنيّة" تُحكِّم "الشرع" تحكيما بالوضع العقلي كاجتهاد فقهي مفتوح، وليس بالإكراه السلطوي كتنزيل إيماني مُغلَق. ولهذا، فإن "الدولة الراشدة" لا دِين لها سوى حفظ "الدين" بعيدا عن كل استعمال مُضلِّل من قِبَل هذه الفئة أو تلك لتشريع وتسويغ ما لم يُنزل الله به من سلطان. وتحييد "الدولة" في مجال "الدين" هو الذي يَكْفُل لها "الرشد" بحيث تمنع "الإكراه في الدين" على النحو الذي يُمكِّن من جعله حقًّا مَصُونا لجميع المُواطنين من دون تمييز إيجابي أو سَلْبي بينهم من قِبَلها كسلطة عمومية. وإذا أرادت فئة ما فرض ما تراه حقا ومصلحة، فعليها أن تَتَّبِع السُبُل المدنية لدعوة الناس بالحكمة و/أو الموعظة الحسنة و/أو التي هي أحسن لإقناعهم بصواب ذلك حتى يتأتّى لها الإسهام ديموقراطيا في ترشيد الشأن العام تأليفا مدنيا بين الإرادات المُتنازِعة وتقريبا عقليا بين الأفهام المُتباعِدة تجنُّبا منها للوقوع في فوضى الاختلاف بَغيًا وظُلمًا حتى بعد مجيء البَيِّنات بأنه «لا إكراه في الدين، قد تبيَّن الرُّشد من الغيّ». ولكن، «ولو شاء ربك، لجعل الناس أمة واحدة. ولا يزالون مُختلفين، إلا من رَحِم ربك. ولذلك خلقهم!» (هود:118-119). وكل ذلك لِيَبْلُوهم فيما آتاهم أيّهم أحسنَ عملا، إذ كان أنفعَ الناس للناس، ولو على حساب نفسه. غير أنّ أكثر الناس ظالمون. [email protected]