أم بدايات متقدمة للجهوية الموعودة؟ سجلنا في تعاملنا الإعلامي اليومي مع الشأن النقابي بالمغرب، سواء على الصعيد المركزي، أو على صعيد الجهات والأقاليم، أو على الصعيد القطاعي، وجود حركية غير مسبوقة في العمل النقابي، تتجلى في خفوت الصوت النقابي على الصعيد المركزي. ونقصد بذلك صوت المكاتب الوطنية للمركزيات النقابية الذي يزداد خفوتا يوما بعد يوم وجلسة حوار اجتماعي بعد جلسة حوار اجتماعي. وهي الجلسات التي تحولت إلى انتكاسات حقيقية للمكاتب الوطنية للمركزيات النقابية الشريكة في هذا الحوار/ المسرحية التي لم يتفق ممثلوها على تقاسم الأدوار بعد، خصوصا بعد الدعاية لمأسسة هذا الحوار والإعلان عن تأسيس لجان خاصة. بل إن حضور المركزيات النقابية إلى "مائدة"؛ هذا الحوار، كلما رغبت الحكومة في ذلك ودعتهم إليه، أصبحت بمثابة مأدبات للتنويم المغناطيسي للموظفين والموظفات، سواء من الجانب الحكومي أو الجانب النقابي. وأصبح معها النقابيون المركزيون مجرد قناة لتمرير الحكومة لقراراتها التي يصفونها بالانفرادية في بلاغاتهم للرأي العام، ولا نعرف حقيقة إن كانت انفرادية حقا أم هناك تواطؤ باستعمال الازدواجية في الخطاب النقابي للمشاركين في جلسات هذا الحوار، خصوصا مع تعالي أصوات نقابية في عدد من القطاعات بذلك. هذا من جانب. ومن جانب آخر فإن هذه المكاتب المركزية تخلت كليا عن الطبقة العاملة في القطاع الخاص. حيث إنها لم تستطع إقناع الباطرونا بالجلوس إلى "مائدة" الحوار الاجتماعي. كما لم تقم بأي مبادرة لدى الفرق البرلمانية للترافع من أجل حذف الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يضرب حق الإضراب في القطاع الخاص، بل يتناقض كليا مع التنصيص الدستوري على هذا الحق. وأصبحت معه الدعوة إلى إضراب وطني عام تقتصر على قطاع الوظيفة العمومية وشبه العمومية والجماعات المحلية. في مقابل تصاعد وتيرة الهجوم الشرس على حقوق ومكتسبات الشغيلة المغربية في القطاع الخاص. هذا الواقع النقابي على الصعيد المركزي دفع نقابات قطاعية على الصعيد الجهوي والمحلي إلى تجاوز القرار المركزي، إن لم نقل التمرد على المركز، في كثير من الجهات والأقاليم. ويتجلى ذلك من خلال الإعلان من طرف الكثير من المكاتب الجهوية والمحلية لنقابات منضوية تحت لواء مركزيات مختلفة عن برامج نضالية وتنفيذها. كما أن هذه المكاتب تجاوزت الحدود الدنيا للتنسيق النقابي مركزيا وذهبت بعيدا في هذا التنسيق. ولا أدل على ذلك البلاغات المشتركة التي تصدر هنا وهناك عن خمس مكاتب نقابية محلية، فيما التنسيق على المستوى المركزي لم يتعد بعد ثلاث مركزيات نقابية. بل إن هذه المركزيات النقابية، التي تنهي بلاغاتها أحيانا كثيرا بالدعوة والتأكيد على الوحدة النقابية، تختلف دائما حول الرد المناسب على فشل جلسات الاستماع الحكومي، ولاحظنا كيف انقسمت حول قرار الإضراب الوطني المحدود في أكثر من مناسبة. في حين تجاوزت المكاتب المحلية قرار الإضراب المحدود؛ منتهى النضال لدى المركز النقابي؛ إلى تنفيذ إضرابات مفتوحة عن العمل واعتصامات ومسيرات شعبية. وعلى ذكر المسيرة الشعبية فإنها شكلت منذ أزيد من سنة القرار الصعب المؤجل للمركزيات النقابية. وقد لاحظنا هذه الاستقلالية عن المركز؛ التي بدأت تترسخ في العمل النقابي على الصعيد المحلي، كيف قوت العمل النقابي وأكسبته فعالية أكثر في مواجهة الهجوم على حقوق ومكتسبات الموظفات والموظفين جهويا ومحليا، إلى درجة أن بعض المكاتب النقابية المحلية فرضت الحوار في أكثر من موقع على الإدارة المركزية للقطاع الذي تناضل بداخله. وحققت ما لم يستطع أعضاء المكاتب المركزية تحقيقه في جلساتهم الحوارية الروتينية مع الحكومة. وفي جانب آخر من الموضوع، واحتجاجا على سوء تدبير المركزيات النقابية لعدد من الملفات المطلبية قطاعيا وفئويا، وتهاونها في اتخاذ القرارات المناسبة والمأمولة بشأنها قررت العديد من الفئات الاستقلال النهائي تنظيميا عن هذه المركزيات وتأسيس نقابات فئوية وقطاعية مستقلة. كما هو الحال في قطاع التعليم بسلكيه المدرسي والعالي، وقطاع الهندسة وقطاع الصحة وقطاع النقل... كل هذا وغيره يدفع إلى التساؤل حول إن كان هذا مؤشرات انتكاسة المركزية في العمل النقابي أم بدايات متقدمة للجهوية الموعودة !.